ولاية الفقيه من خيبة ‘الممانعة’ إلى الوصاية على الشيعة

ولاية الفقيه من خيبة ‘الممانعة’ إلى الوصاية على الشيعة

ولاية الفقيه

ماذا لو كانت القضية معاكسة: السلطة القضائية الإيرانية تصدر حكما بالإعدام وتنفذه على مجموعة من الإيرانيين من بينهم أحد المواطنين السنّة لجرم تجزم سلطتها القضائية أنها ارتكبته. قامت إحدى الدول العربية كالسعودية أو مصر أو القوى التابعة لأي منهما في المنطقة العربية على القيام بما قامت به إيران أي الاعتراض والتنديد والتهديد، وصولا إلى التلميح بالرد على هذا الحكم. ماذا كان سيكون موقف إيران التي تعتبر الدولة الثانية في العالم في تنفيذ الإعدام؟ بالتأكيد سيكون موقف إيران رفض التدخل في حقوقها السيادية. وسترفض مبدأ النقاش في هذا الحق. وستدين من يحاول النفاذ إلى إيران بعنوان مرجع السنة سواء كان الأزهر أو غيره من المرجعيات الإسلامية.

لقد رافق ردود الفعل على إعدام الشيخ نمر النمر في السعودية مشهدان، الأول أن الاستنكار اتخذ بعدا مذهبيا في معزل عن مظلومية هذا الشيخ. ذلك أن كل المواقف، التي أباحت لنفسها الاعتراض على حكم القضاء السعودي، حصرت اعتراضها على إعدام الشيخ النمر.. فيما هناك 46 أُعدموا لم يأت المعترضون على ذكرهم. فهل يعني ذلك أن الشيخ النمر بريء فقط لأنه شيعي، والبقية هم مذنبون يستحقون الإعدام كونهم من غير شيعة؟

الأمر الثاني، وبمعزل عن مسألة التدخل في شؤون القضاء داخل دولة أخرى، أنه لم يصدر أي موقف يدين القضاء السعودي في أحكامه التي أصدرها، من جهات إسلامية سنية أو عربية معتبرة، لا ضد إعدام النمر ولا تضامنا مع بقية الذين أعدموا، وهم غالبيتهم من السنة.

لكن لماذا منذ الإعلان عن الإعدام صباح السبت، من ضمن 47 أعدموا في الوقت نفسه، بدأت الأنظار تتجه إلى الموقف الإيراني؟ هو المواطن السعودي الوحيد الذي أثارت قضية اعتقاله ومحاكمته ردود فعل واعتراضات من قبل قيادات إيرانية وأخرى شيعية.

الردّ الإيراني كان من أعلى موقع في الجمهورية الإسلامية، أي من قبل مرشد الثورة السيد علي خامنئي الذي اعتبر أن العقاب الإلهي سيطال النظام السعودي بسبب هذا الإعدام. وجاء هذا الموقف في أعقاب اقتحام مواطنين إيرانيين مبنى السفارة السعودية في طهران ومبنى القنصلية في مشهد، وأحرقوا أقساما تابعة للسفارة، ما دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى رفض التعدي على السفارة السعودية، بعدما أخرجت الشرطة الإيرانية المتظاهرين من السفارة والقنصلية.

مصر والأردن والإمارات والمغرب وغيرها من الدول العربية أدانت اقتحام السفارة السعودية في طهران، فيما اقتصرت إدانات إعدام النمر على مواقف من مواقع شيعية لم تتجاوزها إلى الشخصيات والحركات العربية أو الإسلامية السنية.

في المقابل لم يبادر حزب الله إلى تحركات ميدانية تعكس تصعيدا أو ردا على ما وصفه الأمين العام لحزب الله بأنه “تصعيد سعودي بالدم”. اقتصر الأمر في بيروت على تجمع العشرات من المستنكرين قبل ظهر أمس أمام مبنى الإسكوا، وتجمع بضع عشرات من المحتجين على بعد 900 متر من السفارة السعودية. فيما السيد نصرالله في خطابه الناري ضد آل سعود اعتبر أن الرد على إعدام النمر يكون بإعلان التبرؤ من آل سعود.

في خطاب نصرالله (الأحد) اعتبر أن “المشروع الأخطر كان أميركيا صهيونيا وصار تكفيريا”. وهذا يعكس التحول الاستراتيجي لحزب الله نحو الساحات الداخلية بديلا من إسرائيل. وقد انتقل إلى الهجوم العنيف على السعودية. وقد وعد منذ البداية بالحديث بوضوح ومن دون مواربة. وهكذا فتح النار بأعنف صورة ممكنة ضد السعودية.

لكن الإشارة الأخطر كانت حديثه عن النفط في المنطقة الشرقية عند الشيعة، والزعم أن الأميركيين عرضوا على بعض علماء الشيعة في السعودية التقسيم. وهذا تلميح إلى إمكانية لجوء الشيعة إلى دعوات الانفصال، علما وأن جريدة “كيهان” الإيرانية دعت الشيعة بوضوح إلى الانتقال من الاحتجاجات السلمية إلى المواجهة المسلحة مع النظام.

السيد نصرالله مهد الطريق في خطابه أيضا لردود فعل انتقامية ضد السنّة، مُعتبرا أنه غير مسؤول عنها لأن ثمة اختراقات في صفوفنا وستعمل على خدمة آل سعود.

توقيت الإعدام برأيه ذو دلالة سياسية، لأن السعودية تريد إحباط كل الحوارات الممكنة في سوريا والعراق واليمن وغيرها، وتسعى بالدم إلى تكريس سياستها ونفوذها وسطوتها. ولأن السعودية لا تأبه للعالم الإسلامي ولا للعرب ولا للأصدقاء ولا للمجتمع الدولي. ثم قوله إن السعوديين يخيّرون الناس بين أن يعيشوا في المملكة كالغنم وإما أن تقتلوا، وهذا في الحقيقة ينطبق على إيران.

كل الاتهامات الموجهة لإيران من قبل العالم عكسها نصرالله وألصقها بالسعودية بالقول إنها تُوغل في الفتنة، وأنها تظهر وجهها الاستبدادي الإجرامي الإرهابي التكفيري، كما فعلت في اليمن، والهدف ليس السيطرة عليه، بل الانتقام منه بتدميره وسحقه كما فعلت بإعدام النمر.

عرض نصرالله مواقف إيرانية وشيعية منددة بإعدام النمر، وقال إن ثمة مواقف سنية أيضا، وهذا غير صحيح، لأن من نطق بذلك هم من أتباع إيران غير الوازنين.

وإذا كان الإعدام تم لأن النمر حرّض على فتنة سنية شيعية، فبالنسبة إلى السيد نصرالله أن الرد على الإعدام لن يكون فتنة سنية شيعية وهذا مناف لمواقفه وسلوكه.

ولفت نظر الشيعة في كل البلاد إلى أن لا يحولوا الموضوع إلى سنيّ شيعيّ. كل شاب شيعي يجب أن يعبّر ضد آل سعود، وليس ضد السنة. فإذا كان يريد أن يتلافى الفتنة فلماذا يحرّض على دولة عربية أخرى، وهل هذا من شأنه، إلا إذا كان يعتبر شيعة السعودية مسؤوليته الخاصة، وهذا هو أساس الفتنة.

في خطاب نصرالله ما يشير إلى أن حالة العداء تسير نحو المزيد من التصعيد، وشكّل إعدام النمر المدخل الذي أراد منه نصرالله فتح المواجهة من موقعه إلى أقصاها، وفي داخل السعودية. وفي خطابه هذا تحييد للبنان كساحة تصفية حساب. والكلام الرسمي الإيراني حيّد إيران بعد طي صفحة الاعتداء على السفارة السعودية. المساحات المشتعلة بين إيران والسعودية في المنطقة، وفي الداخل السعودي، هي الهدف الذي ستتحرك ضمنه الأذرع الإيرانية بعدما صارت السعودية بالنسبة إلى إيران وحزب الله هي “الشيطان الرجيم”.

على أن خلاصة تداعيات هذا الحدث وتأثيره على العلاقة السعودية الإيرانية جاء بإعلان المملكة قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطرد دبلوماسييها من أراضيها. رغم أن المتحدث باسم وزير خارجية النمسا سيباستيان كيرتز أعلن في فيينا أن “وزيريْ خارجية السعودية وإيران أبلغاه أنهما لا يرغبان في المزيد من التصعيد”.

الأمور تعقّدت أكثر في المنطقة. فبعد مبادرة سعد الحريري الرئاسية في بيروت والتحضير لمفاوضات سورية في جنيف وهدنة اليمن، استمرت إيران في التعنّت بلبنان رافضة المبادرة لانتخاب حليفها سليمان فرنجية، وكانت النتيجة اغتيال زهران علوش في سوريا وقصف أراض سعودية من اليمن. إعدام النمر ليس مستغربا وسط هذه المعطيات. المستغرب هو تصرف إيران كما لو أنها وصية على كل شيعي في العالم، وهذا مصدر توترات المنطقة.

علي الأمين

صحيفة العرب اللندنية