احتواء “داعش” عسكرياً شيء، وهزيمته سياسياً شيء آخر

احتواء “داعش” عسكرياً شيء، وهزيمته سياسياً شيء آخر

67022

في غياب اتفاق للسلام في سورية، أو النشر غير المرجح لقوات أجنبية، سوف ينجو “داعش” ويستمر في العام 2016.
*   *   *
منذ 11/9 من العام 2001، ما يزال الساسة الغربيون يقللون من قدر أعدائهم. وقد ساد اعتقاد بأن طالبان ماتت ودفنت بعد العام 2001، لتعاود الظهور والأخذ بالثأر. كما اعتبرت مهمة العراق منجزة في العام 2003، كما أعلن جورج دبليو بوش في كلمته سيئة السمعة من على حاملة الطائرات الأميركية “يو أس أس أبراهام لينكولن”، لكن العراق انهار ليدخل في دوامة سفك دماء طائفية على مدار السنوات العديدة التالية.
إن متلازمة “سيكون الأمر قد انتهى بحلول عيد الميلاد” تجيء نتيجة لدوافع سياسية واضحة: من الصعب تسويق حرب مثيرة للجدل على العامة، بينما يتم الاعتراف بأنها قد تجري لأعوام مقبلة عدة. لذلك، فإن ما يصب في صالح قادتنا هو تعلمهم من هذه الأخطاء. وبينما أساء الرئيس أوباما معاملة الأزمة السورية في العديد من الطرق، فإنه كان صريحاً في القول للشعب الأميركي بأن القتال سيستمر ما بين ثلاث وخمس سنوات. وقد ردد القادة البريطانيون هذه المواعيد النهائية أيضاً. وهذا شيء معقول. فالحملة لطرد الإرهابيين من مناطقهم يمكن أن تمتد بسهولة إلى ما بعد السنة المقبلة. والحيلولة دون إعادة ظهورهم ستستغرق وقتاً أطول.
فلنتأمل حالة الأمور. ليست الجبهة العراقية خالية من الأمل، لكنها تظهر تقدما بطيئاً. وكانت استعادة سنجار في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أخباراً جيدة، كما قامت القوات العراقية بتحرير الرمادي للتو. وتظل القوات الأمنية العراقية تفتقر إلى التجهيز والأسلحة الرئيسية، مثل الصواريخ المضادة للدبابات، وما تزال منذ أشهر عدة بعيدة عن شن هجوم مضاد لاستعادة الجائزة الكبيرة، الموصل، التي أشَّر سقوطها في حزيران (يونيو) من العام 2014 على مدى وصول مجموعة الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” إلى المسرح العالمي. وفي بعض المناطق، تعتمد هذه القوات على مشاركة الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً. صحيح أن هذه القوات جيدة في القتال وكبيرة العدد، لكن إيديولوجيتها الطائفية وسلوكها يلهبان المعاناة السنية التي سهلت مسار “داعش” نحو السلطة. وعلى ضوء أن هدفنا لا ينصب وحسب على طرد “داعش” إلى الخارج، وإنما أيضاً على إبقائهم في الخارج، فإنه يجب علينا أن نمضي قدماً بحذر -وبذلك ببطء بشكل محتم.
في الأثناء، تعد الأمور في سورية أكثر تعقيداً. ويمضي الائتلاف قدماً في قطع خطوط الإمداد بين المقر الرئيسي لتنظيم “داعش” في الرقة وبين الموصل في العراق. لكن هذه تظل عملية محفوفة بالصعوبات. فلا توجد لدينا قوات للمرابطة عند نقاط التفتيش على الأرض. ولك أن تتخيل صعوبة تمييز مدني من شاحنة تقل مسلحين باستخدام كاميرات فقط من على ارتفاع آلاف الأقدام في السماء. ومن الممكن إعاقة حركة “داعش” لكن من غير الممكن وقفها كلية.
الأكثر قرباً من النقطة هو حقيقة أن وقف “داعش” عن النمو شيء، وأخذ أراضيه هو شيء آخر. وفي العراق، نستطيع التعويل على القوات المحلية بوضعها المزري كما هو. أما في سورية، فإن القوات المقبولة فقط -ثوار ديفيد كميرون “المعتدلون” سيئو الصيت البالغ عددهم نحو 70.000- ليسوا مقسمين في مئات الفصائل فحسب، وإنما ينظرون إلى الأسد على أنه العدو الرئيسي. وتبحث الولايات المتحدة وروسيا سبل إزاحة الأسد، لكن ما تدعى عملية فيينا تستشرف تشكيل حكومة جديدة في منتصف العام 2017. والآن، نجد روسيا تجر قدميها على أمل أن نعود إلى دعم الأسد من دون أن يترتب على موسكو التنازل عن أي شيء. وقد أتقن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، من خلال أربعة أعوام من دبلوماسية سورية، فن وضع قدميه في فمه ليشجع موسكو عن غير قصد على اعتناق هذا الاعتقاد بتصريحات من نوع “إن الولايات المتحدة وشركاءنا لا يسعون إلى تغير النظام في سورية”. لكن الموضوع بسيط: حتى يتضح أن الأسد ملتزم بالتنازل عن السلطة في نهاية المطاف، سيكون من المستحيل سياسياً على البلدان الغربية احتواء الثوار، أو التعاون مع جيش الأسد أو مع سلاح جو بوتين. وإذن، من هو الذي سيهاجم ويجتاح الرقة؟
ما وراء العراق وسورية، تبدو الصورة مثيرة للقلق أيضاً. ويقوم “داعش” بإنشاء فروع له في كامل المنطقة الممتدة من الجزائر إلى باكستان. وفي الجزء الضخم منه، يمنح “داعش” ماركته لمجموعات محلية سابقة الوجود بدلاً عن تشكيلها من العدم. لكن هذا لا يجعلها أقل خطورة. فبعد كل شيء، كان فرع القاعدة في اليمن يشكل تهديداً أكبر للغرب من “المركز” النظري للقاعدة في باكستان. وقد قتل “داعش” نحو 1000 شخص تقريباً في هجمات شنها خارج العراق وسورية؛ حيث وقعت أضخم الهجمات في مصر واليمن وتركيا وفرنسا. وربما تكون أكثر مجسات “داعش” موجودة في ليبيا؛ حيث أعطى الفشل في تشكيل حكومة هناك للمجموعة الإرهابية فضاء لتأسيس تواجد من 3000 رجل قوي، متركزين في مسقط رأس العقيد الراحل القذافي، مدينة سرت.
في ظل غياب اتفاق سلام سريع غير مرجح الحدوث في سورية، أو الضخ غير المرجح بالمقدار نفسه لقوات أجنبية برية هناك، تكون لدى “داعش” فرصة معقولة للاستمرار في التمسك بالرقة والموصل خلال العام 2016. وتأمل الحكومات الغربية، في الأثناء، أن يشتري هذا الوقت للدبلوماسية، التي تستطيع بالتالي تأجيل الخيار العسكري. ولكن، إذا فشل هذا، تكون المخاطرة في أننا ربما نستطيع احتواء “داعش” عسكرياً، لكننا لا نستطيع احتواءه سياسياً. وبعد كل شيء، فإن نقاطه الأمامية في أمكنة أخرى وعملاءه في أوروبا يكافحون من أجل استدامته.

عبدالرحمن الحسيني

صحيفة الغد الأردنية