العراق وسيطاً بين الرياض وطهران…مبادرة أم تكليف إيراني؟

العراق وسيطاً بين الرياض وطهران…مبادرة أم تكليف إيراني؟

349
قررت بغداد، أخيراً، أن تقوم بدور الوسيط بين إيران والسعودية، على الرغم من انتفاء هذه الصفة عنها بسبب تأييدها الضمني للموقف الإيراني في الأزمة الحالية بين البلدَين، ما يرجّح فرضية التكليف الإيراني للعراق للقيام بهذا الدور، وسط إصرار عراقي على أنّها مبادرة فردية تصبّ لصالح البلاد. وقام وزير الخارجية العراقية، إبراهيم الجعفري، أمس الأربعاء، بزيارة إلى طهران التقى خلالها بنظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، ومسؤولين بارزين. ووفقاً للجعفري، فإن حكومة بلاده “قرّرت أن تقود وساطة بهدف تخفيف حدة التوتر بين إيران والسعودية”.

وقال الجعفري في مؤتمر صحافي عقده ونظيره الإيراني، إنّ مجلس الوزراء قرّر، خلال الجلسة التي عقدها، يوم أمس (الثلاثاء)، التحرك تجاه التوترات في المنطقة. “تربطنا علاقات الجوار مع إيران، وكذلك العلاقات التي يملكها العراق مع الدول العربية الأخرى، إذ لا يمكن للعراق أن يقف ساكتاً وحيادياً إزاء أية أزمة”، على حدّ تعبيره”.

وكشف وزير الخارجية العراقية، عن أنّه سيزور عدداً من الدول العربية بعد اختتام زيارته إلى إيران، لتهدئة الأجواء بين البلدَين، مشيراً إلى أن المشكلة قد تمتد إلى بلدان أخرى. وأشار إلى أن “العراق يسعى بشكل مكثّف لمواصلة الجهود ليعمّ الأمن والسلم بين إيران والسعودية”، موضحاً أنه اتصل بـ”وزراء خارجية عرب وبالأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي بهدف تهدئة الأجواء، وحلّ المشكلة بشكل سلمي، ومنع التداعيات”.

ولم يخفِ الجعفري موقفه من الأزمة الحالية، إذ بدا في خانة المؤيدين لإيران بقوله، إنّ هذه الأخيرة “تدير الأزمة الحالية بحكمة عالية. وسررتُ بعد الاطلاع على إجراءات الحكومة الإيرانية، لإدارة الأزمة الحالية مع السعودية”، مستدركاً حديثه بأن “العراق لا يتدخل في شؤون أحد، لكن موضوع إعدام الشيخ نمر النمر يرتبط بالمرجعية الدينية”، على حد وصفه. وأكّد الجعفري “ضرورة أن يفهم العالم أن إيران لم تكن مع أي هجوم، وكانت حريصة على إضفاء السلم والطمأنينة”.

إلّا أن مصادر رفيعة المستوى في البرلمان العراقي، وتحديداً لجنة العلاقات الخارجية التي رافق ثلاثة من أعضائها الجعفري في زيارته إلى طهران، تحدثت عن طلب إيراني للعراق للقيام بدور الوسيط. ويكشف برلماني عراقي لـ”العربي الجديد”، عن أنّ “المعلومات المتوافرة لدينا، تتحدّث عن طلب إيراني أو لنقل تكليفاً إيرانياً لحكومة العراق للقيام بدور الوسيط للتخفيف من حدّة الأزمة، خصوصاً مع وجود بوادر طرد سفراء آخرين لإيران في دول عربية، ونجاح الرياض في تحشيد الشارع القومي العربي ضد طهران”.

اقرأ أيضاً: إيران تلوم السعودية والعراق يتوسط لوقف التصعيد

ويضيف البرلماني ذاته، أنّ “العراق لا يمكنه حالياً الإقدام على مثل هذا الدور لأسباب عدة أبرزها؛ غرقه بمشاكله الداخلية السياسية والأمنية والاقتصادية والخارجية، فضلاً عن تبنّيه موقفاً سلبياً في الأزمة موالياً لطهران، والقيام بدور الوساطة آخر شيء يُتوَقّع من الحكومة العراقية”. وما يعزّز فرضية الطلب الإيراني، مغادرة الجعفري إلى طهران، أمس الأربعاء، على الرغم من العيد الوطني للجيش العراقي، وإقامة احتفال مركزي حضره أعضاء الحكومة والبرلمان.

في المقابل، ينفي القيادي في “التحالف الوطني العراقي” (الشيعي)، فاضل اللامي لـ”العربي الجديد” معلومات البرلماني المذكور، مبيّناً أن التحرك العراقي محاولة منه للإصلاح وخوفاً من انتقال التوتر إلى داخل العراق بشكل طائفي يخدم تنظيم داعش”. ويضيف اللامي، أنّ “العراق بيئة خصبة لاستقبال التوترات الخارجية، ونحن في قلق بالغ. كما أنّ هناك انقساماً في الشارع العراقي بين مؤيد للسعودية وآخر مندد بإعدام النمر، كونه رجل دين يمثّل طائفة يتبعونها، وهذه مشكلة بحد ذاتها”، مشدّداً على أنّ “التحرك الحالي للوساطة، يأتي مراعاة لمصالح العراق أولاً”.

في السياق ذاته، يرى المحلّل السياسي العراقي، ماجد عبدالحق، أن زيارة الجعفري مهمة للعراق. ويضيف عبدالحق في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ انعكاس الأزمة بين الرياض وطهران داخل العراق وارد جداً. فالهجمات ذات البعد الطائفي للمليشيات على مساجد ومناطق ذات بعد مذهبي معيّن بعد ساعات من الأزمة بين البلدين على خلفية إعدام 47 مداناً بالإرهاب، ومن بينهم النمر، يؤكد خطورة انعكاس الموقف على العراق”. ويلفت المحلّل السياسي، إلى أنّ “هناك مليشيات طائفية متطرفة يمكن وصفها بالتكفيرية، نفّذت اعتداءات بدوافع انتقامية مذهبية في بغداد وبابل، في ردّ موجّه للسعودية بحسب اعتقادها. ويُخشى من هذه المليشيات أن تكون أداة لإشعال فتنة طائفية في العراق لأسباب قد تكون خارجية، هذه المرة، لا داخلية”، على حدّ تعبيره.

بدوره، يقول عضو التحالف الكردستاني العراقي، حمة أمين، لـ”العربي الجديد”، إنّ “موضوع الدخول كوسيط أمر جيد بالنسبة للعراق، فالوضع متوتر ويتصاعد طائفياً بعد الأزمة”. ويضيف أمين، أنّ “لإيران مليشيات تحرّكها على الأرض، وتسعى للانتقام الطائفي الذي تجد فيه سبيلاً داخل العراق. وسواء كلّفت طهران حكومة العبادي بالوساطة أو أنّ الأخيرة هي مَن بادرت، فإنّ الهدف يصبّ لصالح الوضع الداخلي، على الرغم من عدم تفاؤلي بنجاح الوساطة كونها مبكرة، فضلاً عن أنّ العراق غير مؤهل لهذا الدور لموقفه المعروف وقربه من إيران، لكن على الأقل قد ينجح في التهدئة إعلامياً في الوقت الراهن”.

عثمان المختار

صحيفة العربي الجديد