الدول العربية ليست جاهزة لتكريس الديمقراطية

الدول العربية ليست جاهزة لتكريس الديمقراطية

603fdbc8-0b29-4dd6-90fd-1544d5b5de52_16x9_600x338

وصف المؤرخ التونسي هشام جعيط الحالة التي يعيشها العالمان العربي والإسلامي بـ”حالة اضطراب كبيرة ومحزنة”، قائلاً إن هذا الأمر “منذ 30 سنة تقريباً، أو أكثر، عالم مضطرب لم يجد سياقه في التاريخ الحالي، والآن نراه عبارة عن حروب وعنف”.

مستطردا في هذا السياق “وأخيرا جاء منذ عدة سنوات، ما سُمي في الغرب بالربيع العربي، أي ثورات ضد النظم الدكتاتورية، حصلت في تونس (14 يناير 2011 ) ورحل الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وجماعته، وبقيت البلاد في حالة غليان، طبعاً الثورة فيها اضطراب، أما الآن فأخذت نوعاً من الاستقرار”.

“ثم حصل ما جرى في ليبيا، وهي حرب حقيقية حيث قتل فيها رئيسها معمر القذافي، قتلاً شنيعاً (إثر ثورة 17 فبراير 2011)، وكذلك مصر التي انتهت بتنحية الرئيس الأسبق حسني مبارك في (ثورة 25 يناير 2011)، وفي اليمن (2011) تمت الإطاحة بنظام الرئيس علي عبدالله صالح، وشهدت البحرين حركة احتجاجية عام 2011، قالت السلطات، إن جمعية الوفاق (معارضة) تقف وراء تأجيجها”.

عدم الجاهزية للديمقراطية

أما سوريا، فما حصل فيها، برأي أستاذ التاريخ الإسلامي بالجامعة التونسية، هو “ثورة من أجل ديمقراطية دائماً، ومن أجل تنحية الرؤساء الدكتاتوريين”. وتابع “كان نظام بشار الأسد، وأبيه (حافظ) أيضا، نظاما دكتاتوريا شنيعا قائما على المخابرات، وأراد السوريون أن يدخلوا في الديمقراطية فانتهوا إلى حرب كبيرة جداً، وهي أهم ما يحصل في العالم اليوم”. وحول أسباب فشل بعض الثورات العربية، وعما إذا كان أحد هذه الأسباب هو عدم جاهزية العالم العربي للديمقراطية، أجاب جعيط بقوله “لا يمكن أن نصل في الفترة الحالية إلى ديمقراطية، حتى في بلد كتونس، الديمقراطية تعد معطى جديدا لم نتعود بعد عليه أو على الحرية، كما لا ننسى أن الديمقراطية من أصل غربي لعلها لا تتمــاشى مع جذور هذه الحضـارة الإسلامية”.

وأردف “الآن وبسبب التأخر الاقتصادي والاجتماعي، فالديمقراطية بالمعنى الغربي الدقيق لا تتماشى مع نفسية المسلمين الحالية”. وعن أسباب التحاق عدد من الشباب العربي، بالتنظيمات “الإرهابية “في سوريا والعراق، يقول المفكر التونسي “ليس فقط الشباب العربي من التحق بهذه التنظيمات، بل هناك من الإفرنج الأصليين الذين انخرطوا في الظاهرة، والسبب الأول هو أن هناك قسما من الشباب في البلدان العربية وحتى الإسلامية منحدر مادياً، ولا يملك الإمكانيات اللازمة والمقومات المطلوبة والكافية لتأسيس وضع مستقر لا يحملهم على التوجه إلى أساليب أخرى لتلبية حاجياتهم والتي توفرها المجموعات الإرهابية التي نجحت في اللعب على هذا الوتر. ويعود ذلك إلى أن الحركات الديمقراطية الجديدة الناشئة في الدول العربية خاصة لم تنجح في توفير المقومات الضرورية لحياة أفضل لهؤلاء الشباب.

في سياق آخر، اعتبر المفكر التونسي أن السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة الأميركية في العالم العربي والإسلامي كان لها أثرها الكارثي على المنطقة، واستدل على ذلك بالوضع المتفاقم في سوريا والذي أصبح مرتعا لجملة من اللاعبين على غرار تدخل الشيعة الإيرانيين أو التابعين لهم من لبنان (في إشارة لحزب الله)، إلى جانب التدخل الأميركي الذي يتخذ بعض الخصوصية، فضلا عن التدخل الروسي الكبير الذي تبعته فرنسا تماشياً مع السياسة الأميركية. وهذه المعطيات تحمل مؤشرات أن الشرق الأوسط أصبح محل صراع بين كل القوات العالمية والإقليمية، فيما يقف العرب والمسلمون عاجزين عن مسك زمام أمورهم سواء في اتجاه الديمقراطية أو في اتجاه آخر.

الاستثناء البورقيبي

وأقرّ جعيط بنجاح التجربة التونسية، قائلاً “هناك أسباب تجعل من الحالة التونسية استثنائية، فالتجربة البورقيبية (نسبة إلى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، 1903 -2000) تقترب كثيراً من الغرب في الثقافة والحضارة التي حاول تجسيدها لا سيما على مستوى التعليم. ومضى بقوله “حكم بورقيبة دام 30 سنة، وطيلة هذه الفترة كان يعتبر نفسه علمانياً، بل علمانيا متشددا، فتكونت نخبة متأثرة كثيراً بالغرب. أما الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، فهو كما يعتبره جعيط “بورقيبي وسياسي يمثل التيار العلماني، لكنه يتفق إلى حد ما مع حركة النهضة بسبب حجم التأييد الذي حظيت به داخل البلاد على خلاف اليساريين الذين يرفضون التعاطي مع التيار الإسلامي”.

وحول رأيه في الانشقاق الحاصل في حزب “نداء تونس” الذي يقود الائتلاف الحكومي، قال “أرى أن الرئيس التونسي أسس الحزب بسرعة، بهدف مواجهة أغلبية النهضة، ولرفع الباجي قائد السبسي إلى مقام الرئاسة، ولهذا فهو لم يعد بحاجة إلى هذا الحزب. فلديه شرعية الانتخاب”، ويضم الائتلاف الحاكم أغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان)، ويتشكل من حزب “نداء تونس” (86 نائباً)، وحركة “النهضة” (69)، و”الاتحاد الوطني الحر” (16)، وحزب “آفاق تونس” ( 10 نواب) من مجموع 217 نائباً.

ويشهد حزب نداء تونس، منذ ما يزيد عن شهرين، حالة انقسام حادة بين فريقين الأول يدعم أمينه العام المستقيل، محسن مرزوق، والثاني يساند حافظ السبسي، نجل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، قبل أن يعلن مرزوق، اعتزامه تأسيس حزب سياسي جديد، سيتم إشهاره رسميا في مارس القادم.

وبالنظر إلى الصعوبات الاقتصادية (نسبة نمو أقل من 0.5 %) وتأثيرها على استقرار التجربة التونسية، يقول جعيط “إلى حد الآن، مازال النصاب لم يكتمل في تونس ولهذا يجب العمل على حل ثلاث مشاكل أساسية في البلاد وهي تقوية النظام بما في ذلك الجيش، وضرب المافيات الموجودة، وإعادة دفع النمو الاقتصادي والعمل على تلافي المشاكل الاقتصادية الكبيرة المطروحة، فضلا عن مكافحة الإرهاب الذي أصبح أحد اكبر مهددات الاستقرار في البلاد، كما أنه تحول إلى لعنة طالت كل العالم اليوم بما في ذلك أوروبا وأميركا.

صحيفة العرب اللندنية