يقرأ سياسيو العراق ما يقع من حولهم من أحداث بطريقة طائفية، تجعلهم في منأى عن محاولة البحث في حقيقة تلك الأحداث وهو ما يريحهم.
غالبا ما يشعر الطائفي بالراحة حين يلقي نظرته على العالم من حوله، فيرى الناس وقد توزعوا بين طوائفهم، متعصّبين لعمى أفكارهم.
هذا هو الوصف الدقيق للحالة التي يعيشها سياسيو العراق بعد أن نجحوا في تحويل طائفيتهم السياسية إلى طائفية اجتماعية بغطاء ثقافي.
لذلك لم يكن رد الفعل العراقي في مواجهة تدهور العلاقات السعودية – الإيرانية مفاجئا لمَن سبق له أن تعرف على البنية التي أقيم على أساسها النظام الجديد في العراق، وهي بنية تستمد قدرتها على الاستمرار من تكريس البعد الطائفي لكل حدث. من غير ذلك البعد فإن النظام سيكون مهددا بالسقوط والتلاشي.
في سياق تلك الحقيقة فقد أظهر العراقيون حماسة في حربهم الكلامية ضد السعودية لم يرها أحد في طهران. كانوا إيرانيين أكثر من الإيرانيين أنفسهم. فهل جرى ذلك بالتنسيق مع معلميهم في قم؟
أعتقد أن التهدئة كانت قد وقعت بناء على أوامر إيرانية في حين كان التصعيد عراقيا. وهو أمر غريب، غير أنه محتمل الوقوع في ظل ما تقوم به إيران من توزيع للأدوار بين مريديها. ولو ترك الأمر للعراقيين لسلموا أمرهم إلى أمراء الحرب من قادة الميليشيات.
وكما أرى فإن سياسيي العراق قد دخلوا إلى المكان الخطأ حين أضْفَوْا على النزاع كعادتهم طابعا طائفيا. من وجهة نظرهم القاصرة والضيّقة، كونهم هواة سياسة وليسوا محترفين، فإن النزاع يمكن اختزاله طائفيا، بحيث تكون السعودية السنية عدوة لإيران الشيعية. وهو اختزال يناقض حقيقة ما جرى.
فالسعودية دولة ذات سياسة مستقلة، وهي في علاقتها بالعالم الخارجي لا تمثل أتباع مذهب ديني بعينه. كما أن إيران ليست كما يظهرها إعلامها حامية لأتباع المذهب الشيعي، بل هي دولة ذات توجهات قومية، ترعى مصالحها السياسية والاقتصادية بطريقة لا علاقة لها بتوجهاتها الطائفية.
الفرق بين الدولتيْن يكمن في أن إيران تستعمل مريديها من الطائفيين أداة للتدخل في شؤون جيرانها، وهو ما لا تفعله السعودية. غير أن الخطأ الفادح الذي ارتكبته إيران على أراضيها من خلال إشعال النار بمقري سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد لا يمت بصلة إلى الاختلاف الطائفي. إنه جريمة يدينها القانون الدولي.
إيران الدولة لم تقم بواجبها الذي ينص عليه القانون الدولي حين تركت الغوغاء يتخطون حدود المقبول من الاحتجاجات ليرتكبوا جريمتهم. وهي جريمة رفضت المملكة العربية السعودية أن تمر من غير عقاب.
أعتقد أن نزاعا بين دول بحجم السعودية وإيران هو أكبر من قدرة سياسيي العراق على الفهم والإدراك. ليس لأن أولئك السياسيين لا يفهمون شيئا في السياسة بعد أن عجزوا عن إدارة بلادهم سياسيا فحسب، بل وأيضا لأنهم لا يعرفون كيف يدير السعوديون شؤونهم في السياسة الخارجية. ولكنني أشك بأن أولئك السياسيين يعرفون شيئا عن الطريقة التي يدير الإيرانيون من خلالها علاقاتهم السياسية مع الخارج.
تعرف إيران متى تكون شيعية وهو ما لا يشمل علاقاتها مع العالم. تستعمل إيران تشيّعها لإلحاق الأذى بالعرب من خلال بث روح الفتنة بين صفوفهم، وهي لا تفعل ذلك دفاعا عن المذهب كما يروج إعلامها وإعلام مريديها، بل كراهية بالعرب الذين لا تتمنى لهم حياة مستقرة، هانئة بما وهبهم الله من ثروات.
ما لا يريد سياسيو العراق المحدثون الاعتراف به أن الحطام الذي انتهى إليه العراق هو صناعة إيرانية. لولا تدخلات إيران من خلال مريديها الذين يقف على رأسهم نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، لما كان لداعش وجود على الأراضي العراقية.
إيران هي التي حمت الفاسدين الذين سلموا العراق إلى الإفلاس.
الموقف العراقي من الأزمة السعودية – الإيرانية هو تعبير عن الطائفية في أسوأ تجلياتها، وهو الموقف الذي ستسعى إيران إلى عدم الوصول إلى حضيضه، خشية منها على وضعها الاقتصادي.
فاروق يوسف
صحيفة العرب اللندنية