في حين تسمح سورية بإيصال بعض المساعدات الغذائية، فإن الصور المروعة للمجاعة في مضايا تتسبب برد فعل عنيف ضد حزب الله في لبنان.
بيرون، لبنان- أثارت الصور التي بثت مؤخراً لأطفال مصابين بالهزال، والحكايات عن السوريين الجائعين الذي أجبروا على أكل العشب وأوراق الشجر في بلدة مضايا المحاصرة، مشاعر الرعب والصدمة في جميع أنحاء العالم.
وفي لبنان، أثارت هذه الصور موجة من الانتقادات ضد حزب الله؛ الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران والتي تقوم بتطويق المدينة إلى جانب القوات السورية. ويوم الجمعة، تم تنظيم المظاهرات من أجل دعم المدينة المحاصرة وضد الحصار هنا في بيروت، وسط تحذيرات من أن الأزمة الإنسانية يمكن أن تضر بالعلاقات بين السنة والشيعة داخلياً في لبنان.
ومن جهته، رد حزب الله الذي اكتوى بنار هذه الانتقادات، ملقياً اللوم على المقاتلين المناهضين للنظام على احتكارهم الإمدادات الغذائية المتضائلة في مضايا، ورفضهم السماح للمدنيين بمغادرة المدينة.
وتدور هذه الضجة المتصاعدة حول مخاوف على مصير نحو 42.000 شخص من المقيمين في مضايا، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة. وقد وافقت الحكومة السورية يوم الجمعة الماضي على رفع الحصار عن البلدة مؤقتاً، كجزء من صفقة توسطت فيها الأمم المتحدة، والتي ستشهد أيضاً وصول إمدادات إلى بلدتين شيعيتين يحاصرهما الثوار السوريون في شمال سورية أيضاً.
يقاتل آلاف عدة من مقاتلي حزب الله في سورية إلى جانب النظام. وقد أثبتوا أنهم أكثر موثوقية من الجيش السوري المنضب والميليشيات قليلة الخبرة نسبياً المدعومة من إيران والقادمة من العراق وأفغانستان. وقد شن مقاتلو الحزب هجمات متعددة في جميع أنحاء البلاد. لكن المجموعة كانت قد بنت سمعتها باعتبارها حركة مقاومة معادية لإسرائيل -ومؤخراً ضد الجهادية السنية- وهو السبب الذي جعل الاتهامات التي وجهت إليها بسبب مضايا مؤلمة بشكل خاص.
على مدار الأشهر الستة الماضية، ساعد مقاتلو حزب الله القوات السورية في ضرب حصار على مضايا، الواقعة غرب دمشق وعلى بعد 7.5 ميل من الحدود الشرقية للبنان، باستخدام الحواجز ونقاط التفتيش والقناصة، والألغام الأرضية، لمحاصرة السكان.
وكانت آخر شحنات الغذاء قد وصلت إلى مضايا يوم 18 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ومع نضوب مخزون الغذاء خلال هذه المدة، أجبر السكان الجائعين على أكل العشب وأوراق الشجر وشرب المياه المنكهة بالتوابل.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود يوم الخميس الماضي إن 23 شخصاً قد لقوا حتفهم بسبب الجوع منذ الأول من كانون الأول (ديسمبر) في عيادة طبية تديرها المنظمة، ستة منهم من الرضع الذين دون السنة من العمر.
وقال برايس دي لو فينغن، مدير العمليات في منظمة أطباء بلا حدود: “يبلغنا المسعفون الذين ندعمهم عن الإصابات والوفيات بسبب الرصاص والألغام الأرضية بين الأشخاص الذين حاولوا مغادرة مضايا. لقد أصبح اليأس حاداً حتى أن الناس هناك قاموا يوم أمس (الأربعاء) بأعمال شغب في محاولة للاستيلاء على آخر الأغذية المتبقية في نقطة التوزيع التي تدعمها منظمة أطباء بلا حدود، والتي كان الهدف هو منحها للأشخاص الأكثر عرضة للخطر”.
أكل أوراق الشجر، واصطياد القطط
تقع مضايا على ارتفاع يبلغ حوالي 4000 قدم عن سطح البحر، وقد طالتها العواصف الثلجية في الأسبوع الماضي. وتقول التقارير إن السكان هناك يقومون بحرق الأثاث في منازلهم لأغراض التدفئة، أو يخاطرون بحياتهم لاحتطاب الأشجار من غابة على أطراف البلدة، والتي تقع ضمن مدى إطلاق النار لمجموعة من قناصة الحكومة السورية.
ويقول أبو عمر، وهو أب لأربعة أطفال مقيم في المدينة، والذين وصل مؤخراً إلى لبنان: “الوضع في مضايا مأساوي للغاية. لا يوجد طعام هناك. وقد رأيت الناس يأكلون أوراق الشجر ويطاردون القطط ويصطادونها. لا توجد أدوية، ولا أي من الأشياء التي يحتاجها الناس من أجل الحياة اليومية. إننا نعيش بالمعجزات”.
وفي الأيام الماضية، استغل الخصوم السياسيون في لبنان دور حزب الله في حصار المدينة لتصعيد النقد ضده. وجاء في بيان صدر يوم الجمعة عن الأعضاء المنافسين للحزب في البرلمان: “تشهد مدينة مضايا السورية حصاراً بقصد التجويع، والذي يرقى إلى مستوى جرائم الحرب ويمكن تصنيفه في فئة الجرائم ضد الإنسانية. اللبنانيون… يرون أن تورط حزب الله في الحصار والتجويع هو عمل مشين يتعارض مع “الأخلاق السياسية” التي يدعي الحزب التمسك بها”.
كما انتقد سياسيون سنة آخرون بارزون في لبنان تصرفات حزب الله في مضايا، فقال فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء الأسبق “إن تورط (حزب الله) المحتمل في هذه الجريمة سوف يؤثر سلباً على العلاقات بين اللبنانيين”. ويوم الجمعة، نظمت مجموعة سياسية سنية مسيرة في بيروت دعماً لمضايا، في حين أغلقت مجموعة أخرى لفترة وجيزة الطريق السريع الرئيسي الذي يربط بين بيروت ودمشق احتجاجاً على الحصار.
حزب الله يرد
في المقابل، نفى حزب الله أنه يقوم بتجويع المدنيين عمداً. وقال الحزب في بيان أصدره يوم الخميس: “الجماعات المسلحة في مضايا هي التي تسيطر على المواد الغذائية داخل المدينة وتقوم ببيعها لمن يقدرون على الشراء، وهكذا انتشرت المجاعة على نطاق واسع في صفوف المدنيين الفقراء”.
وأضاف حزب الله أن المقاتلين يقومون بمنع السكان من مغادرة مضايا ويرفضون التفاوض على صفقة يقوم بموجبها 300 من أصل 600 متمرد بتسليم أنفسهم للحكومة السورية.
واختتم بيان حزب الله يوم الخميس بالقول: “من الواضح أن الأهداف الكامنة وراء حملة التشويه الخاصة بمضايا هي تشويه صورة المقاومة اللبنانية (حزب الله) والحكومة السورية”.
من جهته، يؤكد أبو عمر صحة بعض اتهامات حزب الله، ويقول إن المسلحين يمنعون السكان من مغادرة المدينة لأنهم يخشون التعرض للهجوم إذا لم يعد المدنيون موجودين هناك. وقد تسلل أبو عمر خارجاً من مضايا منذ 10 أيام ليصل إلى بيروت حيث يعمل في أحد المخابز.
ويضيف أبو عمر: “كانت المغادرة مخيفةً جداً وخطيرةً للغاية. وقد انتظرت حتى وقت مبكر من المساء عندما حل الظلام لأن هناك قناصة على كلا الجانبين. إنهم يطلقون النار على أي شيء يتحرك”.
وليست مضايا هي المدينة الوحيدة القابعة تحت الحصار في سورية. فهناك الفوعة وكفريا، وهما بلدتان شيعتان مواليتان لنظام الأسد في شمال سورية، واللتان ما تزالان تحت حصار جماعات الثوار منذ أشهر عدة.
في شهر أيلول (سبتمبر)، كانت الأمم المتحدة قد توسطت في التوصل إلى اتفاق لتخفيف الحصار عن ثلاث بلدات في سورية، والذي يمكن أن يفضي في حال نجاحه إلى مزيد من ترتيبات وقف إطلاق النار المحلية. وبموجب الاتفاق، تمكن عشرات المقاتلين الجرحى والمدنيين في الشهر الماضي من مغادرة بلدة الزبداني التي تقع بجانب مضايا، والعبور إلى لبنان حيث نقلوا جواً إلى تركيا. وفي المقابل، غادر شيعة من بلدتي الفوعة وكفريا سورية عبر تركيا وطاروا من هناك إلى لبنان.
علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد الأردنية