قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، هو أقل فعل يمكن أن يقوم به العرب في مواجهة الغرور الإيراني. حريق السفارة السعودية في طهران ليس الحريق الأخير، ويجب أن لا يكون مفاجأة، فحرائق إيران مستمرة ومتكررة منذ حرق السفارة الأميركية، وأزمة الرهائن عام 1979 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، حتى حريق السفارة السعودية منذ أسابيع. وبين هذين الحريقين عاثت إيران فسادا وبغرور شديد في مساحات شاسعة من الجسد السياسي العربي في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
لم تتوقف إيران عن حلم تصدير الثورة منذ عام 1979 حتى الآن، ورغم كل هذا العبث، فإنها لم تدفع أي ثمن يذكر، باستثناء حربها مع صدام، والتي تجعل بعضنا كعرب اليوم – رغم كراهيتنا لكل أفعال صدام الشائنة وآخرها احتلال الكويت، ورغم كل ما في ذلك من بشاعة – يعيد النظر في عراق صدام، الذي وقف ضد الصلف والغرور الإيرانيين.
إيران اليوم أخطر على مستقبل العرب من إسرائيل، فإسرائيل ليس لديها من يؤيدها في العالم العربي، إنما في حالة إيران فلدينا لوبي إيراني مسيطر يبرر أفعالها، من قاهرة المعز، وتنظير بعض الكتاب الذين يبررون لإيران كل شيء، إلى ميليشيات حزب الله المسلحة في لبنان.
إيران لا تختلف عن إسرائيل في عدوانها واحتلالها لأراضي العرب، حيث تحتل إيران الجزر الإماراتية الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، بالإضافة إلى احتلالها لجنوب لبنان وللعراق وأجزاء من سوريا.. بينما تحتل إسرائيل الجولان وبعض الضفة الغربية وبعض غزة. فهل هناك احتلال محمود واحتلال مذموم؟ وهل هناك أرض عربية مقدسة وأراض عربية مدنسة؟
إننا بحاجة ماسة إلى وقفة مع الذات تجاه إيران فهي ضرورة قصوى تتطلبها المرحلة الحالية، ذلك أن تحديات إيران للإقليم كبيرة وخطيرة، لكننا في عالمنا العربي لا نطور أفكارنا بقدر ما نسفه من طروحات بعضنا بعضا، حتى وإن كانت بداية لنقاش جاد.
هناك أمور تحدد ملامح التحدي الإيراني، أذكر منها هنا نظرية العجلة في إيران التقليدية أو إيران ما قبل الاتفاق النووي.
نظرية العجلة (Bicycle Theory)، ملخصها أنه: متى ما توقفت إيران عن مشروعها التخريبي في الخارج سقط النظام في الداخل. بمعنى أن من يقودون إيران منذ ثورة الخميني يقودون إيران كما يقود «العجلاتي» العجلة.. فبقاء العجلة منتصبة وعدم سقوطها على الأرض مرهون بأن يحرك راكب العجلة قدميه، وأن يبدل بكل قوته، فمتى ما توقف عن التبديل وعن الدفع، فإن العجلة ستتوقف عن السير إلى الأمام أو سيقع صاحبها من عليها. اللف والتبديل والدفع بالأقدام في العجلة هو الذي يمنع راكبها من السقوط، وهو مقابل مشروع تصدير الثورة عند الإيرانيين وعمليات التخريب المستمرة في الإقليم. فمتى ما توقفت إيران عن مشروعها التخريبي في الخارج سقط النظام في الداخل.
«العجلاتي» الإيراني كاد يسقط لولا الاتفاق النووي مع مجموعة الدول الست الكبرى. ومن هنا يكون الموقف الغربي اليوم هو الحاسم، بمعنى أنه علينا إقناع الغرب بأن من راهن على تحول إيران بعد الاتفاق، فعليه فقط أن يرى حريق السفارة السعودية ويتذكر الرهائن والسفارة الأميركية ليدرك أن الأنظمة الفاشية لا تغيرها الصفقات، ولو وصلت الرشوة إلى الإفراج عن مليارات الدولارات من أموال إيران المجمدة.
مواجهة السعودية مع إيران ستنتج مواجهات أخرى بين إيران وقوى أعظم، لأن الإقليم في الغالب وتاريخيا كان منطقة تنافس للدول الكبرى، ولم يكن أبدا ليترك لدولة متوسطة الحجم مثل إيران.. فهذا أمر لا يستقيم حسب قوانين العلاقات الدولية.
صمود السعودية ودول الخليج وعدم إلقاء الأوراق قبل أن تبدأ اللعبة سينقل الأمر إلى مستوى أعلى من قدرات إيران.
اربطوا الأحزمة وانتظروا، ولا تسمعوا لنصائح الهواة، فحتمية مواجهة كبرى مع إيران واردة جدا. المسألة مسألة وقت، ومن يستطيع العض على الرصاصة لفترة أطول.
مأمون فندي
صحيفة الشرق الأوسط