انعقد المجلس الوزاري العربي لجامعة الدول العربية في القاهرة، أمس الأحد، بدعوة من المملكة العربية السعودية إثر تعرّض سفارتها وقنصليتها في طهران ومشهد لاعتداء من جماهير إيرانية، واحتلالهما ونهب محتوياتهما وحواسيبهما والعبث بأثاثهما ومضايقة أفراد بعثتيهما، على الرغم من الحصانة الواجبة للدبلوماسيين وأفراد أسرهم ومقرّاتهم ومساكنهم وحساباتهم المصرفية، بموجب قوانين أممية. جرى ذلك كله تحت سمع الحكومة الإيرانية وأجهزتها الأمنية وبصرهما، وهذه الحكومة موقعة على اتفاقيات جنيف وفيينا بكل ما يتعلق بمنح الحصانات لممثلي الدول والعاملين معهم وأفراد أسرهم، وهي اتفاقيات تُلزم السلطات الإيرانية بتوفير كامل الحماية لهم، حتى في زمن الحرب، وعلى ذلك، تتحمل إيران كامل المسؤولية عمّا تعرضت له السفارة والقنصلية السعوديتان.
(2)
تصل المقالة هذه إلى قارئ “العربي الجديد” قبل اجتماع المجلس الوزاري، ومعرفة قراراته تجاه ما تفعله إيران، ليس فقط ما يتعلق بالسفارة والقنصلية السعوديتين، ولكن لمجمل التصرفات الإيرانية تجاه العرب، في العراق وسورية ولبنان واليمن. وإيران لا تنكر تدخلاتها تلك، بل تتباهى بها، وقد قالت إنها تحتل أربع عواصم عربية، وإن بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية.
نشرت إيران خلايا تدعو إلى التشيّع بين كثيرين من أهل السنة والجماعة، في المغرب والجزائر والصومال واليمن ومصر والسودان وإريتريا وجيبوتي وجزر القمر، ودول أخرى، إلى جانب خلاياها النائمة في الخليج العربي، والتي تظهر علناً مرة في الكويت، وأخرى في البحرين، وثالثة في السعودية، وهكذا.
ليس مطلوباً من مجلس جامعة الدول العربية الوقوف عند قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، أو استدعاء سفراء للتشاور، فذلك تحصيل حاصل، والتضامن مع المملكة السعودية واجب في هذه الظروف. المطلوب قطع العلاقات الاقتصادية والثقافية، ومنع الطيران الإيراني من المرور في الأجواء العربية. وقفت المملكة مع جميع الدول العربية في أزماتها، ومع بريطانيا وفرنسا ودول أخرى بشأن إيران، في سنوات مضت. ننتظر دوراً فعالاً للقاهرة، لكون مصر الدولة العربية الوحيدة التي أصبحت الأولى المشمولة بالرعاية، السعودية تحديداً ومن دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي. ننتظر دوراً جزائرياً فعالاً، ليس من أجل التوسط، وإنما اتخاذ قرارات في المجالات التي أتينا عليها. في المغرب والجزائر وجزر القمر وجيبوتي مطلوب إغلاق مراكز التشيع إلى جانب قطع العلاقات الاقتصادية والثقافية.
(3)
على القيادة السعودية أن تعيد حساباتها مع الدول العربية التي لم تقف معها في محنتها هذه. وقف السودان إلى جانب المملكة عسكرياً، وقدّم شهداء في حربها ضد حلف علي عبدالله صالح والحوثي، نصرةً للشرعية اليمنية، وقف مع السعودية في أزمتها مع إيران، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وأغلق المراكز الثقافية الإيرانية التي كانت تدعو، في عموم السودان، إلى التشيّع. وعلى ذلك، لا بد أن يكون السودان أوْلى بالرعاية من السعودية ودول مجلس التعاون.
الأردن لا يُفلت من أيدينا، فإيران تحيط به من الشرق عبر العراق، ومن الشمال عبر سورية، ومن الغرب إسرائيل. وروسيا وإيران والعراق حلفاء اليوم لنصرة بشار الأسد ضد إرادة الشعب السوري. والأردن مستهدف بعد دمشق. نريد من الأردن موقفاً أكثر من استدعاء سفيره من طهران. ولكن، على كل دول مجلس التعاون اعتبار جيش الأردن جزءاً من قوات درع الجزيرة، على أن يحظى الأردن بتزويده بالبترول والغاز بأسعار مميزة كما فعلنا مع مصر، إلى جانب تزويد البنك المركزي الأردني بوديعة نقدية في حدود 4 مليارات دولار، تتقاسمها دول مجلس التعاون. الأردن ثروة قومية، شعباً وجيشاً وموقعاً، فلا يُترك منفرداً تتلقفه أيدي المتآمرين على أمتنا العربية والإسلامية، نتيجة حاجته وندرة موارده المالية.
آخر القول: يد الله مع الوحدة، فوحدوا، يا معشر عرب الجامعة، موقفكم من الهيمنة الإيرانية وبرنامجها التوسعي. إسرائيل تتمدد على أرضنا شرقاً، وإيران تتمدد على حسابنا في كل الجهات، مذهبياً وعسكرياً، فهل أنتم مدركون الأخطار التي تحيط بكم؟ أرجو ذلك.
محمد صالح المسفر
صحيفة العربي الجديد