الاقتصاد: سلاح السعودية في وجه إيران

الاقتصاد: سلاح السعودية في وجه إيران

Iran_KSA-Oil

لم تعد المواجهات الدولية والصراعات تقتصر على الجانبين السياسي والعسكري وحسب ، بل بات السلاح الاقتصادي او المقاطعة الاقتصادية اليوم اشد فتكا في المواجهة بين الدول وباتت سلاح فعال جدا في ضبط سلوكها.
ويُعرِف الخبراء المقاطعة الاقتصادية ؛بأنها الرفض منهجي وامتناع طوعي عن التبادل التجاري ومنع الاستيراد من البلد المستهدف وتجميد العلاقات الاقتصادية مع دولة ما، للضغط عليها للاستجابة لمطالب محددة، كتغيير مواقفها أو سياساتها اتجاه بعض القضايا، كحقوق الإنسان، أو إنهاء احتلال أرض ما، أو وقف العدوان على بلد ما.
وتلجأ الدول لإستخدام المقاطعة الاقتصادية لإجبار الدول على تقديم التنازل على صعيد السياسة او الاقتصاد لأهداف معينة أخرى، ويعني ذلك إما معاقبة هذه الأخيرة بسبب عمل عدّ غير مقبول، فيحكى حينذاك عن العقوبة لإعادة سلوكها الى الطريق الصحيح .
النموذج السعودي- الايراني للمقاطعة
منذ فترة طويلة يسيطر التوتر على العلاقات السعودية –الإيرانية وكان هذا التوتر يأخذ الشكل السياسي والدبلوماسي ، لكن مع تطور ادوات المواجهة بين الدول لم يعد السلاح السياسي هو الحل الوحيد ، بل لابد من استخدام البعد الاقتصادي في اللعبة ،فبدأت هذه التوترات بالفعل تأخذ شكلا اقتصاديا، ، بعد أن تبادل الطرفان فرض إجراءات اقتصادية عقابية.
ولا يخفى على احد الحرب التي تقودها السعودية للحفاظ على الحصة السوقية والتي ادت الى تراجع اسهار النفط الى مستويات قياسية ، وهو ما يضع سيناريوهات لمستقبل النفط ، وقد كانت ايران من بين الدول التي تأثرت من تهاوي اسعار النفط، وتأثرت خزينتها بشكل بالغ ،اما الان فتعتزم طهران زيادة إنتاجها النفطي بمقدار 500 ألف برميل يومياً فيما بعد العقوبات، وبمقدار 500 ألف برميل أخرى يوميا بعد ذلك بفترة قصيرة، لكن التساؤل الذي اجبني عنه في مقالات سابقة ، هل ستكون كميات النفط التي ستضخها ايران ذات مردود ايجابي على الاقتصاد الايراني ؟
وقالت مجلة “شؤون خارجية” الأميركية إن العنصر الأكثر أهمية في الصراع بين القوتين الإقليميتين هو الاقتصاد، وذهبت إلى أن السعودية تفضل مواجهة إيران في الساحات التي تملك فيها ميزات كبرى، ومنها سوق النفط.
وتضيف المجلة: “حتى لو كان سعر النفط في أدنى مستوى له منذ 11 عاما، فإن السعودية لا تزال مستمرة في ضخ كميات كبيرة من النفط في الأسواق”.
واختتمت المجلة بالقول ” في المقابل، فإن إيران لا تستيطع الإقدام على مثل هذه الخطوات في ظل ارتفاع مستوى التضخم والبطالة في البلاد، اللتان تبلغان على التوالي 16.2% و10.4%، كما أن سعر النفط يجب أن يكون في إيران أعلى منه في السعودية من أجل تحقيق التوزان في الميزانية.
السعودية اليوم اخذت على عاتقها مواجهة ايران اقتصاديا وسياسيا بشكل حازم ، لتضع بذلك حدا للدور الايراني المتنامي في المنطقة بشكل عام ، والسعودية بشكل خاص.
ويمكن ان نجمل بعض الارقام والاحصائيات للمقاطعة من قبل السعودية ودول خليجية لإيران :
• يبلغ حجم التبادل التجاري بين إيران والسعودية بين مائة ومائتي مليون دولار، أكثرها سلع استهلاكية مثل الكافيار والزعفران والمكسرات والحلويات والسجاد الفاخر.
• أوقفت السعودية، حركة الطيران والعلاقات التجارية مع إيران.

• على مستوى القطاع الخاص، قال الملياردير السعودي، الأمير الوليد بن طلال، إن شركته القابضة ألغت دراسة جميع المشاريع والاستثمارات في إيران.

• بدأت في السعودية حملة شعبية واسعة النطاق لمقاطعة السلع الإيرانية، خاصة الاستهلاكية منها، فيما استجاب عدد كبير من رجال الأعمال لتلك الحملات، وبدأت كثير من متاجر الرياض وباقي مدن المملكة في إزالة السلع الإيرانية من على رفوفها.
• اتخذت الإمارات موقفا أشد حيث خفّضت التمثيل الدبلوماسي لدى إيران، للسبب ذاته، فيما اعتبره مراقبون تهديدا لتجارة تتجاوز 17 مليار دولار سنويا، تسعى إيران لزيادة إلى معدلات ما قبل 2011، حيث كانت تتجاوز 23 مليار دولار سنويا وهو مايعد تهديدا للرصيد التجاري لإيران والذي تعد في أمس الحاجة إليه في ظل التدهور الناتج عن حزم العقوبات على اقتصادها ، وبالتالي يرى المراقبين ان إيران ستفقد المنطقة التجارية العربية الحرة التي تستخدمها في عمليات التجارة والتبادل التجاري والشحن.
• دعمت البحرين الموقف السعودي، حيث سحبت بعثتها الدبلوماسية من إيران، لتهدد المملكة بذلك مساعي طهران لتعزيز التعاون مع البحرين في المجال الاقتصادي، من خلال الاتفاقيات الموقعة بين البلدين بشأن التبادل التجاري وتشجيع الاستثمار وتجنب الازدواج الضريبي.
• يقول اقتصاديون إن مقاطعة هذه السلع لن تكون مؤثرة على الاقتصاد السعودي، لتوفرها من دول أخرى وبنفس الجودة، مؤكدين أن السعودية لا تعتمد على إيران اقتصادياً ولا توجد علاقات تعاون مباشر بين الدولتين.
• يرى مراقبين ان الرياض في الصراع الاقتصادى بحاجة الى دول الجوار ، فالعلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين البلدين متواضع، وتشير بيانات ان حجم التبادل التجاري يبلغ بينهما 500 مليون دولار، تُظهر المؤشرات أن الميزان التجاري بين البلدين حقق في الفترة بين عامي 1996 و1999 فائضًا لصالح السعودية مقداره 579.6 مليون ريال عام 1996، انخفض بمعدل 58.8% عام 1997، ليسجل 238.3 مليون ريال . وشهد عام 2001 تخفيض السلطات السعودية رسومها الجمركية من 12 إلى 5%، ما أدى إلى إرتفاع التبادل التجاري المباشر مع إيران ، أما في العام 2007 فوصل حجم التبادل بين السعودية وإيران ذروته حيث وصل إلى 3.76 مليار ريال.
• هناك أكثر من نصف مليون إيراني يقطنون الإمارات يديرون شبكة ضخمة من الأنشطة الاقتصادية تعود بالنفع بشكل أكبر على الاقتصاد الإيراني.
• تحاول المملكة ضم أبو ظبى فى صفها للسعى لخنق الاقتصاد الإيراني، إضافة إلى أن السعودية تمتلك ميزات كبرى فى سوق النفط، حتى لو كان سعر النفط فى أدنى مستوى فالرياض تستطيع تحمل انخفاض أكبر فى أسعار النفط على عكس طهران التي تعتمد بشكل رئيسي على البترول فى تمويل ميزانيتها.
والمشكلة الاساسية فيما يتعلق بالتوتر بين البلدين هو مضيق هرمز، والذي من شأن نشوب صراع مفتوح بين القوتين أن يشكل خطرا على نحو 20% من إمدادات النفط العالمية، والتي يتم شحنها يوميا عبر مضيق هرمز.
اذن لم يكن استخدام السعودية لسلاح الاقتصاد جديدا، فقد استخدمته في اكثر من مناسبة ، وكان اهمها ما قام به الملك فيصل من استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية بشكل مؤثر، في أعقاب حرب 1967م وحرب 1973م، فبعد يومين من نشوب الحرب الأولى، أعلن حظر البترول السعودي عن بريطانيا والولايات المتحدة، وعلى إثر نشوب حرب 1973م تزعم حركة الحظر البترولي الذي شمل دول الخليج، فكان لهذا الحظر أثره في توجيه المعركة.

السعودية اليوم ومعها دول الخليج ودول عربية اخرى تشكل تكتل عربي في وجه التجاوزات الايرانية ،وتدخلها في شؤون الدول العربية ، وتستخدم السلاح الاقتصادي الذي يعتبر نقطة تفوقها ويدها الضاربة، وهو ما سيكون له انعكاسات واضحة في المستقبل على شكل العلاقات العربية – الايرانية ، وربما سيكون بداية مرحلة لعزل ايران جغرافيا وسياسيا واقتصاديا عن دول المنطقة ، وردع نفوذها وممارساتها على الدول العربية المحيطة بها خصوصا الخليجية منها.

عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية