باتت الأزمة اليمنية على أعتاب فصل جديد من التصعيد الميداني، مصحوبًا بتراجع أو تغير حيال جدول أعمال مؤتمر “جنيف 2” الخاص بعملية التسوية، والتي انطلقت أولى جولاتها منتصف ديسمبر 2015، ويحتمل تأجيل انعقاد ثاني جولاتها التي كانت مقررة في 14 يناير الجاري. ويُعْزَى عامل التردي الواضح في المسارين إلى تطورين جديدين: الأول، وهو الأبرز، يتعلق بالتداعيات المحتملة لتصاعد حدة التوتر في العلاقات بين السعودية وإيران. والثاني، يرتبط بسعى بعض أطراف الأزمة -وتحديدًا الرئيس السابق علي عبد الله صالح- إلى تغيير مسارات التسوية بدعم تدخل روسيا في الأزمة.
استراتيجية جديدة للتفاوض:
واقعيًّا، بدأت عملية ترتيب المشهد الجديد في اليمن قبيل أحداث 2 يناير بأسبوع تقريبًا؛ حيث تبنى الرئيس السابق علي عبد الله صالح استراتيجية جديدة للتعامل مع تطورات الأزمة، إذ أعلن نيته عدم المشاركة في المفاوضات القادمة، معلقًا المشاركة في المفاوضات عمومًا بشروط جديدة، من أهمها، رعاية روسيا للمفاوضات بالمشاركة مع الأمم المتحدة، وهي الفكرة ذاتها التي أيدته فيها حركة الحوثيين على لسان قائد اللجان الثورية الحوثية محمد علي الحوثي الذي أضاف إلى ما قاله صالح أن “الولايات المتحدة تعرقل عملية المفاوضات”.
لكن هذا الإعلان تم واقعيًّا بعد سلسلة من الإجراءات الجديدة، منها جولات حوار ثنائية قبيل ثلاثة أسابيع بادر إليها السفير الروسي في صنعاء فلاديمير ديدوشكين مع صالح من جهة، ومع القيادات الحوثية من جهة أخرى، وخلالها تم تبادل الآراء بشأن عرض روسي للتدخل في المفاوضات بهدف تحريكها في اتجاه وضع مسار جديد للتسوية.
كما سعى صالح، تكتيكيًّا، إلى التفاوض مباشرة مع السعودية وأعلن ذلك في جلسة المؤتمر الوطني العام بقوله: “المفاوضات القادمة ستكون مع السعودية وجهًا لوجه”، وعرض أيضًا خطة تكوين مجلس رئاسي مشكل من أطراف الأزمة، على أن يتم تنحية الرئيس عبد ربه منصور هادي من موقعه الرئاسي وحكومة خالد بحاح من المشهد برمته، مع طرح آلية انتقالية عبر مفاوضات “جنيف 2” للانتقال إلى هذا الوضع.
لكن هذه المبادرة لم تحظ باهتمام من جانب الأطراف الداخلية والإقليمية المعنية بالأزمة، لاعتبارات عديدة منها التصعيد الأخير في العلاقات بين السعودية وإيران، إلى جانب فقدان الثقة في قدرة صالح على الالتزام بأية تعهدات. وقد بدا ذلك جليًا في إعلان السعودية رفضها التفاوض مع صالح أو الحوثيين.
أما على المستوى الميداني، فيمكن القول إن الأوضاع تشهد تصعيدًا غير مسبوق على كافة الجبهات، ففي الوقت الذي تم التعويل فيه على أن الشهر الفاصل بين الجولتين الأولى والثانية لمفاوضات “جنيف 2” سيشهد بادرة تهدئة ميدانية، سواء بوقف إطلاق النار أو تخفيف الحصار الحوثي على محافظة تعز كخطوات بناء ثقة، جرى التصعيد من خلال الاستمرار في إحكام الحصار وقيام الميليشا الحوثية بمصادرة المواد الغذائية التي خصصتها بعض المنظمات الدولية للمدينة، كما واصلت الحركة زرع الألغام في طرقات الجبال والممرات المحيطة بالمدينة.
فضلا عن ذلك، صعّدت الحركة ميدانيًّا بالسيطرة على مواقع استراتيجية في جبل “القشع” تطل على قاعدة العند الجوية في محافظة لحج الجنوبية. كما تجدد التدهور الأمني في عدن؛ حيث شهدت منطقة المعلا أحد الأحياء الرئيسية حرب شوارع خلال يومي 27 و28 ديسمبر 2015. وبحسب تصريحات رسمية للمحافظ عيدروس الزبيدي فإن مسلحين حاولوا الهجوم على مؤسسات في عدن من بينها مبنى المحافظة والميناء الرئيسي، في الوقت الذي أفادت فيه تقارير إعلامية بأن هناك هجومًا متزامنًا أيضًا على قصر معاشيق الرئاسي، الأمر الذي استدعى فرض حظر التجوال معظم ساعات الليل، وتعطيل الدراسة في المدارس.
سيناريوهات محتملة:
تطرح تطورات الأزمة في اليمن ثلاثة مسارات رئيسية: أولها، استمرار التصعيد وتراجع فرص التسوية، حيث بدأت ردود الفعل من الجانبين تأخذ على الفور منحى تصعيديًّا في الميدان بدأ بإعلان المتحدث باسم قيادة التحالف العربي العميد أحمد عسيري انتهاء الهدنة، ثم شن ضربات جوية مكثفة على معسكر الأمن المركزي في صنعاء، وهو ما يُعد رسالة استراتيجية نظرًا لموقعه في قلب صنعاء. وفي مقابل ذلك، تشير تحركات الحوثيين المتزامنة على الجبهات الجنوبية إلى أن محاولتهم التوسع ميدانيًّا ليست تكتيكًا مرحليًّا وإنما استراتيجية للرد على الإجراءات التي تتخذها دول التحالف.
وربما تواصل الأطراف المختلفة تمسكها بالحوار في “جنيف 2” دون إحراز أي تقدم، مع احتمال تأجيله أو تجميده مرحليًّا لكن دون إلغائه كليةً، خاصة بعد تأكيد السعودية على أن موقفها من دعم السلام في ملفي سوريا واليمن لن يتأثر بمجريات الأحداث.
وثانيها، الدخول في مرحلة انتقالية مرتبكة، حيث أن التدخل الروسي لم يُختبر بعد في الأزمة اليمنية، إذ ربما يخلق مسارًا جديدًا فيها، في ضوء التطورات الأخيرة، بالإضافة إلى احتمال اتجاه التحالف العربي إلى إعادة النظر في خطة العمل الشاملة إزاء الملف اليمني، خاصة بعد تصاعد حدة التوتر مع إيران.
وثالثها، تفكك التحالف القائم بين صالح والحوثيين، وهو احتمال يواجه عقبات عديدة لكنه وارد؛ خاصة في ظل حرص الأول على توجيه رسائل عديدة إلى الداخل والخارج تفيد إمكانية إعادة النظر في الموقف تجاه التطورات السياسية والميدانية، وهو ما يمكن أن يدفعه، مستقبلا، وحسب اتجاهات عديدة، إلى التفكير في الانسحاب التدريجي التكتيكي من التحالف مع الحوثيين، بشكل يمكن أن يعيد صياغة التوازنات داخل اليمن خلال المرحلة القادمة.
المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية