هل تعتقد أن الشرق الأوسط شأن معقد؟ هل تظن أنه يحتاج إلى بطاقة تسجيل لتحديد اللاعبين على أرض الملعب؟ وهل أنت مرتبك إزاء مَن يفعل ماذا لمَن، ولماذا؟ أهلاً بك إذن في نادي المرتبكين.
لكنك إذا أردت خريطة طريق مفيدة تساعد في إرشادك لعبور مسالك العام 2016، فإن عليك أن تبقي عينيك مركزتين على الحقائق الأربع التالية. وينبغي أن تولي انتباهك لعناوين الأخبار يوماً بيوم، وإنما بدون أن تضيع رؤية الاتجاهات الأكبر. وسوف تستمر هذه الاتجاهات الأربعة بالتحديد في تعريف مشهد هذه المنطقة المحطمة الغاضبة، والمختلة وظيفياً، في العام الجديد.
الخصومة السعودية-الإيرانية
لا تستطيع أي علاقة بين أي دولتين في الشرق الأوسط أن تزعم تمثيل المنطقة ككل. لكن الخصومة المتصاعدة بين المملكة العربية السعودية وإيران ربما تقترب من ذلك. وتتجسد في هذه المنافسة التوترات السياسية والدينية والطائفية الأوسع بين السنة والشيعة، والصراع من أجل النفوذ والقوة الإقليميين بين إيران الصاعدة، والعربية السعودية ذات الموقف الدفاعي، وإنما المستعدة الآن للمخاطرة على نحو غير معهود. كما تمثل هاتان الدولتان أيضاً التحالفات التي تتخذ طابعاً رسمياً على نحو متزايد. وفي واقع الأمر، يعكس الصراع على سورية صداماً بين محور سني يضم العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت ومصر حول بعض القضايا، ومجموعة من الميليشيات السنية. ويقف هذا التجمع في مواجهة كتلة شيعية، تقودها إيران وتضم حزب الله، وما تبقى من نظام الأسد، والميليشيات العراقية الشيعية الموالية.
ثمة قوتان خارجيتان كبيرتان تحالفتا مع كل من الكتلتين -تركيا مع نظرائها السنة، وروسيا مع المحور الشيعي الذي تقوده إيران. ومن المرجح أن تبقى هذه الحرب الباردة السعودية-الإيرانية صراعاً بالوكالة، لكنها يمكن أن تصبح ساخنة أيضاً. ولنتذكر أنه بغض النظر عن كثافتها وشدتها في أي وقت من الأوقات، فإن هذه الخصومة لن تذهب في أي وقت قريب. سوف يستمر المتشددون على كلا الجانبين في إثارة المتاعب، وستتكفل المصالح الإقليمية المتضاربة بالبقية.
انهيار الدولة العربية
ليس الشرق الأوسط في طور الانهيار، ولكن مفهوم الدولة العربية هو الذي يقع الآن تحت ضغط شديد. وثمة ثلاثة أنواع من المواقف التي تعرض نفسها في هذا الإطار: الدول الفاشلة، أو التي قيد الفشل (اليمن، ليبيا وسورية)؛ الكيانات المختلة وظيفياً، والتي ستستمر في التصارع مع تحديات سياسية واقتصادية هائلة مزمنة (العراق، ومصر)؛ والدول العاملة، في الخليج إلى حد كبير، والتي نجت من الربيع العربي واجتازته بدون أن تمس تقريباً. ولعل الأكثر إثارة للاهتمام هي حالة المملكة العربية السعودية، حيث أسعار النفط المنخفضة، والعجوزات المتصاعدة، والتخفيضات في مزايا الرفاه الاجتماعي، والقلق من المعارضة الداخلية، تتعارض كلها مع فكرة الاستقرار الدائم والقدرة على البقاء -بل وحتى استشراف كسب المزيد من النفوذ في الفترة الأخيرة. ومع ذلك، من المدهش ملاحظة أن أكثر الدول قدرة والعاملة أكثر ما يكون في المنطقة هي ثلاث دول غير عربية: تركيا، وإيران، وإسرائيل. ومع كل مشكلاتها، ما تزال هذه الدول الثلاث قادرة على ممارسة سلطة ونفوذ اقتصاديين وسياسيين بطريقة استثنائية. وبينما تستمر دول عربية، مثل الأردن وتونس والمغرب، في الاحتفاظ بتماسكها الخاص، فإن اتجاه الدول الرئيسية في العالم العربي يغلب أن يكون الاختلال الوظيفي المتواصل، والافتقار إلى الإصلاح الفعال، وفي بعض الحالات -شبه التقسيم.
الفاعلون العابرون للحدود
سمح الفراغ الذي صنعه غياب سلطة الدولة لعدد من اللاعبين العابرين للحدود الوطنية بكسب النفوذ. وليس هذا فقط مسألة عنوان إخباري مثير أو اثنين عن صعود “الدولة الإسلامية”. إنه ظاهرة إقليمية، والتي يبدو أنها أصبحت هنا لتبقى.
وما علينا للتأكد من ذلك سوى إلقاء نظرة سريعة على المنطقة. ففي لبنان، ظهر حزب الله كأهم لاعب على الإطلاق، والذي يستغل سلطة الدولة ويتجاهلها في الوقت نفسه. كما نحتت حماس الفلسطينية لنفسها إقطاعية منفصلة في غزة، وهي تتحدى السلطة الفلسطينية وإسرائيل معاً. وفي ليبيا، اقتطعت مجموعة “الدولة الإسلامية” منطقتها الخاصة، وكذلك فعلت الكثير من المنظمات التابعة لتنظيم القاعدة. وفي اليمن، جعل الحوثيون والقاعدة من سلطة الدولة أضحوكة. وعلى الرغم من النجاح الذي أحرزه الجيش العراقي في الرمادي، فإن الأكراد والميليشيات الشيعية الموالية لإيران يهيمنون على مناطق معينة من البلاد. وفي واقع الأمر، فإن الفضاءات الفارغة، والحكم الرديء أو غياب الحكم، والتوترات الطائفية بين السنة والشيعة، وغياب الثقة الواضح والمحق في السلطة المركزية، سوف تضمن كلها أن يقوي اللاعبون المحليون سيطرتهم فقط، بينما توسع الجماعات العابرة للحدود مجالات نفوذها.
دور الولايات المتحدة
حتى لو أننا لم نكن في السنة الثامنة من ولاية إدارة أوباما؛ حيث ينفد الرئيس من الوقت والنفوذ اللازمين لمعالجة التحديات القائمة في المنطقة، فإن وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيظل قاتماً جداً أيضاً. ليست هناك مشكلة واحدة -من سعي إيران المفترض لحيازة سلاح نووي، إلى جلب الاستقرار لسورية والعراق، إلى المشكلة الإسرائيلية-الفلسطينية غير المحلولة، إلى إلحاق الهزيمة بمجموعة “الدولة الإسلامية”- والتي يوجد لها حل أميركي، بل وحتى إقليميا. ليست هناك قيادة حقيقية في الشرق الأوسط، كما ليس لواشنطن حلفاء يمكن الاعتماد عليهم فيه. وقد تركت الخصومة الإيرانية-السعودية الأخيرة الولايات المتحدة في مكان ما في المنتصف -منزوعة الثقة وغير محبوبة من طهران والرياض على حد سواء- ومن دون هالة أو نفوذ يمكناها من فعل الكثير إزاء الصراع الطائفي السني-الشيعي المتصاعد.
شكلت الإطاحة بمجموعة “الدولة الإسلامية” في الرمادي حدثاً مهماً في حقيقة الأمر، لكنها صنعت بالكاد نقطة تحول في إطار الجهد شبه العبثي لإعادة بناء كيان عراقي موحد. ومع أنه تم إضعافها في العراق وسورية، فإن “الدولة الإسلامية” قفزت بحدودها، وهي تنشر نفوذها الآن وتوسعه عن طريق الإلهام بإرهابها الجهادي بدلاً من إدارته. ومع أن لدى اللاعبين الدوليين المهمين، مثل روسيا وتركيا، أهدافا مشتركة مع الولايات المتحدة في بعض المجالات، فإن لهم أجندة مختلفة كلياً في الأساس في مجالات أخرى، مثل موقفهم تجاه الأكراد أو رؤاهم حول الانتقال السياسي في سورية. وما يزال يتم تطبيق الاتفاق النووي الإيراني، حتى بينما تستمر طهران في لعب دور غير مساعِد في العراق وسورية واليمن.
بينما ندخل العام 2016، فإن الشرق الأوسط سيستمر في أن يكون مكاناً محطماً، غاضباً ومختلاً وظيفياً. وفي حقيقة الأمر، سوف تضمن الاتجاهات الأربعة التي عرضتها آنفاً تحقق ذلك بالضبط. وثمة متسع قليل لحدوث تحسن درامي، في حين أن ثمة الكثير من المتسع للمزيد من التدهور. وبالنسبة للولايات المتحدة، وسط كل هذا الغياب لليقين في المنطقة، فإن ثمة شيئاً واحداً يبدو واضحاً. سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا، ذكرا أو أنثى هو الذي سيحل في البيت الأبيض في العام 2017، فإن الرئيس المقبل سوف يواجه شرقاً أوسطاً مليئاً بالمهمات المستحيلة، والأشواط الطويلة، والقضايا الخاسرة. ولك أن تراهن على ذلك.
ترجمة: علاء الدين أبوزينة
صحيفة الغد الأردنية