عندما سلطت مجموعة “الدولة الإسلامية” عينيها على ليبيا أول الأمر، لا شك أنها وجدت فيها تربة خصبة للغزو، لكونها أرضاً ينعدم فيها القانون وتتقاتل فيها فصائل سياسية وعسكرية عديدة.
ولا غرو، فالفراغ الأمني الذي تركه انهيار نظام معمر القذافي في العام 2011 جعل من ليبيا وجهة خيار جهادي بعد سورية والعراق. كما أن موقعها كبوابة لأوروبا وأفريقيا، سوية مع وجود احتياطيات هائلة من النفط والغاز فيها، زادت من جاذبيتها وحسب.
والآن، حركت سلسلة من هجمات “داعش” الأخيرة على المناطق والمرافق النفطية المخاوف من أن المجموعة التي استفادت كثيراً من بيع النفط السوري والعراقي، وهي الأصول التي استهدفتها الضربات الجوية بقيادة أميركية، ربما لا تسعى إلى استبدال ذلك العائد بالاحتياطيات الليبية.
وكان أبو المغيرة القحطاني، الذي عرَّفه “داعش” في وقت متأخر من الصيف الماضي بأنه قائد فرع المجموعة الليبي، قد أكد في مقابلة أجريت معه في آب (أغسطس) الماضي، الأهمية الاستراتيجية للسيطرة على هذه “البئر من الموارد الذي لا يمكن أن تنضب”، واستخدامها لفائدة المسلمين في شتى أنحاء المعمورة، وبما هو ضد غير المؤمنين.
وقال أبو المغيرة لمجلة دابق، الناطقة الدعائية باسم “داعش”: “إن سيطرة الدولة الإسلامية على هذه المنطقة ستفضي إلى انهيارات اقتصادية، خاصة بالنسبة لإيطاليا وباقي الدول الأوروبية”.
ومع ذلك، وفي المدى المنظور، سينصب التهديد الأكبر على رفاه مواطني ليبيا والحيوية المالية لحكومة مستقبلية في طرابلس، والتي من المقرر أن تتولى زمام الأمور بموجب صفقة توسطت فيها الأمم المتحدة. ويبدو أن هدف “الدولة الإسلامية” التي يقال إن لها نحو 3000 مقاتل في ليبيا، هو قطع الصادرات النفطية، وليس السيطرة على الحقول النفطية.
في الأيام الأخيرة، هاجم متشددو “الدولة الإسلامية” أضخم محطة للنفط الخام في ليبيا بالنسبة لقدرة التحميل في السدرة (سرت)، مما تسبب في اندلاع نيران هائلة دمرت خمس ناقلات على الأقل، والتي اشتعلت حتى وقت متأخر من يوم السبت الماضي. كما قام مفجر انتحاري بتفجير نفسه عند نقطة تفتيش يوم السابع من كانون الثاني (يناير) الحالي عند مدخل رأس لانوف، وهي موطن لمصفاة ضخمة.
وتقع المحطتان النفطيتان على بعد 18 ميلاً في “منطقة الهلال النفطي” الليبي. ولم تعلن “الدولة الإسلامية” مسؤوليتها عن الهجوم على رأس لانوف، لكنها قالت إنها وقفت وراء الهجوم الذي كان قد شن قبل ساعات، والذي ضرب مركزاً لتدريب الشرطة في زليتن وقتل 50 شخصاً، ليكون الهجوم الفردي الأكثر إماتة منذ العام 2011. وما تزال المجموعة تحث الخطى شرقاً، انطلاقاً من معقلها في مدينة سرت الساحلية.
الوضع لا يشبه سورية والعراق
أسفرت أيام عدة من الاشتباكات بين متشددي “الدولة الإسلامية” وحرس المرافق البترولية عن العشرات من الإصابات وحرق ناقلتين إضافيتين في رأس لانوف، وفق الإعلام المحلي. وقال مسؤول في مؤسسة النفط الوطنية لوكالة رويترز للأخبار يوم الاثنين الماضي، إن النفط الذي كان مخزناً في رأس لانوف قد نُقل إلى موقع أكثر أماناً.
ووفق محللين، فإن هدف “الدولة الإسلامية” راهناً هو قطع تدفقات العوائد المحتملة للدولة الليبي مقابل استغلال هذه المواد مباشرة أو تصديرها.
ويقول ماتيو توالدو، زميل السياسة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “يبدو أن الدولة الإسلامية في ليبيا أكثر اهتماماً بتدمير المنشآت النفطية، أو على الأقل بوقف الإنتاج، أكثر من اهتمامها بالسيطرة على حقول النفط وبيعه، كما في سورية”.
ويضيف السيد توالدو: “ولا ننسى أن دخل النفط يذهب حالياً إلى صناديق البنك المركزي الذي يقوم بالتالي بدفع الرواتب، بما فيها رواتب الميليشيات التي من المحتمل أن تتنافس مع الدولة الإسلامية”.
ويشير توالدو إلى أن مساحة ليبيا الضخمة وجغرافيتها تجعل نقل النفط بواسطة سيارات الشحن “الصهاريج” أكثر كلفة. ومن الممكن أن تواجه “الدولة الإسلامية” منافسة شديدة من جانب مهربي البنزين والمنتجات المكررة الأخرى، وهو تقليد معمول به منذ أمد في البلد الذي يحد تونس والجزائر والنيجر وتشاد والسودان ومصر.
في تقرير لها صدر في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2015، حذرت مجموعة الأزمات الدولية من أن “النظام الأمني غير العامل للبنية التحتية للنفط والغاز في ليبيا يمثل هدفاً مغوياً لمتشددي الدولة الإسلامية”. وفي الفترة ما بين شباط (فبراير) وآذار (مارس) من العام الماضي، هاجم متشددو “الدولة الإسلامية” حقول نفط مبروك وغاني وضهرة في حوض سيرت المركزي، ما أسفر عن مقتل العديد من الحراس وخطف عمال نفط أجانب.
وفي تشرين الأول (أكتوبر)، استهدف المتشددون ميناء السدرة الذي اعتاد على استقبال 200 سفينة في العام، وكانت له طاقة استيعابية وصلت إلى 447.000 برميل في اليوم في كانون الثاني (يناير) من العام 2011، وفق رزنامة النفط الليبي.
من الصعب جداً أن يسوق “داعش” النفط الليبي
تقول كبيرة محللي ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية، كلوديا غازيني، إن السبب وراء هذه الهجمات يكمن في وقف “الدول المرتدة من الحصول على النقود من مبيعات النفط”، بالإضافة إلى إضعاف الدولة. لكن من “المحتمل كثيراً” أن يصل “داعش” إلى مرحلة يستطيع معها تصدير الوقود المكرر -حتى لو تطلب الأمر منه الاستيلاء على موانئ التحميل النفطية.
وتقول أيضاً: “لا أرى خط الشحن هذا يفتتح من دون أن يكون المجتمع الدولي قادراً على استهداف ووقف تلك الناقلات بسهولة كبيرة”.
وتضيف أنه من غير المرجح أيضاً احتمال أن تصبح “الدولة الإسلامية” مكرراً وموزعاً للوقود في السوق المحلية الليبية، لأن المصافي القليلة العاملة في ليبيا معقدة، وفيها مرافق ذات سعة ضخمة من الصعب إدارتها مقارنة بالمصافي الأصغر في العراق وسورية. وثمة عامل آخر هو المساعدات التي تجعل من الصعوبة بمكان أمر منافسة وقود ليبيا الذي تقدمه الدولة، شريطة أن تكون حكومتها ما قادرة على الوفاء.
ألحقت هجمات الأسبوع قبل الماضي المزيد من الضرر بموقف ليبيا الاقتصادي. وتتنبأ وحدة الاستخبارات في “الإيكونوميست” بأن اقتصاد البلد سينكمش بواقع 8 في المائة في العام 2016، وهو أسوأ موقف في العالم.
وتقول غازيني: “إنك تستطيع إصلاح الناقلات، لكنك تحتاج إلى مستوى معين من الأمن ليكون لديك مهندسون أجانب يقومون بإصلاح ناقلاتك ويضعون السدرة على خط الإنتاج مجدداً. وبعد هذه الهجمات، من المرجح أن لا يحدث ذلك لعام آخر. وبذلك، فإن احتمال حدوث انهيار اقتصادي أصبح الآن حتى أكثر جدية”.
المخاطرة عالية بالنسبة لشركات النفط
يأمل الكثيرون في أن تساعد حكومة الوحدة التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتلقت دعم بعض ممثلي الإدارات المتنافسة في الشرق والغرب على حد سواء، ذلك البلد في تغيير مساره. وتبقى المخاطر عالية بالنسبة لأوروبا التي تخشى من صعود لمجموعة “الدولة الإسلامية” في ليبيا ومن تدفق اللاجئين الذين يستخدمون البلد كنقطة انطلاق لعبور البحر الأبيض المتوسط. وكان الاتحاد الأوروبي قد تعهد بتقديم 108 ملايين دولار لمساعدة ليبيا في قتال “الدولة الإسلامية” فور تولي حكومة الوحدة الوطنية زمام الأمور. ومع ذلك، وفي ضوء سلسلة المعارضين الواسعة، يشعر الكثيرون بالتشاؤم، بما في ذلك الشركات النفطية التي إما أوقفت أو خفضت عملياتها في ليبيا.
ويقول كيث لامب، المستشار الأمني الذي كان قد عمل في ليبيا حتى العام 2014، والذي يقود الآن شركة لامب للحلول الأمنية: “إن السيطرة على النفط هي هدف قصير وطويل الأجل”. ويضيف: “عبر السيطرة على الموانئ والحقول النفطية، بالإضافة إلى خطوط الأنابيب، فإنك تسيطر على الأموال التي تستطيع أي حكومة أن تجنيها من بيع النفط”. ويخلص إلى القول: “كما أنها تمنع المستثمرين الخارجيين من المجيء إلى البلد. فمعظم الشركات النفطية ليست راغبة في المخاطرة بالعودة إلى ليبيا في الوقت الحاضر”.
ترجمة:عبدالرحمن الحسيني
صحيفة الغد الأردنية