ومع أن العزاوي يسكن مع أصدقائه في خانقين داخل منزل قيد الإنشاء ولا يقي البرد والظروف الجوية إلا أنه سعيد لنجاته من مصير الإعدام وحرق الجثث، والذي انتهى إليه أربعة من أصدقائه على يد مليشيات مسلحة انتشرت في مدينة المقدادية خلال الأيام الماضية.
ويشرح العزاوي لـ”العربي الجديد” أن تفجيراً وقع في مقهى داخل مدينة المقدادية، اتخذت منه المليشيات ذريعة لشن حملتها الجديدة بدعوى الانتقام لأحد قيادييها الذي سقط صريعاً في التفجير، قائلاً في شهادته على الواقعة، إنه وبعد ساعات قليلة وصلت عربات مصفحة تحمل عناصر المليشيات وبرفقتها شاحنة محملة بعبوات ناسفة محلية الصنع تم استخدامها في تفجير تسعة مساجد وعدد من المنازل والمحال التجارية في مناطق العروبة والعصري والمعلمين والثورة وبعض القرى الواقعة على أطراف مدينة المقدادية.
اعتداءات بالقرب من نقاط الشرطة
بصوت متهدج يغالبه البكاء، يؤكد الشاب الناجي أن جميع أعمال التفجير والقتل جرت بالقرب من نقاط تفتيش تابعة للشرطة العراقية، والتي كان الأهالي يعولون عليها لحمايتهم ووقف انتهاكات المليشيات، مضيفاً أن عدد الضحايا الذين يعرفهم بالأسماء تجاوز الخمسة عشر شاباً مع بقاء أكثر من 25 آخرين في عداد المفقودين، مرجحاً العثور على جثثهم بعد انتهاء العاصفة.
يعيش صديق العزاوي، الشاب زيد سعيد اللهيبي، حالة من الذهول والصدمة بعد مشاهدته لعملية إعدام علني، قام بها أربعة من عناصر المليشيات لأحد جيرانه في منطقة الحي العصري “وسط المقدادية”، والذي تحيط به القوات الأمنية من كل الجهات.
اللهيبي وصف لـ”العربي الجديد” مشاهداته أثناء الهرب من المنزل بعد سماع أصوات طلقات نارية صادرة عن مجموعة تستقل 3 عربات دفع رباعي، قامت بإغلاق شارعهم وباشرت البحث عن الشباب قبل أن تدعو جميع السكان إلى مشاهدة عملية الإعدام، والتي قاموا بتصويرها مستخدمين هواتفهم الشخصية.
تفجير بالقرب من النقاط الأمنية
قدم الشيخ معاذ الحيالي من ديوان الوقف السني، لمعد التحقيق، قائمة تضم أسماء وعناوين تسعة مساجد تم تفجير بعضها وتسويته بالأرض وحرق البقية وتحويلها إلى إنقاض، مبيناً أن جميع هذه المساجد تقع بالقرب من نقاط أمنية وبمسافات قليلة جداً.
يضيف الشيخ الحيالي أن “جامع نازنده خاتون تم تفجيره، بينما يبعد مسافة 400 متر فقط عن مديرية الشرطة التي تشهد أكبر تواجد أمني في المدينة، بينما كانت المسافة التي تفصل جامع محمد رسول الله عن نقطة مشتركة للشرطة والجيش لا تزيد عن 200 متر، وكذلك الحال لمسجد آخر في حي المعلمين”، مشيراً إلى أن عمليات التفجير تمت بوضع عبوات ناسفة محلية الصنع بجوار الزوايا والأعمدة الرئيسية للمساجد وحدث التفجير بواسطة التحكم السلكي البعيد ووسط أجواء التكبير والتهليل من عناصر المليشيات، كما توثق شهادات عدد من شهود العيان.
وينفي الحيالي تدخل أي جهة حكومية لمنع أو معالجة آثار عمليات التفجير ومنها فرق الدفاع المدني التي لم تتدخل لإطفاء الحرائق المتصاعدة في المساجد ومنازل المواطنين ومحلاتهم التجارية، لافتاً إلى أن الأهالي أخلوا جثث أبنائهم وعملوا على إسعاف المصابين منهم باستخدام المواد الطبية المنزلية قبل أن يتم تهريب عدد منهم الى مدينة خانقين المجاورة.
مفترق الطرق
يؤكد البرلماني عن محافظة ديالى رعد الدهلكي، أن الأمور في المحافظة وصلت إلى درجة قيام مرتكبي الاعتداءات والتفجيرات بتصوير أنفسهم أثناء القيام بجرائمهم وفق ما يوثقه عبر شهادات من أهالي المدينة، وأن بعضهم نشر مقاطع على مواقع التواصل للتباهي، في إشارة إلى أنهم بمأمن من العقوبة أو المحاسبة من قبل الأجهزة الأمنية.
الدهلكي الذي تحدث لـ”العربي الجديد” عبر الهاتف، أكد أن “المليشيات هي التي تمسك بالملف الأمني في محافظة ديالى وليست الحكومة، لافتاً إلى أن الاعتبارات السياسية تحول دون توقيف القتلة ومفجري المساجد، والذين يتجولون بحرية في المحافظة ولا يخشون شيئاً برغم صدور مذكرات اعتقال قضائية بحقهم”.
ويرى الدهلكي أن الوضع في مدينته يقف على مفترق طرق ولم يعد هناك مجال للانتظار والصبر وأنه في حال إخفاق البرلمان والأطراف الداخلية في وضع حل عاجل لمأساة ديالى فإن الواجب يحتم عليها الانسحاب من أعمال البرلمان واستقالة الحكومة المحلية في المحافظة وأن يقوم أعضاؤها بالانتقال إلى مرحلة تدويل المشكلة؛ لأنه وأمام العجز الحكومي الحالي فإن الحلول الخارجية تكون أكثر جدوى من الداخلية.
رفض التدخلات الإقليمية
يختلف الكاتب والمحلل السياسي الكردي نوزاد صباح “من مواليد ديالى”، مع الدهلكي في موضوع التدويل والحل الخارجي لمأساة المحافظة التي يؤكد أن التدخلات الإقليمية، وتحديداً الإيرانية، كانت السبب في تصاعد النعرات الطائفية، والتي سجلت في ديالى أعلى مستوى لها بين المدن العراقية منذ الغزو الأميركي عام 2003، قائلاً “في السابق كان جميع المواطنين يعيشون مع بعضهم في وحدة وسلام دون مشاكل أو نزاعات، لم تعرف المنطقة تلك الطائفية إلا بعد الغزو الأميركي”.
يبين صباح في تصريحات لـ”العربي الجديد” أن ديالى تمتلك حدوداً طويلة مع إيران وتشكل المنفذ العراقي الأقرب إليها وتحتوي على مجموعة منافذ تجارية وأنهار وحقول نفطية منها عامل وآخر في طور التنقيب وطريق بري يستخدمه الزوار الإيرانيون المتوجهون للعتبات المقدسة في العراق، وبالتالي فإنها تشكل أهمية كبيرة للجانب الإيراني الذي سعى وبقوة لدعم المليشيات المسلحة الساعية للسيطرة على المحافظة.
ويتابع الكاتب بأن أكبر معضلة في ديالى تتمثل في الغطاء السياسي الصريح الذي تتمتع به المليشيات المسلحة من بعض أطراف العملية السياسية، حتى وصل الأمر إلى مقاطعة كتلة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لجلسة برلمانية تم تخصيصها لبحث موضوع تهجير المواطنين من منطقة بهرز “جنوب ديالى”.
من جانبه يحمّل مركز جنيف الدولي للعدالة، حكومة حيدر العبادي، المسؤولة قانوناً عن السلطة في العراق، المسؤولية عن جرائم ديالى. وطالب المركز، في بيان صحافي صدر مساء أمس، المجتمع الدولي وفي المقدّمة منه، هيئات الأمم المتحدّة وخاصة مجلس الأمن الدولي، ومجلس حقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، وفريق الأمم المتحدّة المعني بمنع وقوع جريمة الإبادة الجماعية، ومكاتب الأمم المتحدّة في العراق، والدول الأعضاء في الأمم المتحدّة، والمجموعات الإقليمية (الجامعة العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي)، بتحمل المسؤوليّة القانونية والأخلاقية التي تفرض على هذه الجهات أن تتدخل فوراً، دون أي إبطاء، لوقف فصول هذه الجريمة، طبقاً لمسؤولياتها الواضحة المنصوص عليها في مواثيقها ودساتيرها وقواعد عملها، داعيا إلى اتخاذ كل الإجراءات لكي يُحال إلى القضاء الدولي أو المحلّي كل المتورطين في هذه الجريمة ضد الإنسانيّة بما يمنع تفاقمها وزيادة عدد ضحاياها.