كشف الهجوم الذي نفذه متشددون إسلاميون في ضواحي واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو (غرب أفريقيا) عن أن أفريقيا تشهد ظهورا قويا للتنظيمات الإسلامية ما ينبئ بتشكل جبهة إرهاب لا تقل خطورة عما يجري في سوريا والعراق، أو أوروبا.
وأنهت قوات الأمن في بوركينا فاسو هجومها على فندق ومقهى في واغادوغو تعرضا لاعتداء نفذه مسلحون متشددون مما أدى إلى مقتل 26 شخصا وثلاثة جهاديين وتحرير 126 شخصا أغلبهم موظفون من الأمم المتحدة وغربيون.
ويأتي الهجوم بعد أقل من شهرين من اعتداء على فندق “راديسون بلو” في باماكو والذي أسفر عن سقوط 20 قتيلا بينهم 14 أجنبيا في 20 نوفمبر 2015، حيث احتجز مسلحون لعدة ساعات نحو 150 نزيلا وعاملا في الفندق قبل تدخل القوات المالية مدعومة من القوات الخاصة الفرنسية والأميركية.
وقال خبراء إن أفريقيا تشهد توسعا لأعمال العنف المرتبطة بالمجموعات الإسلامية المتشددة المقربة فكريا من داعش والقاعدة دون أن يكون ثمة رابط تنظيمي يجمع المنفذين بقيادات في التنظيمين اللذين يتركز وجودهما في الشرق الأوسط، لافتين إلى أن التشدد الأفريقي لا يربطه بداعش والقاعدة سوى البعد الأيديولوجي العام.
ويرى حمدي عبدالرحمن، أستاذ الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة، ومؤلف كتاب “تحولات الخطاب الإسلامي في أفريقيا: من الصوفية إلى بوكو حرام” أن الأديان التقليدية في أفريقيا محلية الطابع، ولا تمتلك فعالية خارج نطاق الجماعات التي تعتنقها.
وحذّر الخبراء من أن العالم يقابل ما يجري في أفريقيا بشيء من الاستسهال، قياسا بحالة الطوارئ التي عمّت أوروبا والولايات المتحدة بعد هجمات استهدفت العاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر الماضي، أو بما يجري في العراق وسوريا في محيط إقليمي يعتبر شريانا رئيسيا للنفط العالمي، ما استدعى قيام تحالف دولي لوقف توسع تنظيم داعش.
ومن الواضح أن مواجهة داعش في أفريقيا متروكة لحكومات محلية ضعيفة، ما يستدعي استنجادها بفرنسا التي فشلت إلى حد الآن في تطويق المد الجهادي في غرب أفريقيا الذي يستهدف مواقع نفوذها.
وتتمركز قوات فرنسية خاصة في ضواحي واغادوغو في إطار مكافحة التنظيمات الإسلامية المتطرفة في منطقة الساحل. كما تنشر واشنطن 75 عسكريا في بوركينا فاسو وقالت إنها تقدّم الدعم للقوات الفرنسية في العملية.
وفشل الاتحاد الأفريقي في تطويق أنشطة المجموعات المتشددة في القرن الأفريقي، وخاصة في الصومال، ما يستدعي دورا دوليا أكثر فاعلية شبيها بما يجري في العراق وسوريا، خاصة أن هذه المنطقة يمكن أن تمثل طوق نجاة للمتشددين الهاربين من الشرق الأوسط، فضلا عن كونها تمثل معبرا لتهريب الأسلحة والمقاتلين.
وما يزيد من صعوبة مواجهة الشبكات المتشددة أن معظمها يتحرك بمفرده ووفق ظروفه المحلية، حيث أن مرتكبي الاعتداءات في أفريقيا أو آسيا لم يكونوا على اتصال مباشر مع قيادة داعش التي تكتفي بعدها بتبني هذه الاعتداءات، فتضمن بذلك توسعا وتمددا متزايدين من دون عناء.
ورغم أن أفريقيا ظلت لسنوات مسرحا لعمليات مرتبطة بتنظيم القاعدة، فإن مبايعة بوكو حرام لأبي بكر البغدادي خليفة داعش في العراق، جعلها تخطف الأنظار بعملياتها التي يطغى عليها التوحش.
ومن الواضح أن أسلوب القتل الجماعي للمدنيين وسبي المئات من الفتيات الصغيرات، والاغتصاب المنظم، هدفه هو الاستقطاب الإعلامي والدعاية لوجود التنظيم واستدراج المتعاطفين مع القاعدة للالتحاق به، ومن ثمة بسط سيطرته على القارة.
ويظهر البعد الدعائي في العمليات التي تنفذها التنظيمات المتشددة في استهداف الأجانب، وخاصة الغربيين، لجذب اهتمام وسائل الإعلام الغربية، ما يحقق انتشارا واسعا لها.
وأعلنت وزارة الأمن الداخلي في بوركينا فاسو السبت أن طبيبا أستراليا وزوجته اختطفا صباح الجمعة في شمال البلاد، بالتوازي مع الهجوم الذي استهدف مواطنين غربيين.
وقال مايكل كوغلمان من مركز “وودرو ويلسن” للأبحاث في واشنطن إن “السؤال الكبير بعد اعتداءات جاكرتا (التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية) واعتداءات أخرى نفذت في العالم خلال الأشهر الأخيرة هو هل أرسل هؤلاء المنفذون مباشرة من قبل التنظيم أو كانوا فقط متأثرين به؟”.
ويعتقد كوغلمان أنه في معظم الحالات، فإن تنظيم الدولة الإسلامية يكتفي في الوقت الحالي، بفضل الشهرة العالمية على شبكة الإنترنت، بتبني الاعتداءات والهجمات التي يشنها أفراد وجماعات مبايعة له لكنه لا يديرها مباشرة، بعد تنفيذها.
واعتبر الخبير الباكستاني في المنظمات المتطرفة حسن عسكري أن “الأمر يتعلق بجماعات معارضة تتخذ هوية جديدة، وأن أولئك الذين يلتحقون بها، قد لا يكون لهم أيّ اتصال مباشر مع قيادة تنظيم الدولة الإسلامية”.
وأشار عسكري إلى أن “هذه المجموعات التي تعلن ولاءها للتنظيم تعلم أنه بنشرها لرايته السوداء على الإنترنت ستصبح أكثر إثارة للخوف، وستحصل على مزيد من الاهتمام، وهذا ما تريده”.
صحيفة العرب اللندنية