دخلت إيران عملياً أمس حقبة ما بعد الحظر، أي حقبة جديدة تتيح لاقتصادها وشركاتها المتاجرة بشكل طبيعي مع باقي العالم، بعد رفع الحظر الدولي وفقاً لاستيفاء شروط الاتفاق النووي الذي وقع الصيف الماضي بالعاصمة النمساوية فيينا.
ورغم رفع الحظر الدولي، يتبقى هنالك الحظر الأميركي غير المرتبط بالملف النووي. وهو حظر، أقره الكونغرس الأميركي ويخص خروقات إيران في مجالات دعم الإرهاب وحقوق الإنسان والصواريخ البالستية، وهذا الحظر يمنع الشركات الأميركية داخل الولايات المتحدة من التعامل مع إيران، ولكنه لا يمنع فروعها في الخارج من التعامل مع السوق الإيراني.
وبرفع الحظر الدولي مساء السبت، تكون حكومة الرئيس حسن روحاني قد أكملت عملياً المهمة التي انتخبت من أجلها بنجاح، ورغم أن الاتفاق يفتح باب الفرص واسعاً أمام نمو الاقتصاد الإيراني، إلا أنه يأتي في وقت يعيش فيه الاقتصاد العالمي أسوأ ظروفه، حيث تنهار أسعار النفط والسلع الأولية وتخفض فيه شركات الطاقة الغربية الكبرى حجم الإنفاق، ولا تبدو أنها متشجعة للدخول في عقود نفطية أو عقود غاز جديدة وسط الأزمات المالية التي تعيشها.
وبالتالي يرى خبراء غربيون أن الطريق سيكون طويلاً أمام إيران للتوسع وتطوير صناعة النفط والغاز، وربما يأخذ عشر سنوات حسب خبير النفط البريطاني جون ميتشل الزميل في المعهد الملكي البريطاني” تشاتهام هاوس”.
وربما تكون حكومة طهران بحاجة إلى تقديم تنازلات لشركات الطاقة الغربية، حتى تتمكن من إغرائها بالدخول في عقود لتطوير صناعة النفط والغاز.
ورغم أن الاقتصاد الإيراني، يأتي في الحجم بعد الاقتصاد السعودي مباشرة من حيث الحجم، ويضعه البنك الدولي في المرتبة 18 بين الاقتصادات العالمية، إلا أنه يواجه تحديات كبرى في أعقاب خروجه من الحظر.
وحسب دراسة لكلية واتون للأعمال التجارية بمدينة فيلاديلفيا الأميركية، فإن الاقتصاد الإيراني يعاني من ارتفاع حجم البطالة التي تصل إلى 17.0% بين الشباب و39% بين الفتيات.
وتواجه الحكومة الإيرانية تحديات خلق 8.5 وظيفة خلال العامين المقبلين لتقليل حجم البطالة. وربما تساهم الأموال التي ستتمكن إيران من فك تجميدها في إنشاء مشاريع جديدة.
ولكن وحسب خبراء غربيين، فإن التوترات السياسية والعسكرية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وتدخلات إيران في حروب المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر، يرفع من مخاطر الاستثمار في إيران، خاصة بالنسبة للشركات الغربية التي تنظر للسوق الإيراني بأنه سوق مستقبلي وحيوي يموج بالشباب ويتكون من 78 مليون مستهلك، فيما يبلغ حجمه الاقتصادي 416 مليار دولار.
وهذه المخاطر، خاصة التوتر بين طهران ومحيطها، يخيف الشركات الغربية من وضع استثمارات ضخمة وطويلة الأجل في إيران، كما أن البنوك الغربية لن تكون متحمسة لتمويل المشاريع المشتركة المقترحة بين الشركات الغربية والشركات الإيرانية.
وحسب محللين “يمكن تلخيص فوائد رفع الحظر والتحديات التي تواجه إيران في جني ثماره في النقاط التالية”:
أولاً: سيمكن رفع الحظر البنوك الإيرانية من التعامل بشكل طبيعي مع البنوك العالمية، كما سيتمكن البنك المركزي الإيراني والبنوك والشركات المالية الإيرانية من استخدام نظام “سويفت” العالمي في تنفيذ الصفقات المالية، أي أن هذه المؤسسات المالية تستطيع تحويل الأموال واستقبالها دون أية عوائق. وكان الحظر يمنع البنك المركزي الإيراني والبنوك الإيرانية من استخدام نظام “سويفت” للتحويل الإلكتروني، كما يمنعها كذلك من استخدام الدولار في المعاملات المالية.
اقرأ أيضاً: أول موازنة لإيران بعد رفع العقوبات بـ317.5 مليار دولار
ثانيا: الشركات الإيرانية تستطيع الآن استيراد التقنيات الغربية وعقد الصفقات والاتفاقات مع نظيراتها الغربية. وكان الحظر الأميركي يعاقب الشركات العالمية التي تتعامل مع إيران بحرمانها من السوق الأميركي.
ثالثاً: سيتيح رفع الحظر لإيران الفرصة لإعادة بناء صناعة الطاقة المتقادمة والمفتقرة للتقنية بعد سنوات من الحظر. ولكن التحديات التي تواجه إيران في الحصول على تقنيات جديدة للطاقة، ومنها التوتر بينها وبين السعودية، حيث ترتبط معظم الشركات الغربية بمصالح ضخمة مع عملاق النفط السعودي أرامكو.
وتتمثل هذه الشراكات في المصافي وبيع المشتقات وعقودات النفط الخام. وربما تتردد الشركات الغربية في ظل هذا التوتر في التعامل مع إيران، حرصاً على مصالحها النفطية الضخمة مع السعودية. يضاف إلى هذا العامل التحالف الحالي بين إيران وروسيا وعقود الشراكات في مجالات الطاقة. وهذا الوضع غير مريح بالنسبة لشركات الطاقة الغربية وحكوماتها.
رابعاً: يتيح رفع الحظر لإيران استعادة أموالها المجمدة في الخارج والتي تقدر بحوالي مائة مليار دولار، معظمها تراكم في البنوك العالمية بسبب حصيلة مبيعات النفط الإيرانية في سنوات الحظر.
وكان الحظر يمنع تحويل مبيعات النفط الإيراني بالدولار إلى أميركا، ويفرض على الدول المشترية للنفط الإيراني وضع قيمة النفط في حساب بالعملة المحلية ويمنع استخدام هذا الحساب في مشتريات السلع المستثناة من الحظر مثل الأدوية وبعض قطع الغيار.
خامساً: برفع الحظر ستتمكن إيران من رفع الطاقة الإنتاجية للنفط والغاز، لأنها تستطيع الآن تصدير أية كمية من نفطها للخارج دون كوابح. ولكن من الناحية العملية، فإن إيران ستجد صعوبات في رفع الطاقة الإنتاجية للنفط في سوق متخمة.
وترى البروفسورة برندا شافر بجامعة جورج تاون الأميركية أن “إيران ربما ستتمكن من بيع كميات النفط العائم في البحار فوراً، لأنه يكلفها يومياً دفع إيجار السفن، ولكن رفع معدلات طاقتها النفطية ربما يأخذ وقتاً”.
وكان وزير الطاقة الإيراني، بيجين زنجنه، قد قال في لقاء مع تلفزيون “سي إن إن”، إن إيران ستعمل إلى رفع الطاقة الإنتاجية إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الحظر، وزيادة الإنتاج خلال العام الجاري بكميات تراوح بين 600 ألف إلى مليون برميل يومياً. ولكن يرى خبراء أن إيران تواجه مشكلة زبائن لمبيعات نفطها.
موسى مهدي
صحيفة العربي الجديد