الشرق الأوسط بعد «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني

الشرق الأوسط بعد «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني

USCapitolSunsetDome-639x405

غالباً ما تبدأ المناقشات السياسة الخارجية بالتكتيكات، سواء على سبيل المثال لفرض «خطة العمل المشتركة الشاملة» [للبرنامج النووي الإيراني] بصرامة أو للابتعاد عنها بالكامل. وأعتقد أنه بإمكان الولايات المتحدة التوصل إلى سياسات أفضل إذا بدأت بدلاً من ذلك بالبحث في الأهداف والنتائج التي تأمل تحقيقها، وفي رسم طريقها نحو تحقيقها. إلى جانب ذلك، لدى واشنطن توجه مؤسف للتفكير في السياسة الخارجية باعتبارها ممارسة تخص حل المشاكل، مع التركيز أولاً – وأخيراً في بعض الأحيان – على معالجة الصراعات، وإهمال العمل الأكثر مللاً الذي يقضي ببناء العلاقات ومعالجة المشاكل الجديدة. لكنّه من المرجّح أن تلقى الولايات المتحدة – في منطقة الشرق الأوسط – نجاحاً أسرع وأكبر بكثير في تعزيز التحالفات التي نجت من عواصف المنطقة، كتلك القائمة مع كل من الأردن ودول «مجلس التعاون الخليجي» وإسرائيل، من النجاح في إنهاء الحرب الأهلية في سوريا أو بناء حكومة جديدة في ليبيا على سبيل المثال. وأخيراً، تميل واشنطن إلى التفكير والتخطيط في إطار تطورات محدودة، والبحث في ما يجب القيام به خلال الأشهر المقبلة، من دون الإشارة إلى أي جدول أعمال واضح على المدى الطويل.

رغم التطورات المأساوية التي طرأت في السنوات الأخيرة، لم تتغيّر مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط جذرياً. فهي تشمل عوامل عدّة مثل حظر الانتشار النووي ومكافحة الإرهاب فضلاً عن التداول الحر للطاقة والتجارة وأمن إسرائيل. بيد أن العقبات التي تحول دون تعزيز هذه المصالح قد تغيّرت بشكل جليّ، وهي لا تشمل «خطة العمل المشتركة الشاملة» المعيبة فحسب، بل أيضاً بروز تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» وسقوط الحلفاء (وإن كانوا يطرحون إشكالية) في مصر وتونس وأماكن أخرى، وهلمّ جرا. ويتطلب هذا السياق الجديد استراتيجية جديدة، أي مجموعة من الإجراءات التي، نظراً إلى العقبات والفرص التي تواجهها الولايات المتحدة، تقدم أفضل فرصة لتعزيز مصالحها. هذا ليس بمنتدى للتعبير عن استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط بالكامل، ولكن، في الوقت الذي تفكر فيه واشنطن في كيفية المضي قدماً في أعقاب «خطة العمل المشتركة الشاملة»، لا بد من أن تكون السياسة تجاه إيران التي تخطط لها الولايات المتحدة لما بعد الصفقة متسقة مع هذه الاسراتيجية وتعمل على تعزيزها. وهنا يجدر بالذكر أن أياً من الخطوات السياسية التي أوْصي بها في ما يلي تقتضي أن تتم إعادة التفاوض على «خطة العمل المشتركة الشاملة».

وينبغي أن يظل الهدف الأول لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران كامناً في منع الانتشار النووي في الشرق الأوسط. ففي حين توفر «خطة العمل المشتركة الشاملة» بعض الأدوات المفيدة في هذا الصدد – وذلك بشكل رئيسي من خلال زيادة نفاذ مفتشي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وإلزام إيران بتنفيذ تدابير وقائية معززة – إلا أنها تعاني أيضاً من نقاط ضعف كبيرة.

وتكمن نقطة الضعف الأولى والأكثر أهمية في «خطة العمل المشتركة الشاملة» في أنها ليست قوية بما يكفي لمنع إيران من مواصلة سعيها إلى امتلاك سلاح نووي سراً. إذ يُسمح لإيران بمواصلة عمليات البحث والتطوير حول أجهزة الطرد المركزي المتقدمة والتي من شأن كفاءتها أن تكون مناسبة تماماً لتشغيل منشأة صغيرة سرية لتخصيب اليورانيوم؛ إذ لم يكن مطلوباً منها أن تقدم إلى «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إمكانية الوصول إلى المرافق والموظفين العاملين في إطار التسليح، ما يصعّب التحلي بالثقة بأنّ إيران لن تستفيد من هذه المنشآت وموظفيها مرة أخرى في مسعى جديد لإنتاج الأسلحة في المستقبل. كما ويُسمح لها بمتابعة برنامج الصواريخ البالستية علناً، ويمكنها أن تتلقى مساعدات دولية للقيام بذلك في غضون ثماني سنوات. إن الكشف عن برنامج سري للأسلحة النووية أمر معقد بسبب افتقار «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لصلاحية التفتيش “في أي زمان وأي مكان”، والندرة النسبية لآليات الإنفاذ سواء في «خطة العمل المشتركة الشاملة» أو في السياسات الوطنية للولايات المتحدة وحلفائها.

بغية معالجة نقاط الضعف هذه، أوصي بالخطوات التالية:

·         ينبغي أن تُستأنف جهود «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» للوصول إلى المرافق والأفراد المرتبطين بالأبعاد العسكرية المحتملة، وذلك عبر اللجوء إلى أحكام النفاذ الواردة في “البروتوكول الإضافي” و«خطة العمل المشتركة الشاملة»؛

·         يجب أن تستخدم «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أحكام النفاذ تلك عينها للتحقق من استيفاء تصريحات إيران الأولية بشأن مخزونات اليورانيوم، وجرد مكونات أجهزة الطرد المركزي، وأي تصريحات ذات صلة؛

·         يجب أن تستخدم «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أحكام النفاذ تلك عينها من أجل عملية التحقق من وجهات الاستخدام النهائية لكل من المواد المرتبطة بالشق النووي وتلك ذات الاستخدام المزدوج، على الرغم من أن هذا الجانب الأخير لا يُذكر تحديداً في شق قناة المشتريات في «خطة العمل المشتركة الشاملة»؛

·         حيثما أمكن، ينبغي تطبيق شرط التفتيش في غضون 24 ساعةً الوارد في “البروتوكول الإضافي”، بدلاً من تحديد موعد التفتيش قبل 24 يوماً وفق آلية تسوية النزاعات التي تنص عليها «خطة العمل المشتركة الشاملة»؛

·         على الولايات المتحدة وحلفائها الضغط على «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» كي تكون استباقيةً في تقديم طلبات وصولها، والتأكد من أن المدير العام القادم لـ «الوكالة» سيركز على هذه المسألة وسيكون موثوقاً فيها؛

·         لا بد من اتفاق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وسائر الشركاء على “قائمة” العقوبات في حال عدم التعافي التام ليتم تطبيقها في حال تأخر إيران في تطبيق «خطة العمل المشتركة الشاملة» أو انتهاكها لها، والإشارة إلى استعداد هذه الأطراف لبدء تطبيق تلك العقوبات عبر آلية حل النزاعات التي تستغرق 24 يوماً إذا ثبت تباطؤ إيران أو ترددها في التعاون مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

·         يتوجب على وزارة الخزانة ووزارة الخارجية الأمريكيتين، إلى جانب الوزارات النظيرة في العواصم الحليفة، الاستمرار في تثقيف الشركات الأمريكية والأجنبية بشل فعال حول العقوبات التي ما زالت مفروضة على إيران، إضافة إلى استثمار الموارد في الكشف عن الجهود الإيرانية في الالتفاف حول هذه العقوبات؛

·         ينبغي أن تقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» التمويل الذي تحتاج إليه لتنفيذ مهمتها بأقوى طريقة ممكنة؛

·         على الولايات المتحدة مواصلة الاستثمار في الكشف عن الأنشطة النووية الإيرانية غير المشروعة، كما على واشنطن وحلفائها تعزيز تعاونهم لجمع المعلومات الاستخباراتية حول البرنامج النووي الإيراني وتقديم المعلومات حسب الاقتضاء لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» للمساعدة في مهمتها المتمثلة بالرصد والتحقق؛

·         ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وسائر الشركاء مساعدة الدول الأخرى في وضع وتطبيق ضوابط كافية لمنع تصدير المشتريات الإيرانية غير المشروعة، كما وينبغي عليها حث الدول على إقامة افتراض مسبق بمنع تصدير السلع الحساسة إلى إيران، فضلاً عن اعتماد التيقظ في رصد امتثال الصين وكوريا الشمالية لهذه المعايير؛

·         يتوجب على الولايات المتحدة وحلفائها الاستثمار في عمليات الردع، بما يشير بوضوح إلى استمرار استعدادها لاستخدام الخيار العسكري إذا ما خالفت إيران «خطة العمل المشتركة الشاملة»، والتأكد من أن موقف قوتها وأعمالها عوامل تعزز مصداقية هذه التصريحات؛ الأمر الذي ينبغي أن يشمل الاستثمار في قوات بحرية كبيرة بما يكفي لتوفير التغطية في مناطق جغرافية متعددة بحيث لا تضطر الولايات المتحدة إلى “الاختيار” بين آسيا والشرق الأوسط.

والجدير بالذكر أن الكثير من الخطوات الواردة أعلاه تعتمد على استمرار الولايات المتحدة بتلقي الدعم من أربعة أعضاء آخرين من الأعضاء الثماني في “اللجنة المشتركة” لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»، أي الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. ولكن، ليست هناك ضمانات بأن الانتخابات القادمة في فرنسا وألمانيا وأماكن أخرى ستضمن استمرار دعم هذه الحكومات. وبالتالي، فإذا ما أدت التطورات السياسية في أوروبا إلى جعل الدعم المقدم إلى الولايات المتحدة من “اللجنة المشتركة” أقل مما يلزمها لتنفيذ الإجراءات المذكورة أعلاه بصرامة، لن تجد واشنطن أمامها من خيار سوى أن تعيد النظر في التزامها بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»…

مايكل سينغ

معهد واشنطن