حتى بعد رفع العقوبات، يجب على واشنطن أن تظل حازمة في موقفها لكشف ممارسات إيران التي تسهم في زعزعة الاستقرار.
* * *
في الصيف الماضي، توصلت القوى العالمية إلى اتفاق تاريخي للحد من طموحات إيران النووية. ومنذ ذلك الحين، اتخذت المجموعة الدولية بعض الخطوات الإيجابية للحد من ذلك البرنامج. لكننا إذا فشلنا في عمل المزيد لتنفيذ الاتفاقية بطريقة أكثر صرامة، فإن الاتفاقية لن تنجو حتى نهاية العام 2017.
بدءا من التجارب الإيرانية على الصواريخ الباليستية غير القانونية في الخريف الماضي، مروراً بعملياتها العسكرية الخطيرة على مقربة من السفن الأميركية، إلى احتجازها الأخير لمركبين تابعين لسلاح البحرية الأميركية في الخليج العربي، تؤكد أفعال إيران الأخيرة أننا يجب أن نظال متشككين وفاقدين للثقة على نحو معمق بالنظام الإيراني. وبينما أشعر بالسعادة لإطلاق سراح البحارة الأميركيين العشرة الذين كانوا قد اعتقلوا مؤخراً وعودتهم بأمان، فقد أظهرت هذه التطورات أنه يتوجب على إدارة أوباما عمل المزيد من أجل كبح عدوانية طهران في الإقليم.
كلما طال أمد تردد الولايات المتحدة في معاقبة إيران على سلوكها السيئ، أفسحنا لها المزيد من المجال لممارسة الغش فيما يتعلق بالصفقة النووية، والاستخفاف بالقوانين الدولية.
في وقت سابق من هذا الشهر، كنت قد سافرت إلى إسرائيل والعربية السعودية وتركيا والنمسا، واجتمعت مع المفتشين النوويين في المقر الرئيسي لوكالة الطاقة النووية الدولية. واشتملت الرحلة على لقاءات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وغيرهما من القادة الإقليميين. وقد أعرب العديد من هؤلاء المسؤولين عن مخاوف من إيران. وفي أعقاب هذه المباحثات، عدت إلى الوطن وأنا أكثر اقتناعاً بأنه يجب علينا التأكيد لحلفائنا في المنطقة بأننا لن نتنازل عن التزامنا بضبط سلوك طهران وممارساتها المزعزعة للاستقرار.
لقد مضت ستة أشهر تقريباً على التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، الذي يعرف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة. والآن، قد نكون على بعد أيام وحسب من “تنفيذ الاتفاقية”. وفي يوم التنفيذ -الذي سيحل في أي يوم يشهد فيه لإيران بأنها تقيدت بكل بنود الصفقة النووية- ستتمكن إيران مباشرة من الوصول إلى المليارات من الدولارات التي سترفع عنها العقوبات. ولن تحصل على ذلك الغوث ما لم تشهد الوكالة الدولية للطاقة النووية بأنها أوفت بعدد من البنود الرئيسية بما في ذلك القضاء على مساريها قصيري الأمد لتطوير قنبلة نووية. وتحديداً، فإن الوصول إلى يوم التنفيذ سوف يعني أن 12 طناً من يورانيوم إيران المخصب –ما يشكل تقريباً مخزونها بالكامل الذي استغرقها تطويره عقداً كاملاً، قد شحن إلى خارج البلد وتم تأمينه، كما تم تعطيل ثلثي أجهزة الطرد المركزي الإيرانية التي كانت تقوم بتخصيب اليورانيوم.
وسوف يعني يوم التنفيذ أن مفاعل الماء الثقيل الإيراني في أراك، والذي كانت الغاية منه إنتاج البلوتونيوم بدرحة الأسلحة، سيكون قد عُطل عبر تعبئة محوره بالإسمنت. ويعني أيضاً أن المفتشين الدوليين سيتمتعون بوصول غير مسبوق لمراقبة دورة الوقود النووي الإيراني برمتها، والتي تشتمل على كل مناجم اليورانيوم والمطاحن ومرافق إنتاج أجهزة الطرد المركزي، وهو ما يتجاوز بكثير السلطات التقليدية للوكالة الدولية للطاقة النووية. (ملاحظة: أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن وفاء إيران بكل شروط تنفيذ الاتفاق).
ومع ذلك، وبالرغم من هذه الشروط، يظل من الواضح أن جهودنا لردع العدوانية الإيرانية يجب أن تمتد إلى ما وراء الصفقة النووية. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، قادت إدارة الرئيس اوباما تعرضاً ناجحاً لسفينة إيرانية محملة بالأسلحة، والتي كانت متجهة إلى الثوار الحوثيين في اليمن، وهو انتهاك للقانون الدولي خارج اختصاص خطة العمل المشترك.
لطالما قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات من جانب واحد ضد إيران بسبب ممارساتها في مجال حقوق الإنسان ونشاطها في تطوير الصواريخ الباليستية، ودعمها المادي والمعنوي للإرهاب. وطوال فترة المفاوضات حول خطة العمل المشترك، فرضت وزارة الخزينة عقوبات على أكثر من 100 من الكيانات والشخصيات المرتبطة بالإيرانيين، كما أقدمت الوزارة في الشهور الأخيرة على فرض عقوبات على مسؤولين وعملاء من حزب الله، والذين سعوا إلى تهديد إسرائيل وتقديم دعم عسكري لنظام الأسد الإجرامي في سورية. وفي الأسبوع الماضي وحسب، فرضت وزارة الخزينة الأميركية عقوبات جديدة على شركة اتصالات سلكية ولاسلكية لبنانية، بسبب دعمها لحزب الله. ويجب أن تستمر هذه الجهود.
من دون تطبيق مستدام وثابت وقوي لهذه العقوبات غير المتعلقة بالبرنامج النووي، نعرف أن إيران سوف تستمر في اختبار حدود الصفقة ودراسة ردود أفعالنا. وذلك ما يفسر السبب في توقعي أن إدارة اوباما ستمضي قدماً في وقت قريب في فرض عقوبات جديدة على إيران، رداً على تجربتين حديثتين للصواريخ الباليستية، واللتين انتهكتا بشكل واضح قرار مجس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 1929.
يستطيع الكونغرس أيضاً لعب دور بناء بعدد من الطرق، ويجب على مجلس الشيوخ أن يعيد إشراك مرشحين للأمن القومي، والذين تم الاعتراض عليهم لأسباب سياسية صرفة. ويضم هؤلاء المرشحون لورا هولغيت، الخبيرة في عدم الانتشار، والتي سميت لأكثر من خمسة شهور لتكون سفيرة لدى وكالات الأمم المتحدة في فيينا؛ وآدم زوبين، الخبير في العقوبات الدولية وتمويل الإرهاب، والذي كان قد سمي في نيسان (أبريل) الماضي لشغل منصب حساس في وزارة الخزينة.
يجب علينا أيضاً أن نتخذ خطوة فعالة عبر تمرير قانون الإطلاع على سياسة إيران، وهو مشروع قانون كنت قد طرحته مع معارضين ومؤيدين للصفقة النووية على حد سواء، من أجل توضيح بعض المواد الغامضة في الاتفاق، وعرض دعم متزايد لحلفائنا في المنطقة، وبخاصة إسرائيل. ويجب على الكونغرس أيضاً تقديم تمويل مناسب طويل الأمد للوكالة الدولية للطاقة الذرية، المسؤولة عن تفتيش المرافق النووية الإيرانية ومراقبة تقيد إيران بخطة العمل المشترك.
لكننا لا نستطيع تنفيذ الصفقة وحدنا. وكما بحثت مع زملائي ومع القادة الإقليميين في الأسبوع الماضي أثناء رحلتي في الشرق الأوسط، فإنه يجب علينا العمل مع شركائنا الدوليين لكشف ودراسة أي معلومات جديدة عن النشاط النووي الإيراني، من أجل قياس مقدار التزامها بخطة العمل المشترك، والاستمرار في تقييم طول المدة التي ستستغرقها إيران في ” الخروج من” أو معاودة الدخول في برنامج تصنيع سلاح نووي إذا انهار الاتفاق. وفي ضوء الخطوات الصعبة التي يجب على إيران اتخاذها قبل يوم التنفيذ، تم تمديد زمن “الاختراق” من مجرد عدة أشهر إلى عام.
في الأشهر المقبلة، سوف تعمل رغبتنا في الرد بقوة وبفعالية على تجارب إيران الصاروخية الباليستية، وممارساتها الاستفزازية في الخليج العربي، وأي سلوك سيئ آخر، على تهيئة الأرضية لنوعية جهودنا في فرض الانضباط خلال العقد المقبل وما بعده.
تعير الحكومة الإيرانية انتباها كبيراً لكل شيء نفعله. ويجب على الكونغرس وإدارة أوباما والعالم أن يكونوا منتبهين لسلوك إيران بنفس المقدار. ومن خلال الاطلاع الحذر والقوي فقط نستطيع ردع إيران وفرض تطبيق هذه الصفقة المهمة.
ترجمة: عبدالرحمن الحسيني
صحيفة الغد الأردنية