ومن العوامل الأخرى التي يمكن أن تعطل الاستثمار ما تبقى من عقوبات على إيران ونقص تمويل المشاريع، وكذلك المخاطر السياسية كالحماية التجارية واحتمال انهيار الاتفاق النووي.
وقد وقعت بعض الشركات الأجنبية بالفعل خطابات نوايا مع إيران منذ رفع العقوبات الدولية المفروضة على برنامجها النووي السبت الماضي، كما أن عددا أكبر من الشركات تريد التعامل مع إيران، التي تمثل سوقا حجمه نحو 80 مليون نسمة.
غير أن خبراء يقولون إن وصول الاستثمارات الخارجية الكبرى سيستغرق ما لا يقل عن ستة أشهر مع سعي الشركات إلى استيعاب البيروقراطية الإيرانية وهياكل الملكية غير الواضحة وأصحاب المصالح الإيرانيين ذوي النفوذ الذين يستاؤون من المنافسة الأجنبية.
وقال فرهاد علوي، الشريك المدير لدى مجموعة اكريفيس لو، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، إن “إيران ترزح تحت العقوبات، ولذلك فإن الكثير من ممارسات الأعمال العالمية ليست شائعة بقدر شيوعها في الأسواق الناشئة الأخرى”.
وقد أصدر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي آزر السعي إلى إبرام الاتفاق النووي، أوامره للحكومة لتسهيل الاستثمارات الأجنبية، لكنه حذر أيضا من أن الطريق طويل لتحقيق التكامل الاقتصادي لإيران مع العالم الخارجي.
وقال روحاني، الأحد الماضي، إن بلاده المنتجة للنفط تحتاج إلى استثمارات أجنبية تتراوح بين 30 و50 مليار دولار سنويا لرفع النمو الاقتصادي إلى 8%.
ويقول مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إن إيران اجتذبت استثمارات أجنبية مباشرة تبلغ في المتوسط 1.1 مليار دولار فقط سنويا في الفترة بين عامي 1966 و2004 قبل فرض العقوبات الاقتصادية عليها.
قواعد تنظيمية للأعمال
قال وزير الاقتصاد الإيراني، علي طيب نيا، الاثنين الماضي، إن حكومة بلاده تحاول “التخلص من القوانين التي تعوق الأعمال”. وأضاف أن هذه المهمة لن تكون يسيرة، مؤكدا أن هناك نحو 182 ألف بند تنظم الأعمال.
وقالت سورانا بارفوليسكو، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة كونترول ريسكس، إن “أغلب القواعد التنظيمية ما زالت تتركز بدرجة كبيرة على المحتوى المحلي والشركات المحلية، ولذلك سيكون من المهم أن نرى كيف ستتعامل الحكومة الإيرانية مع هذا الطوفان من الاستثمارات الأجنبية”.
وأضافت: “نتوقع أن تحقق الحكومة التوازن بين مصالح الأعمال المحلية والمستثمرين الأجانب لضمان ألا يخسر أي طرف مع انفتاح السوق”.
وقال برهم جوهري، الشريك المؤسس لشركة فرونتير بارتنرز الاستشارية في دبي، والتي يتركز نشاطها على دخول السوق الإيرانية، إن مصالح المستثمرين الأجانب ومصالح شركائهم المحليين ليست متوافقة في قضايا مثل العمالة.
وتابع: “الشركات متخمة بالعاملين أكثر مما تحتاج إليه، وإنتاجها أقل من قدراتها… وهي لا تريد الاستغناء عن الناس، بينما يريد المستثمرون الأجانب ضمان إدارة الشركة بكفاءة”.
ووصف الشركات المملوكة للحكومة بأنها مترهلة.
وفي أوائل أغسطس/آب الماضي، قال روحاني إن بلاده لن ترحب بالمستثمرين الأجانب إلا إذا وظفوا عمالا محليين وجلبوا خبرات تكنولوجية ليظهر بذلك عزم الحكومة على حماية مصالح الشركات المحلية.
المخاطر السياسية
ومع ذلك، تتردد شركات أجنبية كثيرة في قبول التزامات طويلة الأجل في سوق ما زالت محفوفة بالمخاطر السياسية.
فما زال محتملا أن يعرقل أي حادث دبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة الاتفاق النووي، الأمر الذي قد يؤدي إلى عودة العقوبات وإضعاف موقف المستثمرين. ومن المحتمل أيضا أن تؤدي الانتخابات المقرر أن تجري في البلدين إلى إضعاف الإرادة السياسية التي تحمي الاتفاق.
وقال ايلي جيرانماية الزميل الباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “عندما يكون لدينا (رئيس) جديد في البيت الأبيض في 2017، يوجد قلق في خلفية الأذهان عند المستثمرين: فإلى أي مدى سيرغب الرئيس الأميركي الجديد في تأمين الحفاظ على الاتفاق”؟
فقد تعهد الجمهوريان تيد كروز وماركو روبيو بإلغاء الاتفاق في حال انتخابهما. أما هيلاري كلينتون، أبرز المرشحين الديمقراطيين، فتؤيد الاتفاق، لكن من خلال منظور الهيمنة الأميركية الذي تراه طهران استفزازيا.
ويبقى كثير من العقوبات الأميركية ساريا على إيران أهمها العقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإسلامي، الذي يمثل قوة عسكرية خاصة، تملك مصالح تجارية واسعة النطاق وله خبرة واسعة في إخفاء هوية ما يمتلكه من أصول.
وقالت بارفوليسكو من كونترول ريسكس: “كما هو حال الأسواق الأخرى، التي تشملها عقوبات دولية، ولها هياكل شركات معقدة، يشترط إجراء عمليات فحص فني مطورة لمعرفة ما إذا كان الملاك الحقيقيون للنشاط خاضعين للعقوبات”.
وقد تتمثل عقبة أخرى أمام المستثمرين في إجراء أقره الكونغرس الأميركي الذي يمثل الجمهوريون فيه الأغلبية ويعارض الاتفاق النووي، وهو منع من زاروا إيران أو يحملون جنسيتين إحداهما الإيرانية من السفر إلى الولايات المتحدة دون الحصول على تأشيرة مسبقة.
ويقول منتقدو هذا الإجراء، لذي يسري أيضا على العراق وسورية والسودان، إنه سيثبط الهمم عن السفر إلى إيران بغرض إبرام أعمال ويتسبب في تعقيدات لمن يحملون جنسيتين الذين يرجح أن يكونوا من أوائل من ينجذبون لإبرام صفقات في إيران.
وقد تم منع صحافي بريطاني من أصل إيراني من السفر إلى الولايات المتحدة دون تأشيرة هذا الأسبوع بسبب هذه القيود.
ذراع القانون الطويلة
ظل اقتصاد الظل في إيران أرضا خصبة للفساد والمحسوبية، وستشعر الشركات الأجنبية بالقلق من الاتصال “بالوسطاء” المحليين الذين سيدفعون رشاوى باسمها.
وبمقتضى هذا السيناريو، يتحمل المستثمر المسؤولية بموجب تشريعات مثل القانون البريطاني لمكافحة الرشوة.
وسيظل الحظر التجاري ساريا على الشركات الأميركية ما يقيد قدرتها على دخول إيران. ولم تتأثر الشركات الأجنبية الأخرى بصفة مباشرة، لكن اتساع نفوذ النظام المالي الأميركي سيجعل هذه الشركات تتردد في الإقبال على الفرص الاستثمارية المتاحة في إيران.
وقال محامون إن البنوك ستتردد، على وجه الخصوص، خشية انتهاك العقوبات الباقية، لأنها واجهت غرامات ضخمة في الماضي. وبالمثل، قد يواجه المستثمرون في مختلف القطاعات جهودا كبيرة في الحصول على خيارات التمويل اللازمة لضمان استثمارات مهمة.
وقال نايجل كوشنر، الرئيس التنفيذي لشركة دبليو ليغال، ومدير غرفة التجارة البريطانية الإيرانية: “لا يمكن أن يحدث تحسن له مغزاه في الاستثمار في الاقتصاد الايراني إلى أن توافق بعض البنوك النشطة على تمويله”.
وأضاف: “أعتقد أنها ستفعل ذلك، لكن الأمر سيستغرق وقتا… أعتقد أن ذلك سيحدث خلال الأشهر الستة المقبلة ثم تتوالى التداعيات”.