الحشد «ينتقم» من السكان في المقدادية

الحشد «ينتقم» من السكان في المقدادية

Iraqis gather at the site where a bomb exploded at a cafe and a suicide bomber detonated an explosives-rigged vehicle a day earlier, in the Iraqi town of Muqdadiyah northeast of the capital Baghdad, on January 12, 2016.     A bomb exploded at a cafe and a suicide bomber detonated an explosives-rigged vehicle after people gathered at the scene, a police captain and an army colonel said. There was no immediate claim of responsibility for the attack, but suicide bombings are a tactic frequently used by Sunni militants in Iraq, including the Islamic State jihadist group.

 / AFP / STRINGER

عادت بلدة المقدادية في محافظة ديالى (٩٠ كيلومتراً شمال شرقي بغداد) لتكون مسرحاً متجدداً لعمليات الانتقام الطائفي، فبعد أن انفجرت ثلاث سيارات مفخخة مطلع كانون الثاني (يناير) استهدفت تجمعات شيعية، فجّر مسلّحون دور عبادة سنّية في المقدادية باستعمال قنابل حارقة، فيما قُتل العشرات.

ويصف مسؤولون محليون وضباط وصحافيون وسكان المناطق المختلطة طائفياً في المحافظة، بأنها «خطوط التماس» الجاهزة دوماً لأعمال الانتقام.

وديالى هي المحافظة العراقية الوحيدة التي تضم سكاناً من السنّة والشيعة والكرد، ولها حدود مع إيران.

وانفجرت سيارات مفخخة في بلدات أبو صيدا وبعقوبة والمقدادية، أوقعت العشرات من القتلى والجرحى، وسرعان ما هاجم مسلحون يعتقد أنهم ينتمون إلى فصائل شيعية مساجد سنّية في المقدادية وأحرقوها، فيما تفيد معلومات بأن مدنيين فيها تعرضوا للقتل.

وحتى يوم ١٧ كانون الأول، بلغت الحصيلة نتيجة أعمال العنف الدموية 169 قتيلاً وعشرات الجرحى، فضلاً عن إحراق وتفجير عشرات المنازل والمحال التجارية ودور العبادة.

ووفق معلومات «الحياة»، فإن المساجد التي تمّ تفجيرها منذ اندلاع الأزمة هي، جامع نازنده خاتون في حي العصري، وجامع المقدادية الكبير في منطقة السوق، وجامع القادسية في حي المعلمين، وجامع توفيق عجاج في الحرية، وجامع محمد رسول الله في حي الجلالي، وجامع الشهيد عبدالكريم في حي العسكري، وجامع المثنى بن حارثة في حي فلسطين، وجامع البشير في قرية الأحمر، وجامع البخاري في دور الصفر.

وقال سكان محليون أن الجوامع التسعة فُجرت باستعمال قنابل وألغام، في حين قال ضابط في الشرطة في تصريح إلى «الحياة»، أن الجوامع تعرضت للحرق. وأكد أحد المدنيين، تحدثت معه «الحياة»، أن «مسلحين يستقلون عجلات جابوا شوارع المقدادية، يدعون السكان عبر مكبرات الصوت إلى مغادرة البلدة». وقال مزارع من البلدة (٥٥ عاماً)، أنه شاهد مسلحين يتجمعون حول جامع المقدادية الكبير وهم يقتحمونه قبل أن يقفوا بعيداً لتفجيره.

لكن شهادات أخرى، أكدت أن جماعات مسلحة كانت تخير السكان بين «القتل أو الرحيل»، في حين أشارت إلى اقتحام منازل وقتل سكانها.

وأفادت مصادر مختلفة بأن أحد قادة الجماعات المسلحة يقوم بتصفية السكان السنّة على الطريق الرابط بين المقدادية وبعقوبة، لكن مسؤولين في الطب العدلي نفوا وصول جثث ضحايا من حوادث خارج المقدادية، خلال كانون الأول.

ووجهت اتهامات لقوات الحشد الشعبي بارتكاب أعمال عنف انتقامية ضد السنّة في بلدة المقدادية، لكن هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، قال أنه «يدين بشدة التعرض للمساجد في ديالى»، محذراً من «الانجرار وراء مخططات أعداء العراق».

وتزعم تقارير متضاربة أن فصائل شيعية تحاصر البلدة منذ أيام، لكن العميد الركن جاسم السعدي، قائد شرطة ديالى، قال أن «إشاعات كثيرة أُطلقت في شأن المقدادية، وأن طابوراً خامساً يحاول إنعاش الاقتتال الطائفي».

وفي بيان صحافي اطلعت عليه «الحياة»، أكد قائد الشرطة «إصدار توجيهات صارمة باعتقال كل من يروج للإشاعات التي تهدد السلم الأهلي، فيما أكد أن ٨٠ في المئة من الأخبار التي روج لها غير صحيحة». وتعد ديالى معقلاً رئيساً لمنظمة بدر التي يتزعمها العامري، وهو رئيس هيئة الحشد الشعبي.

وينفي قادة في الحشد الشعبي تورط فصائله في أعمال انتقامية ضد السنّة في ديالى، لكنهم أشاروا إلى «وجود خارجين على القانون يستغلون عنوان الحشد».

ويقول محمد العكيلي، العضو في ائتلاف «دولة القانون»، أنه لا يوجد دليل على أن المقدادية محاصرة من جانب ميليشيات شيعية، كما أنه لا توجد إثباتات على أن الحشد الشعبي يرتكب ما يحدث في ديالى.

وشهدت المحافظة موجة تهجير قسري بين عامي 2006 و2007 عقب تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في شباط (فبراير) 2006.

وفي صيف عام 2013، قالت رئيسة لجنة المهجّرين والمرحّلين في البرلمان العراقي لقاء وردي أن ميليشيات تقوم بعمليات تهجير منظمة وممنهجة في بعض مناطق ديالى، وذكرت تقارير صحافية حينذاك أن عدد العائلات التي طاولها التهجير القسري في المقدادية وبعض القرى التابعة لها ناهز 235 عائلة.

وعلى رغم توقف أعمال العنف نسبياً، إلا أن التوتر لا يزال يخيم على الوضع في المدينة، فيما يتخوف السكان من استهدافهم. وتفاقمت الأزمة بعد مقتل اثنين من مراسلي قناة «الشرقية». وقالت مصادر أمنية أن قوات الجيش هي التي دخلت المقدادية، في حين اصطحبت قوات الحشد مجموعة أخرى من المراسلين تمّ منعهم من التصوير، لكن مراسلَي «الشرقية» وفي طريق عودتهما من البلدة قتلا على يد مجهولين.

وحمّل مرصد الحريات الصحافية قيادة عمليات ديالى المسؤولية الكاملة عن مقتل مراسل القناة ومصورها في ديالى، وعد مقتلهما مؤشراً خطيراً إلى عودة التصفيات المنظمة ضد الصحافيين.

وحاول حيدر العبادي، رئيس الحكومة العراقية، تخفيف التوتر حين زار بلدة المقدادية في ١٩ كانون الثاني، وتجول قرب الجوامع المستهدفة، وصرّح بأن «الحكومة حريصة على حفظ الأمن والنظام».

وأصدر العبادي في وقت سابق، توجيهات باعتقال المعتدين على المساجد والأموال العامة في ديالى وتقديمهم للعدالة. ومع ذلك، خرج سليم الجبوري، رئيس البرلمان، وهو سنّي يتحدّر من ديالى، مطالباً العبادي «بإثبات أن حكومته قامت بالفعل بمحاسبة مرتكبي أعمال العنف».

وليس من الواضح أن الإجراءات التي تقوم بها الحكومة، وخطاب التهدئة الذي تتصدى له قوى شيعية وسنّية، من شأنها تبديد المخاوف في المدينة بسبب الصراع القديم بين الجماعات الطائفية للسيطرة على المحافظة.

وتؤكد فصائل شيعية أن البلدات السنّية في محافظة ديالى تضم خلايا نائمة تابعة لتنظيم «داعش»، ويقول قيادي في الحشد الشعبي أن خسارة التنظيم محافظة الأنبار بعد تحريرها، دفعه إلى فتح جبهة جديدة في مناطق ديالى.

وقال ضابط كبير في الجيش: «بالفعل، هناك معلومات استخبارية تفيد بعودة نشاط تنظيم داعش في ديالى بعد عمليات الرمادي». لكن أحزاباً وناشطين سنّة قالوا أن أعمال الانتقام التي تستهدف المدنيين من شأنها مفاقمة شعور العرب السنّة بأنهم مهددون.

وقال الناطق السابق باسم الخارجية الأميركية بي.جي. كراولي أن شعور مواطني المحافظات السنّية في العراق بأن الحكومة المركزية لا تحميهم، أمر يستفيد منه تنظيم «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى.

في المقابل، فإن مصاعب جدية تواجه عودة النازحين السنّة إلى ديالى، حالت دون دخول العشرات من العائلات، وقد اتخذ مثنى التميمي، محافظ ديالى المنتمي إلى منظمة بدر، إجراءات أمنية صارمة أثناء إعادة النازحين إلى المقدادية لم تسمح لبعض العائلات بالعودة. أزمة الاندلاع المتكرر لأعمال العنف في ديالى تعكس جانبين من الصراع، ففي الأول يحاول تنظيم «داعش» العودة إلى ديالى بعد خسارة الرمادي، وفي الثاني يصر الحشد الشعبي على البقاء متحكماً بزمام الأمن في ديالى، حتى مع منافسة القوات النظامية، لأنه تعرض لـ «الإبعاد» في مجمل عمليات التحرير الرئيسة في الأنبار.

وفي هذا السياق، نشأت صراعات ثانوية داخل القوى الشيعية في ديالى بسبب مطامح لتصدر المشهد في المحافظة. ويقول مصدر أمني موثوق أنه بعد أحداث المقدادية، بدأت أعمال تصفية بين القوى المؤلفة الحشدَ الشعبي. ففي ليلة ١٨ كانون الثاني، قتل ثلاثة من القيادات الوسطية في الحشد الشعبي في بلدة «خان بني سعد»، وتشير المعلومات إلى أنه تمّت تصفيتهم من جانب فصائل أخرى بالحشد. ووفق المصدر، فإن القتلى الثلاثة هم من «منظمة بدر» التي تحاول السيطرة على المحافظة في شكل كامل.

علي السراي

صحيفة الحياة اللندنية