استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير السعودي لدى بغداد ثامر السبهان لإبلاغه “احتجاجها الرسمي” بخصوص تصريحاته الإعلامية التي انتقد فيها مليشيا الحشد الشعبي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد جمال إن ، وخروجا عن لياقات التمثيل الدبلوماسي على حد تعبيره. وأضاف المتحدث أن مليشيا الحشد “تقاتل الإرهاب وتدافع عن سيادة البلد وتعمل تحت مظلة الدولة وبقيادة القائد العام للقوات المسلحة وتمتلك تمثيلا برلمانيا يجعلها جزءا من النظام السياسي” حسب قوله. جاء هذا الاستدعاء على خلفية تساءل السفير السعودي ثامر السبهان في برنامج “حوار خاص” بث على قناة السومرية يوم أمس السبت، عن سبب رفض السُنة والكرد دخول الحشد الشعبي إلى مناطقهم. وأضاف السفير السعودي في لقاء أن سبب ذلك هو عدم قبول هذه الأطراف من جانب المجتمع.
وقد اثارت تصريحات المسؤولة للسفير استياء القوى السياسية الشيعية في العراق فقد طالبت النائبة عن ائتلاف دولة القانون عواطف نعمة الحكومة ووزارة الخارجية بطرد السفير السعودي من العراق بسبب تدخله السافر في الشأن العراقي وإساءته الى الحشد الشعبي ومحاولته إثارة الفتنة بين مكونات الشعب العراقي ، مبينة أنه في حال بقائه سيلاقي ما لا يُحمد عقباه. وأضافت :” إن هذا السفير تعمد الإساءة الى الحشد الشعبي الذي ضحى بدمائه لتحرير مدن العراق من قبضة إرهابيي داعش، وهو على دراية بأن الحشد الشعبي هيئة رسمية تابعة للمؤسسة العسكرية العراقية، وبناءً على ذلك فإن تصريحاته هذه تعد إساءة الى الدولة العراقية ، وكان الأجدر به أن يحترم سيادة البلد الذي سمح له بالتواجد على أرضه كسفير وأن لايلعب بالنار”.
ومن جانبه أدان رئيس كتلة الدعوة النيابية خلف عبد الصمد، تصريحات السفير السعودي في العراق تجاه مليشيات الحشد الشعبي، مطالباً وزارة الخارجية العراقية بالتدخل الفوري وحفظ كرامة الدولة العراقية وطرد السفير السعودي من العراق. واعتبر النائب عن ائتلاف دولة القانون كامل الزيدي، تصريحات السفير السعودي ثامر السبهان تدخل سافر بالشأن الداخلي العراقي، داعيا وزارة الخارجية لأن تكون بمستوى التحدي الذي تتعرض له البلاد. وقال الزيدي “على السفير السعودي ان يعرف حدود عمله”، مؤكدًا أن “الحشد الشعبي ركن أساس في حماية العراق عندما تعرض لهجوم الدواعش ومن يدعمهم”.
أما المتحدث باسم “الحشد الشعبي” احمد الاسدي فقد صرّح بالآتي: “ما تكلم عنه السفير السعودي تجاوز فيه كل الحدود واللياقات الدبلوماسية. هذا تجاوز على الحشد والحكومة والغالبية السكانية والسياسية”، في اشارة الى الشيعة العراقيين. وطالب “الحكومة العراقية ووزارة الخارجية بطرد هذا السفير ومعاقبته على تصريحاته الوقحة وتحريضه المباشر على الفتنة بين مكونات الشعب العراقي”.
وطالبت حركة الجهاد والبناء، هيئة الحشد الشعبي بإقامة دعوى قضائية في المحاكم العراقية والدولية ضد السفير السعودي في العراق ثامر السبهان بتهمة الإساءة والتشهير. وقالت حركة الجهاد في بيان صحفي أن: “تصريحات السبهان المسيئة بحق ابناء الشعب العراقي والحشد الشعبي تأتي تأجيجاً للشحن الطائفي والتفرقة بين ابناء الشعب العراقي الواحد”.
يأتي عرض هذه التصريحات العدوانية لبعض القوى السياسية العراقية الشيعية والتي تتجاوز الأعراف الدبلوماسية ليس لمجرد عرضها وإنما القصد منها تبيان الحالة السيئة التي وصل إليها العراق مع تلك القوى. لتؤكد أن العراق مع هذه التصريحات تستوطن فيه اللادولة. فلا يخفى على أحد بأن عودة البعثة الدبلوماسية السعودية مجددًاً إلى بغداد بعد فترة انقطاع دامت أكثر من خمسة وعشرون عاما على خلفية إحتلال العراق للكويت في الثاني من آب/أغسطس عام 1990م، لم يكن موضع ترحيب من قبل القوى السياسية الشيعية المتحالفة مع النظام الايراني، فهي لا تحبذ وتقاوم أيضًا أي حضور عربي مؤثر وفاعل يؤثر بشكل سلبي على النفوذ الإيراني في المشهد العراقي برمته، لاسيما إذا كان هذا الحضور من قبل دولة ذات وزن في بيئتها العربية والإسلامية والإقليمية والدولية كالمملكة العربية السعودية، لذلك وجدت في التصريحات الموزونة والتي صدرت عن السفير السعودي خاصة فيما يتعلق بمسألة الحشد الشعبي ومن المسؤول عن توفير الحماية للازمة لأهالي محافظة الديالى، فرصة مواتية للإساءة إلى المملكة العربية السعودية والتشكيك بدورها الإيجابي في العراق، لإبعادها عنه خدمة للنظام الإيراني.
يأتي رصد هذه التصريحات لنقف أمام حقيقة واحدة بأن القوى السياسية الشيعية تتعامل مع مسألة السيادة العراقية وفق مبدأ إزدواجية المعايير. إذ تستحضر هذه السيادة والدفاع عنها بشكل مستميت في وجه الدول العربية، ويستدعى سفرائها من اجل الحفاظ على السيادة كاستدعاء السفير السعودي، ويغيب الحديث تماما عنها في وجه ممارسات النظام الإيراني في العراق، ألم يسمعوا هؤلاء بأن صحراء العراق في النجف وكربلاء تحولت كل منهما إلى معسكرات تدريب للمليشيات الشيعية الخليجية واليمنية واللبنانية، ليكونوا أدوات تخريبية في مجتمعاتهم؟!،ألم يقرئوا أو يسمعوا ما صرح به مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات علي يونسي بأن إيران إمبراطورية وعاصمتها بغداد وأن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا علينا أن نقاتل معا أو نتحد؟!. وألم يسمعوا أو يشاهدوا أيضًا سفير النوايا الحسنة في العراق قاسم سليماني، وهو يتجول في محافظات العراق،أم أن هذه الأفعال والأقوال لا تعد مساسا بالسيادة العراقية أم أن خصائص السيادة من قوى سياسية في بلد ما تختلف عن الأخرى؟!
نؤسس لنقول ومن خلال مشاهدة وحدة الدراسات العربية في مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية الحوار الذي أجرته قناة السومرية مع السفير السعودي ثامر السبهان بأن السفير لم يفتئت أو ينتقص من السيادة العراقية بل العكس من ذلك تماما كان حريص في استخدام مفرداته لأنه يدرك طبيعة عمله كدبلوماسي يمثل دولته مسؤول عن تصريحاته، أما فيما يتعلق في الأسئلة التي طرحها السفير السعودي في أثناء الحوار عن الحشد الشعبي ومحافظة ديالى وما جرى بها من قتل على أساس طائفي، فهي بطبيعة الحال أسئلة وردت -وترد- في ذهن كل المتابعين للشأن العراقي.
ومن وجهة النظر الموضوعية من قبل الباحثون والمتابعون للوضع في العراق يدركون بأن مهام السفير السعودي فيه منذ قدومه إلى العراق في هذا الشهر الحالي، لن تكون مهام سهلة وإنما غاية في الصعوبة خاصة في بلد منقسم على نفسه طائفيًا، حيث تسعى قوى السياسية العراقية المتحالفة مع النظام الإيراني بجعلة محمية إيرانية، وإبعاده ما استطاعو إليه سبيلا عن عمقه العربي.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية