وافقت إدارة الرئيس باراك أوباما على إطلاق سراح سبعة إيرانيين من سجون الولايات المتحدة وأعلنت الكف عن محاولة إلقاء القبض على 14 آخرين بعد أن قامت إيران بدورها بإطلاق سراح أربعة سجناء أميركيين. من بين الأشخاص الذين كفت أميركا عن ملاحقتهم شخصان موضوعان على القائمة السوداء نظرا لعلاقتهما بأعمال إرهابية في الشرق الأوسط، وتحديدا دعم ميليشيات حزب الله وميليشيات موالية لها في سوريا ودول عربية أخرى.
فقد سبق وأن وضعت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على حامد اربنجد المدير العام للشركة الإيرانية “ماهان” للطيران نظرا لدوره في استخدام أسطول طائرات شركته في أعمال تخرق العقوبات الأميركية. حيث قامت هذه الطائرات لسنوات بنقل المقاتلين والسلاح والذخيرة إلى القوات الموالية للنظام السوري وإلى ميليشيات حزب الله (المصنف أميركيا كمنظمة إرهابية) وكذلك نقل قيادات وعناصر من الحرس الثوري من طهران إلى دمشق ومناطق أخرى في الشرق الأوسط.
ووفقا لبيانات الخزانة الأميركية، فإن حامد اربنجد لديه علاقات عمل وثيقة مع قيادات الحرس الثوري الإيراني وبالتالي هو من أشرف بشكل مباشر على نقل شحنات عسكرية غير قانونية إلى الشرق الأوسط.
وأعلنت وكالات الأنباء الإيرانية الحكومية “فارس” أن حامد اربنجد هو ضمن قائمة الـ14 شخصا الذين كانت عليهم مذكرة ملاحقة في الإنتربول من أجل إلقاء القبض عليهم وتسليمهم إلى السلطات الأميركية، أما الآن وبعد صفقة مبادلة السجناء فقد أسقطت مذكرة الملاحقة. لم تسلط إدارة البيت الأبيض الضوء بشكل موسع على تفاصيل صفقة تبادل السجناء وخصوصا تراجعها عن ملاحقة 14 شخصية إيرانية كانت تتهم أغلبيتها باضطلاعها بأعمال إرهابية أو ذات صلة بذلك.
ويرى الكثير من المحللين الغربيين أن صفقة السجناء الإيرانيين فيها مؤشرات على تراجع الإدارة الأميركية عن اهتمامها بضبط نفوذ الحرس الثوري في إيران سواء كان نفوذا سياسيا أو عسكريا أو حتى اقتصاديا. فوزارة الخزانة الأميركية عبرت في تصريحات سابقة لها في الإعلام الأميركي سنة 2011 عن أن شركة الطيران الإيرانية دليل على تسلل الحرس الثوري، وعلى نطاق واسع، إلى القطاع التجاري الإيراني لتسهيل انتقال الأعمال الإرهابية الخارجية، بل وتمويلها أيضا من موارد هذه الشركة.
وبالعودة إلى بيانات الخزانة في عام 2010، يمكن معرفة مدى متابعة السلطات الأميركية لتفاصيل الشركات الإيرانية وخصوصا شركة “ماهان” للطيران، ووضع شخصية أخرى من إدارة شركة ماهان في القائمة السوداء الأميركية هي غولامريزا محمودي بتهمة عمله اللصيق مع حامد اربنجد وتسهيلهما للرحلات العسكرية بإشراف الحرس الثوري. كما أن محمودي لعب دورا أساسيا في تحديث أسطول شركة ماهان مخالفا العقوبات الأميركية المفروضة عليها، حيث خرق هذه العقوبات بشرائه طائرات جديدة وقطع غيار.بينما الآن وبعد رفع العقوبات، تمكنت الشركة الإيرانية من شراء 9 طائرات مستخدمة من طراز آيرباص وذلك بفضل الاتفاق الدولي مع إيران.
يرى خبراء أميركيون مختصون في شؤون الإرهاب، أن رفع هذه العقوبات وبالتالي قدرة شركة الطيران ماهان على التوسع والتحرك بحرية أكبر من طهران إلى دمشق وبيروت وبغداد يعني دعم ميليشيات موالية للحرس الثوري في منطقة الشرق الأوسط على غرار حزب الله اللبناني، المنظمة الإرهابية وفق تصنيف واشنطن نفسها، وبعض ميليشيات الحشد الشعبي في العراق وكذلك توسع الوجود العسكري الإيراني والميليشيات المرتبطة بها في سوريا.
ويرى ايمانويل اوتولينجي أحد الخبراء في منظمة الدفاع عن الديمقراطيات الأميركية أن الشخصيات القيادية التي رفعت عنها مذكرة الملاحقة يمكنها الآن التنقل في كل أنحاء العالم (باستثناء أميركا) والقيام بأعمالها بحرية على عكس الوضع عندما كانت المذكرة قائمة، حيث ساهمت المذكرة عندها في عرقلة أعمال الشركة أكثر مما فعلت العقوبات الأميركية بحد ذاتها.
ويضيف اوتولينجي “إعطاؤهم حرية التنقل يعني بكلام آخر أنه لا عواقب ولا مسؤولية عليهم في ارتكابهم جرائم سابقة في الشرق الأوسط” وربما المقبلة.
إن خطورة رفع مذكرة الملاحقة عن 14 شخصية إيرانية مسؤولة عن زعزعة استقرار المنطقة لا يمكن الاستهانة بها، حتى الإدارة الأميركية تعلم ذلك ولكنها تشعر بالحرج للإفصاح عن ذلك، فالرئيس الأميركي تحدث بعد عملية تبادل السجناء وسلط الضوء على 7 سجناء إيرانيين تم إطلاق سراحهم دون الحديث عن 14 شخصية إيرانية كانت مطلوبة للسلطات، وتجنب الحديث عن أعمال شركة ماهان للطيران التي وصفت سابقا بالأعمال الإرهابية حسب السلطات الأميركية. لم يتعرض أوباما لهذه النقاط رغم إشارته إلى أعمال إيران التخريبية، قال “لا نزال ثابتين في موقفنا ضد سلوكات إيران التي تزعزع استقرار المنطقة، وتهديدها لأمن شركائنا الخليجيين ودعمها للحرب بالنيابة في سوريا واليمن”.
وحاولت إدارة أوباما أن تبرر اتفاقها النووي مع إيران وإتمام صفقة تبادل السجناء بأنهما مقدمة للتحسين من سلوكيات إيران الخارجية بما فيها الإقليمية، ولكن الكونغرس وسياسيين أميركيين يرون أن الجهود لوقف أعمال العنف التي يقودها الحرس الثوري أصبحت ضعيفة بعد الاتفاق النووي.
ويقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية الأميركية ايد رويس “إن هذه الصفقة المعيبة تقوي الأجهزة العسكرية والأمنية التي تقود إيران فقط لا غير، وإن هذه الأجهزة في وضع قوي أكثر من أي وقت سابق، نحتاج سياسة خارجية صلبة في مواجهة إيران وليس إلى التراجع كما يحدث الآن”.
وقال جيب بوش المرشح الجمهوري الرئاسي المحتمل في ولاية نيو هامبشير “أفرج عنهم (السجناء الأميركيون) مقابل أشخاص خرقوا العقوبات على إيران، إيرانيين كانوا في السجن هنا بتهمة خرق العقوبات، في كل مرة نبدي ضعفا تنتصر إيران”.
ورغم أن الرئيس باراك أوباما فرض عقوبات جديدة، بعد ساعات من تبادل الإفراج عن السجناء، على 11 شركة وفردا يقومون بتوريد معدات لنظام الصواريخ الباليستية الإيراني، إلا أن هذه العقوبات شكلية ولا قيمة لها لاسيما أنها تستهدف مجرد موظفين أو شركات ثانوية كي لا يزعج هذا التحرك الأميركي المسؤولين الإيرانيين بأنه عودة إلى التشدد ضدها، لذلك فهذا الأمر عبارة عن فرض عقوبات لا جدوى منها من قبل أميركا ولا أثر لها على إيران.
فقد قال جمال عبدي مدير السياسة في المجلس الوطني الإيراني الأميركي “لا أرى هذه العقوبات باعتبارها تمثل أي نوع من تغيير قواعد اللعبة، إنها تشمل جهات صغيرة وعلى مستوى منخفض”.
ومن طرفه، أكد وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان أنه لن يكون للعقوبات الأميركية “أي تأثير على تطوير برنامجنا الباليستي”.
وقال عبدي: إن توقيت العقوبات الجديدة يشير إلى أن واشنطن تنوي تقليل الأضرار السياسية على الجانب الإيراني لأنها تعمدت استهداف شخصيات إيرانية لا وزن لها.
حتى أن وقت فرض هذه العقوبات تأخر لتصادف تجربة إيران في إطلاق صواريخ باليستية مع المفاوضات على تبادل السجناء.
وأكد مسؤول أميركي أن إدارة أوباما امتنعت عن اتخاذ أي إجراء حيال هذا الموضوع لمدة أسبوعين خلال المفاوضات الحساسة التي انتهت بالإفراج عن خمسة أميركيين بموجب اتفاقية لتبادل السجناء. فقد كان من المقرر إعلان هذه العقوبات في 30 ديسمبر في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري يقود المفاوضات التي أفضت إلى الإفراج عن الأميركيين.
وقالت مصادر في الكونغرس إن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حذر آنذاك من أن مضي واشنطن قدما في فرض العقوبات سيعرض اتفاق تبادل السجناء إلى الفشل. وأضافت المصادر أن مسؤولي إدارة أوباما قرروا، على إثر ذلك، تأخير إعلان العقوبات إلى ما بعد إتمام الصفقة.
بالتأكيد الولايات المتحدة الأميركية استفادت من صفقة تبادل السجناء، فقد أطلقت مواطنيها السجناء لدى إيران، ومن ناحية أخرى أطلقت يد إيران لتعبث بأمن واستقرار الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة بمباركة غير معلنة من إدارة البيت الأبيض.
غسان إبراهيم
صحيفة العرب اللندنية