سبق أن كتبتُ هنا في «الاتحاد» عن خسارة إيران لمعركة العقول والقلوب. وكان ذلك بعدما قطع اليمن علاقته معها بسبب التدخل الإيراني السافر في شؤونه ودعم الحوثيين. وكذلك بعد أن طردت البحرين القائم بالأعمال الإيراني واستدعت سفيرها من طهران رداً على تدخل إيران السافر في شؤون البحرين، وتدريب وتسليح خلايا بحرينية إرهابية قامت بعمليات إرهابية نجم عنها، حسب الشكوى التي قدمها وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة للأمين العام للأمم المتحدة، مقتل 16 من رجال الأمن البحرينيين وجرح 3000 شخص.
وقد طالبتُ بدعم عربي وإسلامي للموقف الخليجي في حربنا الباردة مع إيران، لتشعر بالعزلة والحصار. ولأن الخلاف ليس سعودياً أو خليجياً بل هو عربي وإسلامي.. وهذا ما نشهده اليوم باصطفاف خليجي وعربي وإسلامي بعد التصعيد الإيراني والتدخل السافر في الشؤون الخليجية والعربية الذي زاد وتعمق وتمدد منذ الاتفاق النووي في الصيف الماضي.
واليوم بعد رفع العقوبات عن إيران في الأسبوع الماضي، وتعويم وإعادة تأهيل طهران، عليها ألا تفهم ذلك على أنه يعني إعطاءها ضوءاً أخضر للاستمرار في نهج وأسلوب التحدي والمواجهة، والتدخل أكثر في الشؤون الخليجية والعربية. وهذا ما عبر عنه بوضوح وزير الخارجية الإماراتي سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أثناء ترؤسه للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، وهو اجتماع انعقد بطلب من السعودية للتنديد بالاعتداءات الإيرانية على البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، محذراً من التدخل السافر في الشؤون العربية، كما طالب الدول العربية باتخاذ موقف من ذلك. وعبّر أيضاً وزير الخارجية السعودي عن قلقه من استخدام المليارات، التي ستتدفق على إيران بعد رفع العقوبات، لتمويل مشروعها الإقليمي ودعم أذرعها في المنطقة.
ومنذ أكتوبر الماضي زادت إيران من توغلها وتدخلها في الشؤون العربية، واكتشفت وأدينت خلايا إرهابية، في الكويت والبحرين. واحتجت إيران على تطبيق أحكام القصاص بحق نمر النمر وسمحت للحرس الثوري والباسيج باقتحام وحرق مقرات البعثة الدبلوماسية السعودية، ما دفع الرياض لاتخاذ إجراءات سريعة صدمت طهران كقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والملاحية. وردت إيران بالمزيد من التصعيد والانتقادات والحملة الإعلامية بما في ذلك مقال تحريضي وعدائي لوزير الخارجية جواد ظريف في «نيويورك تايمز» ضد السعودية. ومنعت طهران الإيرانيين من أداء العمرة. وقد وقفت مع السعودية معظم الدول العربية، وعلى رأسها الدول الخليجية، في الرد على اعتداءات إيران بقطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفراء الإيرانيين، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي واستدعاء سفرائها أو استدعاء السفراء الإيرانيين وتقديم احتجاجات رسمية.
ورد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في «نيويورك تايمز» بمقال «هل يمكن لإيران أن تتغير؟»، وكان رداً موفقاً ومقنعاً وقد وضع النقاط على الحروف وعرّى الكثير من اتهامات وتحريض ظريف. وأكد أن «السعودية لن تسمح بأن تزعزع إيران أمننا وأمن حلفائنا». وهذا تحذير واضح لإيران، لا يحتمل التأويل. كما ذكّر الوزير الجبير بسجل إيران الحافل بالإرهاب، وأن «السعودية ليست الدولة التي تتعرض للعقوبات الدولية لدعم الإرهاب. وليست الدولة التي يندرج مسؤولوها ضمن قوائم الإرهاب، بل إيران». وكان سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة قد غرّد «بعد قراءة مقال وزير خارجية إيران في صحيفة نيويورك تايمز، اعتقدت أن الكاتب وزير خارجية دولة اسكندنافية».
كما نجحت السعودية في تكوين جبهة قوية منددة ورافضة لتصرفات إيران من اعتداء وتدخل في الشؤون العربية، فطلبت عقد اجتماعات استثنائية لمجلس وزراء دول مجلس التعاون الخليجي ووزراء الخارجية العرب ووزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي. وصدرت بيانات قوية ومنددة باعتداء إيران على السفارة السعودية في طهران والقنصلية العامة في مشهد.
وكان استطلاع رأي لمركز «بيو» الأميركي، عن النظرة العالمية لإيران، قد أجري في 41 دولة وبمشاركة 45435 شخصاً وجرى في الفترة من 25 مارس إلى 27 مايو 2015، وجاءت النتيجة أن النظرة لإيران سلبية على المستوى الدولي، حيث عبرت أغلبية المشاركين في استطلاع «بيو» عن نظرة سلبية تجاه إيران في 31 من 41 دولة شملها الاستطلاع. وقد سادت النظرة السلبية تجاه إيران في معظم الدول العربية والإسلامية في استطلاع «بيو».
ومنذ استطلاع الرأي ذلك، وبعد تدهور علاقات إيران مع جوارها الخليجي والعربي والإسلامي، والاصطفاف الواسع الذي يحاصرها، زادت عزلة طهران والنظرة السلبية إليها إقليمياً. وللتأكد من ذلك، أجريتُ استطلاع رأي في حسابي في «تويتر» في 4 يناير 2016، بعد طرد سفراء إيران وقطع العلاقات وتخفيض التمثيل الدبلوماسي معها، واستقطب الاستطلاع 3055 مشاركاً من دول مجلس التعاون ودول عربية من الخليج إلى المحيط، وقد صوت 94% مؤيدين لتلك الخطوة، مقابل 5 معارضين، مما يؤكد زيادة حالة النبذ والرفض لسياسات إيران، وتآكل رصيدها بالكامل في عقول وقلوب العرب الذين خدع بعضهم لسنوات بقيادتها المزعومة لمحور المقاومة والممانعة! حيث تبين لهم بعد أن سقطت الأقنعة أن شعارات «الموت لأميركا» و«تحرير القدس» لم تكن سوى شعارات جوفاء في النهاية!
عبدالله خليفة الشايجي
صحيفة الاتحاد