تمسكت المعارضة السورية، أمس الأربعاء، لليوم الثاني على التوالي، بسياستها الحذرة في التعاطي مع محادثات جنيف السورية، المقرر أن تبدأ غداً الجمعة، بعدما بقي موقفها النهائي حول قرار المشاركة في انطلاق المحادثات المتوقع أن تطول لأشهر معلقاً بانتظار تقديم الأمم المتحدة رداً مكتوباً على الإيضاحات التي كانت طلبتها الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة.
وكانت الهيئة العليا للتفاوض، قد نقلت منذ أول من أمس الثلاثاء، الكرة إلى ملعب الأمم المتحدة عقب طلبها مجموعة من الإيضاحات قبل اتخاذها القرار النهائي بشأن الدعوة الموجهة إليها للتفاوض مع النظام في جنيف، لكنها كانت حريصة في الوقت نفسه على عدم منح روسيا وإيران أي فرصة لمحاولة استغلال المواقف الصادرة عنها من قبلهما، فيما كانت موسكو أمس تؤدي دور المتحدث باسم النظام السوري عبر تأكيد نائب وزير الخارجية الروسي، جينادي جاتيلوف، أن وزير خارجية النظام وليد المعلم سيقود وفد الحكومة في جنيف، بعدما فشلت في محاولتها خرق وفد المعارضة التفاوضي بأسماء سورية تُعتبر “روسيّة الهوى”.
وطوال ساعات يوم أمس، اتسمت بيانات المعارضة بالحذر تارة والمواقف الصلبة تارة أخرى. ضمن هذا السياق، أكد المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، أن المعارضة “غير معنية بالمساومات الدولية على حساب قضيتنا”، مضيفاً “نعمل على التخفيف من معاناة الشعب السوري ولن نتنازل لإرضاء أحد”. كما أصدر حجاب بياناً مساء أمس، بعد تأخر وصول رد الأمم المتحدة، أوضح فيه أن “الهيئة قد أرسلت خطاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تؤكد فيه استعدادها للتجاوب مع الدعوة الموجهة إليها وتطلب منه في الوقت نفسه حثّ المجتمع الدولي على الوفاء بالتزاماته تجاه الشعب السوري”. كما أفاد حجاب أن الهيئة قد أرسلت خطاباً آخر إلى المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي ميستورا تطلب منه بعض التوضيحات، في ظل استكمال الإجراءات التي يتم تحضيرها في الأروقة الدولية على عجل ودون مراعاة لبعض الترتيبات المهمة التي لا يمكن إغفالها، وخاصة فيما يتعلق بدور الأمم المتحدة في تنفيذ المادتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن 2254، والتي تنص على رفع الحصار عن المناطق والمدن والبلدات المحاصرة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، وإطلاق سراح المعتقلين وسجناء الرأي والسجناء وفقاً للقوانين الاستثنائية أو غير المنسجمة مع مبادئ احترام حقوق الإنسان، ولا سيما النساء والأطفال، ووقف أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية والاستخدام العشوائي للأسلحة بما في ذلك القصف المدفعي والقصف الجوي.
وبينما أشار إلى أن الوقت لم يفت بعد لتدارك الوضع حتى ولو كان ذلك في اللحظات الأخيرة، اعتبر حجاب أنه يتعين على المجتمع الدولي أن يكون واضحاً حاسماً في هذه المسألة وإلا فإنه لا يمكن عقد مفاوضات جادة. وفي تأكيد على عدم رغبة المعارضة بعرقلة المحادثات، قال حجاب إن “الهيئة ضد وضع أية شروط مسبقة لتنفيذ القرارات الدولية”، موضحاً أن العائق الحقيقي الذي يحول دون تنفيذ هذه القرارات هو من يضع شروطاً مسبقة لتنفيذها، ويصر على ربط رفع معاناة الشعب السوري بتحقيق تقدم في المسار السياسي خلال العملية التفاوضية، ولا شك في أن مقايضة المواقف السياسية بمعاناة الشعوب هي سلوكيات لا إنسانية ولا يسوغ للمجتمع الدولي أن يقبل بها تحت أي ظرف”.
وفي موازاة هذه البيانات التوضيحية من قبل المعارضة، كانت الأخيرة تدرس الخيارات التي من الممكن أن تلجأ إليها، بما يتيح لها مواجهة الضغوط الدولية غير المسبوقة من جهة وضغوط معارضي النظام في الداخل الذين يتبنون خيار عدم الذهاب إلى جنيف في ظل الشروط المجحفة من جهة ثانية. وفي السياق، كشفت مصادر في المعارضة السورية لـ “العربي الجديد” من داخل اجتماع الرياض، أنه في حال عدم رد الأمم المتحدة على استفسارات وتساؤلات حجاب وتطبيق إجراءات بناء الثقة، فإن المعارضة قد تتوجّه بـ”وفد تقني” إلى محادثات جنيف، وخصوصاً أن مدة المفاوضات متوقع أن تطول لأشهر.
وبحسب المصادر نفسها فإن “مهمة الوفد التقني الصغير ستكون متابعة الأمور مبدئياً في مدينة جنيف السويسرية”، كون ما يجري الآن مباحثات وليس مفاوضات، إلى حين إجابة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على الاستفسارات والتساؤلات التي أرسلها حجاب يوم الثلاثاء، وتطبيق إجراءات بناء الثقة التي طالبت بها المعارضة وخصوصاً البندين 12، و13، من القرار الدولي 2254”.
وحول موعد المفاوضات غداً، يقول عضو الائتلاف السوري المعارض، سمير نشار، إن “التواريخ ليست مقدسة، ويمكن تأجيل المفاوضات لحين إيضاح الصورة، ونحن بانتظار رد من بان كي مون ودي مستورا على الرسائل التي تم إرسالها”.
وفي ما يتعلق بالتأخير الذي قد تتسبّب به المعارضة في الذهاب إلى المفاوضات، يؤكد نشار في تصريحات لـ “العربي الجديد” أن “إجراءات بناء الثقة لا تتطلب وقتاً، ويمكن تنفيذ وقف القصف ورفع الحصار فوراً”.
في غضون ذلك، تواصل روسيا مساعيها لتفخيخ المحادثات. وبعد إحباط محاولاتها إدخال أسماء اقترحتها صمن قائمة الوفد السوري المعارض، تعمد إلى وجود الشخصيات القريبة منها على مقربة من جنيف، وتحديداً في مدينة لوزان بصفة استشارية، ريثما تنضج محادثات جنيف. وأبرز هذه الشخصيات الرئيسُ المشترك لمجلس سورية الديمقراطية هيثم مناع، رئيس “الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير” قدري جميل ورئيسة حركة “المجتمع التعددي” رندا قسيس.
وكان مناع، قد أعلن أمس الأربعاء، أنه “لن يشارك في محادثات السلام المقررة في جنيف إذا لم يتلق أيضاً الزعيمان الكرديان صالح مسلم وإلهام أحمد دعوة للحضور”، فيما أكد مسلم لوكالة “رويترز” أنه لم تتم دعوته لمحادثات جنيف.
وفي السياق، أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، أمس الأربعاء، أن المبعوث الأممي، أبلغه أنه لن يوجه الدعوة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري لحضور محادثات السلام في جنيف وبأن الهيئة المعارضة التي تشكلت في الرياض ستقود المفاوضات. من جهته، قال المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السورية، جهاد مقدسي عبر صفحته على فيسبوك إنه تلقى دعوة لحضور محادثات جنيف لكنه لن يشارك في جولتها الأولى. أما في ما يتعلق بمشاركة عدد من الدول المعنية بالملف السوري، فتبدو غير محسومة. وأكد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كالين، أمس الأربعاء، أن تركيا ستكون ممثلة في محادثات جنيف بوفد رفيع المستوى، مشدداً على أن أنقرة لا تعاني من مشاكل مع أكراد سورية، ولا توجد بينهما خلافات، إنما تعارض حزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السوري للعمال الكردستاني. إلا أن الأمم المتحدة، أكدت أمس، أنها لم توجه دعوات سوى لأطراف سوريين لحضور المفاوضات.
أنس الكردي
صحيفة العربي الجديد