استدعاء الخارجية العراقية للسفير السعودي ثامر السبهان، بسبب تصريحات أدلى بها لقناة “السومرية” تناولت جماعة “الحشد الشعبي” القريبة من إيران، ليس أمراً مستغرباً؛ فمنذ اللحظة الأولى التي قررت فيها الرياض إرسال سفير لها إلى بغداد، كان ثمة أطراف عراقية تعترض على ذلك بشكل عام، وتعترض على شخص السفير السبهان بشكل خاص. لكنّ السعودية استمرت في تسميته. وقد تجاوزت حكومة حيدر العبادي والخارجية العراقية الضغوط التي مورست عليهما من قبل أطراف مؤيدة في غالبيتها لإيران، ورحبتا بالسفير السعودي.
السبهان عبّر في الحقيقة عن موقف صريح للخارجية السعودية في انتقادها للنزعة الطائفية لـ”الحشد الشعبي” المختلطة بنزعة للانتقام والإجرام والعنف المذهبي. وهو ما له شواهد كثيرة، أبرزها ما حدث قبل أشهر في تكريت وصلاح الدين، وما حدث أخيراً في المقدادية في ديالى، حيث جرى إحراق مساجد للسُنّة وعشرات المنازل والمحال التجارية.
قد نجادل في تقييم موقف السفير فيما خص تجاوزه للحذر السياسي وابتعاده عن توسّل الأعراف الدبلوماسية واللامباشرة في التصريحات، واعتبار أن ما يسع وزير الخارجية قد لا يسع السفير، لاسيما في مناطق حساسة ومعقدة وساخنة. لكنّ هذا الضغط المتجدد على السفير لا ينبغي له أن يكون مبرراً لرجوع السعودية عن قرارها بتطوير علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع العراق. فالأخير هو عُمق استراتيجي للسعودية والخليج، وإقامة علاقات كاملة معه في مصلحة المنطقة واستقرارها، وهي خطوة ضرورية للغاية باتجاه إعادة التوازن الاستراتيجي المختلّ فيها. وهذا الاختلال الاستراتيجي ليس ناجماً فقط عن احتلال العراق واختراق إيران له، بل أيضاً وأيضاً بسبب الغياب العربي شبه الكامل عن العراق منذ سقوط نظام صدام حسين.
بعض الأصوات المؤيدة لإيران في العراق التي انتقدت تصريحات السبهان، غطت المشهد لكنها لم تستطع إخفاء حقيقة أن الرأي العام العراقي في الحقيقة لم يكن مع هذه الأصوات ولم يصدقها.
في الجانب السعودي، اليوم، نسمع تصريحات تثير الأمل بأنّ “تصحيح ما يجري”، من قبيل تصريحات الوزير عادل الجبير بأن بلاده لا يمكن أن تتخلى عن العراق، وأنها تقف على مسافة واحدة من الأطياف والمكونات السياسية في العراق. وقد سمعنا قبل أيام شكر حيدر العبادي وامتنانه لدولة الكويت لمساهمتها بـ200 مليون دولار لإعادة إعمار المناطق التي دمرها تنظيم “داعش”. وأعلنت دولة الإمارات دعمها للحكومة المركزية العراقية في مكافحة الإرهاب. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي عينت قطر سفيرا لها في العراق بعد قطيعة دبلوماسية دامت 25 عاماً. وفي نهاية الأسبوع الماضي، صرّح وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي أن العمل المشترك مع السعودية سيكون مفيداً في محاربة الإرهاب.
هذه أجواء إيجابية من المهم أن تتطور وتنمو. وحادث استدعاء السفير السبهان يدل على أن ثمة أطرافاً في العراق متضررة منها وتتربص بها ولا تريدها أن تنمو. هذه الضغوط التي يقابلها تأفف مكتوم في الرأي العام العراقي حيال التدخلات الإيرانية، تدفع الخليجيين لمزيد من طرق أبواب العراق وليس التردد والشكّ في الجدوى، خصوصاً وأن هذا التردد والشكّ في مصلحة النفوذ السلبي الإيراني. والحقيقة أن ثمة تململاً شيعياً من التدخل الإيراني في العراق، وشكوى شيعية وسُنّية عراقية من الغياب العربي. ولا يغيب عن النظر هنا أنه، وبعد حادث الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، ليس من مصلحة الحكومة العراقية الظهور بموقف التماهي مع طهران في التضييق على التواصل الدبلوماسي مع الرياض.
بصراحة واختصار، الطَرْقُ الخليجي والعربي للبابِ العراقي قد يكون أقلّ أكلافه استدعاء السفراء. ولكن كما قيل: “من أدمن الطَرْقَ يُوشِك أنْ تُفتح له الجدرانُ المغلقة”.
محمد برهومه
صحيفة الغد الأردنية