يواجه «حزب الله» أوقاتاً صعبة. فدفاعه عن نظام الأسد في سوريا هو استنزاف لكوادره وأمواله وموارده العسكرية؛ وقد أسفر ذلك عن وقوع خسائر توازي ما تكبّده الحزب من محاربته إسرائيل على مدى 18 عاماً. وفي موازاة ذلك، أدت العقوبات المفروضة منذ فترة طويلة وتدهور أسعار النفط إلى تقليص الدعم الذي تقدمه إيران للتنظيم. ويمكن ملاحظة آثار ذلك في لبنان حيث قلّص «حزب الله» رواتب بعض كوادره، وأخّر الدفع لبعض مزوّديه، وخفّض الرواتب الشهرية للأحزاب الحليفة.
ولكن عندما ألقى أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله خطابات تلفزيونية مطولة الشهر الماضي وفي تموز/يوليو، ركّز على مسائل أخرى: فقد أنكر قيام «حزب الله» بنشاطات تجارية ووصف الاتهامات الموجّهة لـ «حزب الله» بارتباطه بالاتجار بالمخدّرات وغسل الأموال بأنها «مجحفة». ويأتي هذا النفي العنيف ردّاً على الجهود المكثّفة التي تبذلها الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون لاستهداف عمليّات الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال وشراء الأسلحة التي يقوم بها «حزب الله».
وتتحرّك وزارة الخزانة الأمريكية بتواتر أكبر لتسمية الإرهابيين واستهداف أفراد وشركات رئيسية تسهّل على «حزب الله» أفعاله الجائرة الدولية، مع التركيز على الأطراف التي لها علاقات بـ «حركة الجهاد الإسلامي» – الجناح الإرهابي لـ «حزب الله». ووفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال” الشهر الماضي، تعمل وزارة العدل الأمريكية مع الحكومات الأوروبية لتوقيف المشتبه بهم في «تحقيقات واسعة النطاق في غسل الأموال تصل إلى أوروبا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية وأفريقيا». وقد وقّع الرئيس الأمريكي باراك أوباما على نص تشريعي في شهر كانون الأوّل/ديسمبر يهدف إلى “إعاقة” “شبكة الحزب عند كل منعطف” من خلال فرض عقوبات على المؤسسات المالية التي تتعامل مع «حزب الله» أو محطّته التلفزيونية “المنار”.
وكانت تسميات وزارة الخزانة الأمريكية – التي تُجمّد الأصول بموجبها وتفرض العقوبات – تجري بزخم في شهر حزيران/يونيو عندما استهدفت الولايات المتحدة عميلاً رفيع المستوى هو أدهم طباجة وشركته، “مجموعة الإنماء [لأعمال السياحة وفروعها]”. وكانت وزارة الخزانة قد سبق أن استهدفت منظمات الواجهة المعنية بتزويد «حزب الله» بالأسلحة وبعض الشركات التي تديرها مثل “مجموعة ستار القابضة” في لبنان وفروعاً أجنبية زوّدت قطعاً للطائرات بدون طيّار التي ينشرها «حزب الله» فوق إسرائيل وسوريا. كما استهدفت وزارة الخزانة الأمريكية شركاء للسيّد طباجة – أحدهم حسين علي فاعور، عضو في «حركة الجهاد الإسلامي» التابعة لـ «حزب الله» الذي وفّرت شركته المركبات – وغيرهم من وكلاء تزويد ومموّلين آخرين.
وقد قال مسؤول في وزارة الخزانة الأمريكية هذا الشهر إنّ «حزب الله» «يعتمد على متواطئين في قطاع الأعمال لإيداع أمواله الإرهابية وإدارتها وغسلها». وقد قادت تحقيقات وزارة العدل الأمريكية في معاملات مشبوهة إلى توقيف مواطن أمريكي يعمل في كولومبيا في حزيران/يونيو الماضي وإلى توقيف آخر في ليتوانيا في إطار إحدى قضايا غسل الأموال. وتسعى واشنطن إلى تسليم كلا الرَجُلين. وقد شهد شهر تشرين الأوّل/أكتوبر توقيف محامٍ في باريس وسيّدة أعمال في مدينة أتلانتا الأمريكية قاما وفقاً للشكوى الجنائية بالتواطؤ لغسل عائدات مخدّرات والمشاركة في الإتجار الدولي بالأسلحة. ووفقاً للحكومة الأمريكية قالت سيّدة الأعمال لعميل خفيّ إنّه كان لديها شركاء في «حزب الله» يسعون لشراء الكوكايين والأسلحة والذخائر؛ وقد أشار المحامي أنّ بإمكانه استخدام صلاته مع «حزب الله» لتوفير الأمن لشحنات المخدّرات.
هذا النوع من الأعمال يقلق السيّد حسن نصرالله الذي تأسّف في خطاباته أنّه عندما تتّهم الولايات المتحدة أشخاصاً أو شركات بارتباطها بـ «حزب الله»، تقوم المصارف اللبنانية بـ “اتّخاذ التدابير” ضدّ هؤلاء الأشخاص أو الحسابات العائدة لهم. ويعني النص التشريعي الذي صدر في كانون الأوّل/ديسمبر أنّ المصارف الأجنبية ستبدأ القيام بالمثل – وإلاّ ستواجه عقوبات أمريكية.
لقد لاحق محقّقون الكثير من القضايا المرتبطة بـ «حزب الله» في السنوات الأخيرة – لا سيّما عبر تعقّب الأثر المالي لتاجر المخدّرات أيمن جمعة عبر القارّات ومن خلال إجراءات اتُخذت في أوائل عام 2011 استهدفت “البنك اللبناني الكندي” في ظل “قانون الوطنية [الباتريوت آكت]” الأمريكي – بحيث لا يستطيع الحزب الإدعاء بتجاهلها بعد الآن. وقد قاد هذا الأثر المالي إلى الدائرة المقربة من قيادة «حزب الله»، بمن فيهم عبدالله سيف الدين – ممثّل الحزب لدى إيران وأحد أنسباء السيّد نصرالله.
وفي خطابه في كانون الأوّل/ديسمبر، تحدّى السيّد نصرالله من يتّهموه قائلاً: “إئتوني بالدليل!” ويبدو أنّ هذا بالضبط ما تفعله الولايات المتحدة وغيرها من الدول.
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن