سدّ الموصل مهدّد بالانهيار… العواقب كارثية

سدّ الموصل مهدّد بالانهيار… العواقب كارثية

سد الموصل
لم تمضِ أشهر على انسحاب تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) من الموصل وسدّها، حتى تلّقى العراقيون تحذيرات من جهات أميركية وعراقية عدّة، أخيراً، من احتمال انهيار سدّ الموصل، وسط مخاوف من أن يتسبب الانهيار، في حال لم تتم معالجة أزمة السد سريعاً، إلى مقتل وتشريد ملايين المواطنين، فضلاً عن الأمراض والخسائر الاقتصادية.

التحذير الأميركي الأبرز جاء، أمس الخميس، على لسان شون ماكفرلاند، قائد قوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش”، الذي أكد أن “الجيش الأميركي لديه خطة طارئة لمواجهة احتمال انهيار سد الموصل في شمال العراق إذا وقعت هذه الكارثة”. وأشار إلى أنّ “السلطات العراقية أدركت احتمال انهيار السد، الذي تحتاج أساساته إلى حقن بانتظام للحفاظ على سلامة هيكله”. وأوضح ماكفرلاند، في مؤتمر صحافي، أنّ “احتمال انهيار السد نحاول حسمه الآن. كل ما نعرفه أنه إذا انهار فسينهار بسرعة وهذا أمر سيىء”.

وكان المتحدث باسم التحالف الدولي، ستيف وارن، قد قال في حديث تلفزيوني، أمس الأوّل الأربعاء، “نحن قلقون جداً حول سد الموصل وصيانته، والسفارة الأميركية في بغداد تحدثت عن هذا الموضوع”. ولفت إلى “إنّنا، (الأميركيين)، نجهل حالياً توقيت انهيار السد”، محذراً العراقيين من “خطر محدق بسد الموصل”. وأكّد تلك المخاوف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وفقاً لما نقلته الصحافة الأميركية عن المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، أخيراً، عندما أشار إلى أنّ الرئيس الأميركي شدّد خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على ضرورة إجراء صيانة عاجلة للسد.

وفي السياق نفسه، يؤكد مصدر حكومي عراقي على تواصل مع مسؤولين أميركيين في بغداد، لـ”العربي الجديد”، أنّ “العراق مقبل على كارثة إنسانية وبيئية كبيرة، سببها انهيار سد الموصل”. وينقل المصدر ذاته عن عسكريين ودبلوماسيين أميركيين، قولهم إن “انهيار السد قد لا يتعدى حصوله شهر أبريل/نيسان المقبل، خصوصاً أنّه يواجه ضغطاً مائياً كبيراً خلال هذا الوقت من العام بفعل الأمطار وذوبان الثلوج”.

ويضيف المصدر الحكومي أنّ الأميركيين يحذرون من وقوع “كارثة بشرية تطاول ملايين الناس، بين موت وأمراض وهدم للمنازل وجرف القرى والمناطق الزراعية الواقعة على حوض نهر دجلة، وصولاً إلى البصرة”، مشيراً إلى أنّه “في حال انهيار السد، فإنّ نسبة تضرر الموصل تصل إلى 90 في المائة، فيما تقل نسبها تدريجياً مع اتجاه الفيضان نحو الجنوب”.  ويوضح المصدر أنّ “نصيب بغداد في هذه الكارثة كبير جداً، خصوصاً أنّ جميع الأراضي منبسطة مما يسهّل عملية الغرق”.

ويبعد سدّ الموصل، الذي شُيّد من قبل شركة إيطالية في  عام 1984، نحو خمسين كيلومتراً عن مركز محافظة الموصل، التي تبعد 465 كيلومتراً عن العاصمة بغداد. وكان يعمل في السد نحو 600 مهندس وفني، قبل أن يجتاح مقاتلو “الدولة الإسلامية” (داعش) الموصل، صيف 2014. وتمكّن “داعش” من السيطرة على السدّ مرات عدّة بين عامَيْ 2014 و2015 لتأمين الكهرباء لمدينة الموصل. ويعود فشل سيطرة التنظيم على السد بشكل متواصل، باعتبار المنطقة مكشوفة ولا يوجد لديه أي غطاء هناك.

اقرأ أيضاً: مسؤولون أميركيون يحذرون من انهيار كارثي لسد الموصل

وانسحب التنظيم من السدّ في إحدى المرات بعد هجوم لقوات “البشمركة” الكردية بدعم أميركي، حتى تمكّنت القوات الحكومية من استعادة السدّ بشكل نهائي بعد معارك مع “داعش”، منتصف عام 2015. وتوقفت خلال تلك الفترة عمليات الصيانة اليومية. كما أنّ سيطرة التنظيم على الموصل بين عامَيْ 2014 و2015، منعت وصول مواد الصيانة، التي كانت تُصنع في معامل المدينة إلى الفنيين في السد، مما أدى إلى توسع التشققات، التي كانت تتم ثلاث مرات يومياً. وانسحب التنظيم من الموصل نهائياً في يناير/كانون الثاني 2015.

من جهته، أكد عضو لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب العراقي، علي البديري، في حديث صحافي: “تلقينا معلومات من قبل مختصين بالسدود المائية تفيد بأن وضع سد الموصل صعب جداً نتيجة تآكل أرضيته“، مبيناً أن “خطورة الانهيار أصحبت أكثر من السابق نتيجة تساقط الثلوج والأمطار خلال هذه الفترة”. وأضاف البديري أنّ “السد إذا تعرض للانهيار، سيقول العالم كان هناك عاصمة اسمها بغداد، لأنّ هذه الأخيرة ستتعرض للفيضانات، إذ ستكون نسبة ارتفاع المياه بين 10 و15 متراً”، موضحاً أن “المناطق التي لا يصلها الفيضان، ستنتشر فيها أمراضاً وبائية”.

في هذا الصدد، يذكّر الخبير في الثروة الحيوانية، فرهاد حمّة أمين، بـ”الفيضانات التي تسببت بوقوع كوارث في القطاع الزراعي والثروة الحيوانية في العراق منتصف القرن العشرين، وهو ما أدى إلى إبادة أعداد ضخمة من الثروة الحيوانية، وتلف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية”. وتعرضت بغداد للكثير من الفيضانات التي كان أخطرها أعوام 1940 و1941 و1946 و1954، وكان الأخير أخطرها، إذ أدّى الفيضان عام 1954، فضلاً عن مقتل وتشريد الآلاف من السكان، إلى تلف مئات الآلاف من الأراضي الزراعية، الذي ألحق بالعراق خسائر اقتصادية كبيرة. ومدّت الكثير من الدول العربية يد العون وإيصال معونات إغاثية ومالية إلى البلاد.

لا يخفف حمّة أمين من وطأة عودة تلك الكوارث اليوم “بل وبشكل أكبر”، مشيراً إلى أنّ “الفيضانات السابقة كان سببها ارتفاع منسوب المياه في نهرَي دجلة والفرات معاً، وقد يعود الفيضان تدريجياً مع ارتفاع منسوب المياه، لكن الوضع في سد الموصل مختلف”. ويوضح، أنّ “هناك كميات ضخمة من المياه ستنهدر دفعة واحدة، مما يجعل منها قوّة جبارة، بسبب قوة دفع المياه والضغط الصادر من داخل السد، ما سينتج عنه غرق المناطق السهلية خلال وقت قصير جداً”. ويلفت الخبير في الثروة الحيوانية، إلى أن “جميع المناطق الزراعية ومناطق تربية الماشية، تقع في تلك المناطق السهلية، وهو ما ينبئ بكارثة كبرى”، مشيراً إلى أنّ “الكارثة لن تتوقف مع انتهاء الفيضان، الذي سيغرق جميع المدن الواقعة على نهر دجلة، بل إن ما سيخلفه الفيضان هو الأخطر”.

ويؤكد حمّة أمين أنّه “بالإضافة إلى ما يُتوقع حصوله على جميع الأصعدة، من موت وفقدان المواطنين وتشريد آخرين، وهدم للبيوت والمؤسسات الحكومية والمدنية، وخسائر في الثروات الزراعية والحيوانية والطاقة والمؤسسات الخدمية، ستبدأ كارثة الأمراض، التي ستتطلب تدخل طواقم دولية ضخمة لتوفير المستشفيات الميدانية، باعتبار أنّ المستشفيات الموجودة لن تفي بالغرض، خصوصاً أنّ الكثير منها معرض للغرق”.

آدم محمود

صحيفة العربي الجديد