يتوجّه التونسيون صباح اليوم في مختلف جهات البلاد إلى مراكز الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للسنوات الخمس القادمة في مواجهة ساخنة بين المترشحين محمد المنصف المرزوقي (69 عامًا) و الباجي قائد السبسي(88 عامًا) في إطار جولة الحسم.
وكان الباجي قائد السبسي، رئيس حزب نداء تونس، فاز في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بنسبة 39.46%، بينما حلّ محمد المنصف المرزوقي ثانيًا بنسبة 33.43%.
ويعتبر عديد من الملاحظين أنّ “جولة الحسم هذه، بين المرزوقي والسبسي، هي في الأصل مواجهة بين “الحرس القديم” و”حرس الثورة””، في إشارة وتذكير لما حصل في مصر، عندما واجه الرئيس السجين محمد مرسي رئيس الوزراء الأسبق في عهد مبارك، أحمد شفيق، وينتظر الملاحظون أن يعاد السيناريو في تونس، كما حصل في مصر وفوز مرسي برئاسة الجمهورية، بفوز ساحق برغم التنافس الكبير بين المرزوقي والسبسي.
هذا السيناريو، يقول ملاحظون، إنه “لن يتحقق إلا في صورة غياب أي نوع من الإخلالات في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية”، وهو ما نبّه إليه المترشح محمد المنصف المرزوقي، ووضع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أمام مسؤولياتها.
وكان المرزوقي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، تقدم بطعون إلى المحكمة الإدارية ولكن تمّ البت فيها ورفضها مضمونًا؛ لا لشيء إلا لأنّ “ما حصل في مركز اقتراع بمدينة كسرى بمحافظة سليانة (شمال غرب) من استعمال للورقة الدوّارة لا يمكن أن يؤثر على نتيجة الانتخابات”.
88 ألف ملاحظ
وأشار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار، إلى وجود 88 ألف ملاحظ من بينهم 59 ألف ممثل لكلا المترشحين، إلى جانب 29 ألف ملاحظ ينتمون إلى المجتمع المدني وهيئة الانتخابات، منهم 24869 ممثلًا للمترشح الأول السبسي و31054 ممثلًا للمترشح الثاني المرزوقي.وأكد صرصار في ندوة صحفية “وجود 124 مركز اقتراع ستفتح متأخرة عن البقية وتوجد في ثلاث محافظات شمال ووسط غرب تونس، وهي الكاف و جندوبة و القصرين”.
ودعا صرصار الناخبين إلى “المشاركة الفعالة في الانتخابات والتبليغ عن كل التجاوزات”، داعيًا المترشحين إلى “الالتزام بميثاق الشرف واحترام المنافس والقيام بالحملة في الضوابط الأخلاقية والقبول بالنتائج مع إمكانية الطعن فيها أمام المحاكم المختصة”.
بين الحرس القديم وحرس الثورة
وتفاعلت مختلف وسائل الإعلام في تونس والخارج مع الحدث، فجاء في تقرير لوكالة “رويترز”: “يبدو السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي واثقًا من إزاحة منافسه العنيد محمد المنصف المرزوقي من رئاسة تونس، في الانتخابات المقررة اليوم الأحد، وهو يرى في الحبيب بورقيبة أول رئيس لتون، وقد وضع له تمثالًا كبيرًا في مكتبه، رمزًا ملهمًا لاستعادة هيبة الدولة”، مضيفة “أما المرزوقي فيرى أن هذه الانتخابات ستكون معركة حاسمة للتصدي لعودة النظام السابق، ومواجهة بين قوى الثورة وقوى الماضي الفاسد“.
فالمرزوقي، يقول التقرير “اختار أن يرقص مع أنصاره في جزيرة جربة في حفل خطابي على وقع أنغام نشيد يتغنى بالثورة التونسية، في إشارة يسعى من خلالها لتقديم نفسه على أنه “حارس للثورة” ضد عودة فلول النظام القديم”، أما السبسي (88عامًا) و الذي كان وزيرًا في عهد بورقيبة وشغل منصب رئيس البرلمان في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قد يشكل هذا مصدر قلق لقطاع من التونسيين، بعد أربع سنوات من الانتفاضة التي أنهت عقودًا من حكم الحزب الواحد”.
وأضافت “رويترز”: “وبعد أربعة أعوام من الانتفاضة التي أجبرت بن علي على الفرار، وألهمت مصر واليمن وسوريا وليبيا، أصبحت تونس الدولة الصغيرة في شمال إفريقيا منارة للتغيير الديمقراطي في المنطقة، مع إقرار دستور تقدمي جديد، وإجراء أول انتخابات برلمانية حرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي“.
لكن الأسئلة حول عودة الحرس القديم، بحسب رأيها، “تهيمن على السباق الانتخابي بين السبسي السياسي المخضرم الذي كان ضمن الحزب الواحد السابق، والذي يقدم نفسه على أساس القدرة على إدارة شؤون البلاد المتردية، وبين المرزوقي الناشط الحقوقي الذي يعلن نفسه حارسًا للثورة“.
حرب التاريخ
وإذا كان السبسي يسعى للنأي بنفسه عن الفساد والتجاوزات والانتهاكات المرتبطة بالنظام السابق، ويتقدم على أنه رجل ذو كفاءة وقدرة على إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والأمنية وإعادة هيبة الدولة، بعد وضع هش وغير مستقر دام سنوات، وهو يقول في اجتماع شعبي في أثناء حملته الانتخابية “هل تعتقدون أن رجلًا في سني سيتغول الآن ويقيد الحريات؟ سأكون رئيسًا لكل التونسيين وأريد أن أعيد هيبة الدولة“.
أما المرزوقي، فهو يحرص على الإشارة لفترة حكم بن علي، ويقول إن “فوز السبسي يمثل تقويضًا لثورة الياسمين وخطرًا على الديمقراطية، من خلال ترسيخ النفوذ من جديد في أيدي الحرس القديم أو ما يعرف في تونس بأزلام النظام السابق”.
ويقول المرزوقي، وهو مدافع شرس عن حقوق الإنسان في عهد بن علي، وسجن أيضًا بسبب مواقفه المعارضة للنظام، إن “السبسي لا يعرف ما هي الديمقراطية، وهو ليس رجلًا ديمقراطيًا“.
الثورة مهددة
وقال المترشح محمد المنصف المرزوقي، في اجتماع شعبي بمدينة المنستير، مسقط رأس الرئيس الراحل بورقيبة، والتي انطلق منها السبسي في حملته الانتخابية: “إن الثورة مازالت مهددة بالثورة المضادة، وهبة الشعب في كامل الجمهورية ضرورية لمنع عودة النظام القديم، وهي التي ستغير كل المعطيات السياسية“.
وأضاف المرزوقي في تحقيق لصحيفة “الشاهد”: “إنّ تحقيق التنمية مرتبط بالحرية وبتحقيق الاستقرار السياسي”، مؤكدًا على ضرورة “التزامه في حال فوزه في الانتخابات بتوفير ظروف العمل مع أية حكومة، اعتبارًا إلى أن المصلحة الوطنية تقتضي تعاون رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مهما كانت اختلافاتهما لتحقيق التوازن والاستقرار ووحدة الدولة“.
الغث والسمين
أما السبسي، وفي اجتماع شعبي بمناسبة اختتام حملته الانتخابية، وذلك في شارع بورقيبة بالعاصمة التونسية، فأكد على أنّ الشعب التونسي “ذكي ويميز جيدًا بين الغث والسمين، ويدرك أن المرشح المنافس يريد إعادة الترويكا التي ضمت رابطات حماية الثورة المشهورة بالعنف وتهدد بحمام دم في صورة فوزه” بحسب تعبيره .
و أشار إلى أنّ “الشهداء لا يمثلون قضية أحزاب، بل هم قضية الشعب التونسي بأكمله ويجب معرفة من حرض وخطط ونفذ هذه الاغتيالات“، داعيًا الشعب التونسي إلى التصويت بكثافة (اليوم) لفائدته “حتى يتغير وضع البلاد الذي تمّ تجريبه خلال السنوات الثلاث الماضية”، قبل أن يختم بالقول: “مستقبلكم بين أيديكم لا تعطوه لغيركم”.
مساندة المرزوقي وتوجّه أحمد الحفناوي، الذي ارتبطت صورته بعبارات بقيت راسخة في ذاكرة التونسيين وغيرهم من الشعوب العربية، يوم هروب بن علي من تونس “هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية”، بكلمات عبر صفحته على الفيس بوك إلى شباب القصبة 1 و2 وشباب تونس الغالية، ودعاهم إلى مساندة المرزوقي، ولا تغتروا بالوعود الزائفة ولا بالكلام المعسول.
http://www.youtube.com/watch?v=9XtzHAWG_qc
وقال في تدوينته: “سلام واحترام، أنا لم أناشد في حياتي إلا ربي عز وجل، ولكني الآن أريد أن أناشد أصحاب العقول النيرة، شباب الثورة، شباب القصبة 1 والقصبة2، شباب تونس الغالية، أريد فقط أن تقفوا إلى جانب الحق ولا تغرنكم الوعود الزائفة ولا الكلام المعسول، ساندوا الدكتور المنصف المرزوقي من أجل تونس، تونس الثورة، تونس الحرية.. لقد هرمنا”.وقال الحفناوي في تصريح لـصحيفة “الجمهورية”: “سأساند المرزوقي عن جدارة، وسأعمل أنا وأتباعي شباب الثورة على فتح كل الطرق التي ستغلقها الجبهة الشعبية في وجه المرزوقي”، ويعتبره بحسب رأيه: “الأمل الوحيد المتبقي للثورة التونسية؛ لأنه وحده القادر والكفيل على حماية تونس وضمان حقوق شعبها وخاصة الفئة الشبابية”.
الحذر من خطابات العنف والكراهية
وحثت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، القنوات الإذاعية والتلفزية على عدم بث خطابات تحثّ على التفرقة والتباغض بين التونسيين، مذكرة بأن الحق في الإعلام ونقل الأخبار “لا يجب أن يتحول إلى مادة إعلامية قائمة على الإثارة أو محثة على الكراهية والعنف“.
ونبّهت الهيئة إلى وجوب التعاطي الحذر والمهني مع مثل هذا المضمون الإعلامي باعتبار الانعكاسات الخطيرة التي قد تنجر عنه، وتعتبر أنّ “بث مثل هذا الخطاب الذي يحث على الكراهية والعنف، دون التذكير بالضوابط القانونية والمهنية التي تمنعه، يعدّ إخلالًا بقواعد المهنة الصحفية وأخلاقياتها وبالمسؤولية التحريرية للصحفي ولوسيلة الإعلام”.
وذكرت الهيئة في هذا المجال “بوجوب التعاطي بحذر شديد مع هذا الخطاب؛ لأن له انعكاسات خطيرة في فترة اتسمت بتأجيج حاد للمواقف وبمحاولات الاستقطاب السياسي الذي يميز الظرف الانتخابي الحالي، وتدعو مختلف القائمين على وسائل الإعلام السمعية والبصرية إلى ضرورة توخي الحياد واحترام أعراض المترشحين وكرامتهم وعدم المساس بحرمة الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية”، مؤكدة على “الدور الهام الذي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام في إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي”.
فلننصف المرزوقيوكتب رئيس تحرير “العربي الجديد” وائل قنديل، مقالًا بعنوان (فلننصف المرزوقي) جاء فيه: “سواء فاز المنصف المرزوقي برئاسة تونس، أم لم يفز، يظل الرجل علامة فارقة على خارطة التغيير في دول الربيع العربي، ذلك أن المنصف جسّد، طوال فترة وجوده رئيسًا لتونس، المعنى الكامل والحقيقي لأن تحكم الثورة، ولو مؤقتًا، عقب عقود من الاستبداد سقطت بفعل ثوري غير ناقص“.
وأضاف الإعلامي المصري وائل قنديل: “لقد مثّل المرزوقي خلال رئاسته لتونس الثورة أملًا في نفوس جمهور التغيير العربي بأنه بالإمكان أن تصعد الثورة إلى سدّة الحكم، تعبيرًا عن إرادة التحول، من ديكتاتورية دولة الرجل الواحد والحزب الواحد والصوت الواحد، إلى دولة الديمقراطية والتعددية والحريات، فالرجل لم يأت من كهوف الدولة العميقة، ولم يكن يومًا جزءًا من النظام الساقط، بسلطته ومعارضته، بل شكّل في الحالة التونسية، على نحو ناصع ومكتمل، النموذج الكامل للمعارض الحقيقي المنتمي لثورة شعبه، وليس ذلك المعارض الذي قرر أن يتملق الريح، ويمتزج بتفاعل جديد، لم يكن عنصرًا أصيلًا فيه“.
ويمكنك القول “إنّ المرزوقي مثّل في مجمل مسيرة الثورة التونسية، حتى الآن، النصف الأول من محمد البرادعي في مصر، أو هو المعادل الموضوعي لبرادعي المعارضة والثورة، لا برادعي السلطة الحرام والانقلاب“.
وفي كتابه “إنها الثورة يا مولاي”، يقول المنصف المرزوقي : “إنه من الثوابت التي تتردد عبر التاريخ، حتى تكاد تكون قوانين، أنه لا تقوم ثورة، إلا وقامت لها ثورة مضادة، وأنَّ لكل ثورة ثمنًا باهظًا، وأن الثوار ليسوا من يجنون ثمار الثورة، وأنه لا بد أحيانًا من زمنٍ طويل حتى تحقق الثورة أهدافها“.
و ختم قنديل بالقول: “إنّ أجمل ما في رحلة المنصف المرزوقي، في محيط السياسة التونسية بعد الثورة، أنه يخوض معاركه بروح الثوري وقيمه ومبادئه، وليس بمقتضى الصفقات والتربيطات، بصرف النظر عن النتائج والمآلات. ولكل ما سبق نقول، من باب الإنصاف: شكرًا المنصف المرزوقي، دمت لنا ثوريًا نقيًا سواء رئيسًا في قصر قرطاج، أو معارضًا من خارجه“.
محمد بن رجب – التقرير
http://goo.gl/16l2UZ