الحكومة التونسية في حالة فوضى بعد خمس سنوات من “الربيع العربي”

الحكومة التونسية في حالة فوضى بعد خمس سنوات من “الربيع العربي”

الحكومة-التونسية

احتفلت تونس يوم 14 كانون الثاني (يناير) بالذكرى الخامسة للإطاحة الشعبية بنظام بن علي. لكن المزاج كان كئيباً. فبعد مرور خمس سنوات على بدء الانتفاضات التي تسببت في إسقاط بن علي، كان الإنجاز الرئيسي للنضال من أجل الإصلاح السياسي هو إجراء مراجعة شاملة، مادة بمادة، للدستور التونسي الذي أصبح الأكثر تقدماً في المنطقة حالياً.
لكن الشيء نفسه لا يمكن أن يقال عن الحكومة الائتلافية التي أفرزتها أول انتخابات جرت في تونس ما- بعد- الدستورية في العام 2014. وبدلاً من وضع -وإيجاد الوسائل لتطبيق- رؤية واضحة لمستقبل تونس، ما تزال الطبقات السياسية في هذا البلد الشمال أفريقي عاكفة بعناد على انقساماتها الداخلية، والتي يتجذر الكثير منها في الماضي.
في الانتخابات التي جرت في العام 2014، لم يتمكن أي من الحزبين الكبيرين، “نداء تونس” الحاكم، أو حزب “النهضة”، من تحقيق أغلبية واضحة من الأصوات، حيث كسبا 85 و69 مقعداً على التوالي في البرلمان المكون من 217 عضواً. ونُظر إلى التحالف الذي شكله الحزبان لاحقاً في ذلك الوقت على أنه بمثابة زواج مصلحة، بالنظر إلى الانقسامات الأيديولوجية داخل قواعد العضوية الأوسع لكلا الحزبين. ولم يكن هذا التحالف حدَثاً سعيداً أيضاً بالنسبة لأعضاء الحزبين، ووصلت التوترات في “نداء تونس” ذروتها مع انعقاد مؤتمر الحزب في 9 كانون الثاني (يناير) الحالي. ومنذ ذلك الحين، استقال ما لا يقل عن 32 عضواً من “نداء تونس”، مما ترك الحزب مع 64 فقط من البرلمانيين، مقارنة بـ69 برلمانياً من حزب النهضة.
لكن الخسارة التي نجمت عن ذلك لأغلبية “نداء تونس” في البرلمان لم تؤثر على المناقلات التي أجراها رئيس الوزراء التونسي، حبيب الصيد، في المناصب الوزارية في الآونة الأخيرة، كما أنها لم تثر مطالبات من حزب النهضة بمزيد من المناصب الوزارية. وبدلاً من ذلك، سلطت الحادثة الضوء فقط على المسافة المتنامية بين القيادة العليا لكلا الحزبين وبين قواعدهما من السياسيين.
لا شك أن المنشقين أخيراً عن “نداء تونس” استشهدوا بتخلي الحزب عن أجندته الحداثية، من خلال تقديم تنازلات لحزب النهضة المحافظ اجتماعياً، باعتباره واحداً من أسباب الانشقاق، لكنهم اتهموا أيضاً قيادة حزبهم نفسه بالاستبداد والمحاباة، في أعقاب انتخاب حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي الثمانيني الباجي قائد السبسي، ليكون الأمين العام الجديد للحزب. وقال وليد الجلاد، وهو أحد نواب “نداء تونس” المستقيلين، لوكالة رويترز أن “ابن الرئيس وجماعته سيطروا على الحزب ونفذوا انقلاباً”، وأن أعضاء “نداء تونس” لن يقبلوا “أن يكونوا مثل قطيع من الخراف”.
الآن، يخطط المعارضون لإنشاء مجموعتهم المستقلة الخاصة داخل البرلمان، لكنه لا يبدو أن هناك تراجعاً في العلاقة الحميمة بين عائلة السبسي وبين الأمين العام لحزب النهضة، الشيخ راشد الغنوشي. وبينما يتحدث كضيف مدعو ومتحدث مفاجئ في مؤتمر “نداء تونس”، وصف الغنوشي تونس بأنها “طير يحلق بجناحي النهضة ونداء تونس”، وهو ما أدى إلى ظهور تكهنات بأن خطة الحزب الإسلامي على المدى الطويل هي استغلال الانقسامات في الأحزاب الأخرى، وتسويقها على مؤيديه على أنها مفيدة لموقف حركة النهضة، باعتبارها صانع الملوك في الحكومات، الحالية والمستقبلية.
تعكس الانقسامات التي حدثت مؤخراً في “نداء تونس” حجم الأعمال غير المنجزة من عهد بن علي. فعند تأسيسه في العام 2012، ضم الحزب أعضاء سابقين من التجمع الدستوري الديمقراطي المكروه كثيراً باعتباره الحزب الواحد في عهد بن علي، إلى جانب أصحاب الميول السياسية الأخرى، والذين يجمعهم هدف وحيد هو مواجهة نفوذ الإسلاميين من حزب النهضة، ثم قيادة ترويكا مؤقتة للحكومة. والآن، بعد أن غادرت العناصر التقدمية “نداء تونس”، يبدو أن حتمية عملية الطرد المركزي من أجل الحفاظ على الائتلاف الحاكم قائماً قد اكتسبت أهمية أكبر من مسألة تحديد إطار سياسي يستطيع جذب الناخبين الشباب الذين انسحبوا من مراكز الاقتراع بأعداد كبيرة في العام 2014.
في نظر التونسيين الذين شاركوا في انتفاضات العام 2011، تتسبب أعمار وسير القادة الرئيسيين المشاركين في لعبة تبادل الكراسي السياسية في بلدهم بمعظم القلق. فبدلاً من ظهور طبقة سياسية متجددة يمكن أن تعكس تطلعات الناشطين الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع في العام 2011، كان كل كبار صناع القرار الحاليين في تونس قد بدأوا عملهم في ظل الأنظمة الرئاسية السابقة غير الديمقراطية –حتى لو أن ذلك يعني، في حالة الغنوشي، قضاء أكثر من 20 عاماً في المنفى في المملكة المتحدة.
على سبيل المثال، تبلغ أعمار كل من الرئيس الحالي، وزعيم مجلس النواب، ورئيس الوزراء 89 و81 و66 سنة على التوالي. ولم يظهر في تونس بعد قادة سياسيون قادرون على التصدي لتحديات البطالة بين الشباب، ومعالجة تهميش المحافظات الداخلية في تونس، حيث بدأ الربيع العربي. وقد تدهورت آفاق وفرص الشباب على وجه التحديد، حيث تمس الحاجة إلى الاستثمار المتماسك والتكامل الإقليمي واستراتيجية للإصلاح الاقتصادي، وقبل كل شيء مواجهة الجاذبية الأكثر خطراً للجماعات الإسلامية السلفية ومجموعة “الدولة الإسلامية” المتشددة.
•الآن، أصبحت الحاجة الملحة للاستجابة إلى المطالب الشعبية المكبوتة تمتد إلى خارج الحدود التونسية. وفي كثير من النواحي، تصبح تونس ضحية رئيسية لانعدام الأمن الإقليمي الذي شهد صعود تأثير مجموعة “الدولة الإسلامية” في ليبيا المجاورة، وتجنيد أكثر من 6000 من الشباب التونسي للانضمام إلى صفوف المجموعة في سورية والعراق وغيرهما من البلدان. وقد كلفت ثلاث هجمات إرهابية كبيرة شُنت داخل تونس نفسها في العام 2015 البلد غالياً، والتي استهدف اثنان منها السياح في متحف باردو في تونس في آذار (مارس) 2015 ومنتجع الشاطئ بالقرب من سوسة في حزيران (يونيو) 2015. وجاءت الكلفة أولاً في الإيرادات المباشرة التي فُقدت من السياحة؛ حيث انخفض عدد السياح في البلاد بنسبة الخُمس في الفترة ما بين كانون الأول (يناير) وأيلول (سبتمبر) 2015 مقارنة بالعام السابق. وكذلك عن طريق تثبيط المستثمرين الأجانب عن الالتزام بمحركات الاستثمار في تونس. وكانت السعودية فقط هي التي وعدت تونس بتقديم حصة الأسد من وعاء استثمار المنطقة البالغ 3 مليارات دولار، والذي نوقش في نهاية العام 2015. ولكن، مع مواجهة الحكومة السعودية الآن محددات في ميزانيتها الخاصة أيضاً، فإن المقترحات بالاستثمار في محطات الكهرباء والبنية التحتية قد لا يأتي سريعاً بما يكفي لتلبية الاحتياجات الفورية للتونسيين.
وهكذا، فإن كل ما تبقى لنشطاء الربيع العربي وورثته هو حريتهم في التعبير، وقدرتهم على اقتراح حلولهم الخاصة للأزمة الأمنية التي تجتذب الآن معظم الاهتمام الدولي الموجه إلى تونس. والرسالة التي تبثها معظم الدوائر في البلاد هي أن الحكومة تحتاج إلى رؤية التنمية الاقتصادية على أنها السلاح الرئيسي ضد انتشار الإرهاب، وإلى تزويد الأجيال الشابة الأكثر ضعفاً بالموارد اللازمة لبدء تشكيل مستقبلهم. لكن شكوى التونسيين الجماعية هي أن أحداً في الحكومة لا يبدو راغباً في الاستماع.

علاء الدين أبو زينة

صحيفة الغد