يتوقع أكثر من خبير ومتابع للشأن الإيراني أن تكون الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في 26 فبراير المقبل أهم انتخابات تُجرى في إيران منذ قيام ثورتها الخمينية في 1979، أما الأسباب فأهمها حصول الانتخابات الموعودة بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي زائداً ألمانيا، وما نجم عنه من رفع للعقوبات المالية والتجارية عن البلاد.
في هذا المعنى، يتحرك متشددو السلطة في طهران كما لو أنهم يخوضون حرب وجود وفناء، فهم لئن تحمّلوا في 2009 انتخابات فقدوا السيطرة على نتائجها، قبل أن يلجأوا إلى التزوير الذي ردت عليه المعارضة بـ«الثورة الخضراء»، فإنهم اليوم لا يملكون هذه الكماليات، مؤثرين أن يعتمدوا أوسع تزوير ممكن قبل إجراء الانتخابات نفسها. فإذا صحّ أنّ إيران تستبق دوماً مثل هذه المناسبات بتصفية تطال المرشحين المشكوك بولائهم للنظام الخميني، فتمنعهم من الترشّح، فإن وجهة التصفية بلغت، هذه المرّة، أبعاداً فلكيّة: فقد ترشّح لعضويّة البرلمان المؤلف من 290 مقعداً ولعضوية مجلس الخبراء الذي يضم 88 مقعداً، 12 ألف مرشّح، وهذا بذاته عظيم الدلالة على مدى التفتّت السياسي والاجتماعي، لكن من هؤلاء المرشحين لم يحالف الحظ إلا 4700 من ذوي الولاءات المضمونة، فيما حُرم هذا الحق 7300 مرشح! وقد تركّزت هذه المذبحة الانتخابية أساساً في الإصلاحيين والمعتدلين على أنواعهم، إذ إن 1 في المئة فقط منهم، ممن رشحوا أنفسهم، سُمح لهم بذلك، أي بلغة الأرقام: 30 مرشحاً من أصل 3000.
وكما بات معروفاً، استدعى هذا السلوك رداً تحذيرياً قوياً من الرئيس حسن روحاني الذي أكد أن «البرلمان هو بيت الشعب، وليس لفئة معيّنة»، وأنه ليس هناك من معنى للانتخابات «ما لم يكن هناك تنافس».
والحال أن سلطة المتشددين كانت قد اطمأنت بعد سحقها «الثورة الخضراء» في 2009، بحيث استطاعت أن تُجري على كيفها، ومن دون احتجاج، انتخابات 2012 البرلمانية. بيد أن معنويات الإصلاحيين شهدت بعض الارتفاع مع انتخاب روحاني للرئاسة في العام نفسه، وخصوصاً مع ما تلى ذلك من مفاوضته الدول الكبرى حول الملف النووي، وما نجم عنها من اتفاق ورفع للعقوبات.
ولا يزال طرياً في الذاكرة الاستقبال الجماهيري الكبير الذي حظي به الوفد المفاوض لدى عودته إلى طهران، وانقشاع القاعدة الشعبية الضخمة لما أسماه بعض المراقبين «اللوبي الأميركي في إيران»، أي الفئات المتحمسة لاستعادة العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية وتطويرها.
كذلك لم يعد سراً أن تحليلات كثيرة ظهرت في العواصم الغربية والإقليمية مفادها أن الانفتاح على إيران كفيل بالتقويض التدريجي لسلطة الملالي. ويبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه ليس بعيداً عن هذا التصور الذي طبقه على نطاق أضيق في كوبا: ذاك أنه من خلال الرساميل والاستثمارات، كما السياح وحركة الأفكار والتواصل، ستزداد قوةً وثقلاً كفة الراغبين في الانفتاح على كفة الراغبين في الانغلاق والعزلة.
وهذا الرأي، بغضّ النظر عن مدى واقعيته وحظه من النجاح، كافٍ لإثارة الرعب في أوساط الجماعات الأكثر تشدداً في السلطة، والتي تريد، من خلال الانتخابات الوشيكة، أن تطوّق على نحو استباقي مفاعيله السياسية.
فكيف حين نضيف أن إيران اليوم منخرطة، ولو بالواسطة، في عدد من الحروب والمواجهات ما بين اليمن والعراق وسوريا. وهي، إلى ذلك، وكما كشفت مناسبات متلاحقة كان أهمها اجتماع الجامعة العربية الأخير، عرضة لامتحان إقليمي وإسلامي غير مسبوق يطال صدقية دورها وسياساتها.
إن أوضاعاً كتلك لا تسمح إلا بانتخابات كهذه.
حازم صاغية
صحيفة الحياة اللندنية