قال مصرفيون أوروبيون إن بقاء العديد من العقوبات الأميركية على طهران، لا يزال يمنع البنوك الأوروبية من التوجه إلى إيران في انتظار تطمينات بأن تعاملاتها ستكون في أمان.
وأكد مصدر في بنك فرنسي كبير، أنه “رغم رفع العقوبات فإن الأمور لا تزال غير واضحة”. وقال إن التفسيرات الأميركية والفرنسية للوضع الحالي “ليست متناسقة… لذلك لن نقوم بأي مبادرة في هذا الشان”.
وخرجت إيران من الجمود الدبلوماسي العميق بعد تطبيق الاتفاق النووي مع القوى العالمية، ما فتح الأبواب أمام مجموعة من الشراكات الجديدة الواعدة.
ورحبت فرنسا بهذا العهد الجديد واستقبلت الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أبرم عددا من الاتفاقيات الأسبوع الماضي أثناء زيارة إلى باريس أبرزها اتفاق لشراء 118 طائرة من طراز آيرباص.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالقطاع المالي، فإن ذلك لم يكن كافيا لكي تبدأ عجلة الأعمال بالدوران، حيث تسود حالة من التردد على الأقل لدى البنوك الأوروبية.
وقال فرهاد علوي المحامي المتخصص في الشؤون التجارية ومن بينها العقوبات، لوكالة الصحافة الفرنسية إن “الغرامات الكبيرة التي فرضت على المؤسسات المالية خلال فترة العقوبات، تجعلها قلقة بشكل خاص”.
وأضاف من واشنطن أن “البنوك الأوروبية تواجه ليس فقط خطر فرض عقوبات عليها، ولكن كذلك التعرض لملاحقات بموجب القوانين والممارسات المصرفية العالمية”.
والحذر هو السائد بين المصرفيين الذين لم ينسوا بعد العقوبات الضخمة التي فرضتها عليهم واشنطن.
وتقول فرنسا إنها وافقت على اتفاقيات مع إيران تزيد قيمتها عن 15 مليار دولار، لكن تفاصيل تلك الاستثمارات وكيفية تمويلها تتطلبان دورا مباشرا من البنوك.
وفي الماضي عندما تصرفت البنوك في صفقات متعلقة بطهران، فرضت عليها واشنطن عقوبات باهظة لانتهاكها نظام العقوبات القديم. ومن أبرز الأمثلة الغرامة الباهظة التي بلغت 8.9 مليار دولار، والتي فرضت على بنك بي.أن.بي باريبا الفرنسي في عام 2014.
وتقلق هذه القضية كذلك المصرفيين في دول أوروبية أخرى بينها ألمانيا، حيث دفع بنك دويتشه العملاق غرامة قدرها 258 مليون دولار في نوفمبر لإتمامه عمليات مالية مع كيانات كانت خاضعة لعقوبات أميركية ومن بينها إيران وسوريا.
وذكر المتحدث باسم البنك أن “دويتشه بنك لاحظ تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على إيران… لكنه سيبقي على قراره ولن يقوم بأي أعمال مرتبطة بإيران حتى إشعار آخر”.
وقال إيف تييو دو سيلغي نائب رئيس مجلس إدارة “ميديف إنترناشونال” التي تقوم بعمليات الاتصال مع القطاع الخاص لحساب كيانات مثل البنك الدولي وغيره من بنوك التنمية والمنظمات الدولية إن “حالة من عدم اليقين تسود القطاع البنكي”.
وأكد أنه رغم أن واشنطن رفعت العقوبات المتعلقة بالملف النووي إلا أن إجراءات أميركية أخرى، خاصة المتعلقة بالقضاء على تمويل الإرهاب، لا تزال قائمة.
وقال وزير الدولة الفرنسي لشؤون التجارة الخارجية ماتياس فيكل الأسبوع الماضي إنه طلب “توضيحا” من واشنطن حول رفع شروط العقوبات والجدول الزمني لذلك.
ويتعين على مكتب ضبط الأصول الخارجية الذي يشرف على تطبيق العقوبات والتابع لوزارة الخزانة الأميركية، توفير المعلومات.
ويعتقد تيري كوفيل من مركز الأبحاث الفرنسي للدراسات الدولية والاستراتيجية أن واشنطن سعيدة باستمرار حالة عدم اليقين.
وأوضح أنها قد تكون سياسة أميركية مقصودة تريد القول “كونوا حذرين، الوضع معقد… حتى لا يفهم الناس ما يجري ويعتقدوا أن العقوبات لا تزال مفروضة”.
وأضاف “من الناحية القانونية يمكن للبنوك أن تقوم ببعض الأمور” لكنها لا تزال تحتاج إلى “جميع التطمينات الممكنة قبل العودة إلى إيران”.
وأكد “أن ما فعله بنك بي.أن.بي باريبا ليس أمرا غير قانوني في الحقيقة… لكن واشنطن لا تزال لديها سبل للضغط على البنوك… لا أفهم كيف يمكن لمجموعات كبيرة أن تبرم عقودا دون وجود الدعم المالي”.
ويعتقد باسكال دي ليما الخبير في مجموعة “سيل” أن إيران تتيح العديد من الفرص، لكنها لا تزال “بلدا عالي المخاطر بسبب الوضع مع إسرائيل… ثقة البنوك ضعفت بسبب العقوبات على بي.أن.بي باريبا”.
وفي مسعى للطمأنة كشفت باريس الإربعاء عن اتفاق يقدم ضمانات حكومية لدعم الاستثمارات الفرنسية في إيران من خلال شركة “كوفيس” لإدارة الائتمانات، لتغطية مخاطر عدم تسديد المبالغ.
وأكد فيكل أن فرنسا شكلت فرقا من الخبراء في العقوبات تعمل في وزارتي الخزينة والخارجية لمعالجة الأسئلة التي ربما تكون لدى الشركات في ما يتعلق بقانونية عملياتها في إيران.
صحيفة العرب اللندنية