عاد الحديث يدور مجددّا في العراق بشأن إجراء “تغيير سياسي”، وذلك مع دخول البلد منعطفا خطرا من التعقيدات الأمنية والاقتصادية التي باتت تمثّل تهديدا جديا لكيان الدولة.
ويشمل التغيير وفق بعض المصادر إقالة رئيس الوزراء حيدر العبادي من رئاسة الحكومة وتعيين شخصية أخرى “أكثر صرامة” تنتمي إلى نفس عائلة الأحزاب الشيعية التي ينتمي إليها العبادي نفسه.
وتوقّع نائب بالبرلمان العراقي أن تتدخل المرجعية الشيعية العليا لإجراء تغيير سياسي في التحالف الوطني “وتأتي بقيادات كفؤة لقيادة العراق”.
ومن جانبه اعتبر رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم أنّ قرار مرجعية النجف الذي أعلنته الجمعة الماضية بالامتناع عن الخوض في الشأن السياسي، دليل على امتعاضها من عدم قدرة الحكومة على التماشـي مع “طمـوح” المـرجعيـة في الإصـلاح.
ويتكوّن التحالف الوطني من أحزاب شيعية مشاركة في السلطة أبرزها حزب الدعوة الذي يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وينتمي إليه رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي.
ولا تنفصل خلفيات الدعوة إلى إقالة العبادي عن ضغوط كبار أصحاب النفوذ من السياسيين الشيعة وقادة الميليشيات.
وتربط مصادر عراقية عودة الحديث عن إقالة العبادي باستجابة الأخير للضغوط الأميركية لأجل تحجيم دور ميليشيات الحشد الشعبي في الحرب ضدّ داعش تمهيدا لحلّها.
وترتبط الميليشيات في العراق بشكل وثيق بقادة سياسيين وتعتبر أذرعا ضاربة لهم وضامنة لمكانتهم وحامية لهم من المحاسبة في قضايا الفساد.
وكانت مصادر عراقية قد أشارت إلى موافقة رئيس الوزراء حيدر العبادي على طلب أميركي بحلّ الحشد الشعبي وتسليم أسلحته للدولة.
وبحسب مصادر على اطلاع على كواليس التحالف الوطني، فإن من ضمن الأسباب التي تدفع شخصيات في التحالف لتسريع جهود إسقاط العبادي من رئاسة الحكومة هو مشروع التعديل الوزاري الذي عرضه على مقرّبين منه متضمّنا إقالة شخصيات قيادية في الأحزاب الدينية من مناصبها الوزارية بسبب عدم الكفاءة وعلى رأس هؤلاء وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، نظرا لفشل وزارته في استقطاب الدعم الإقليمي والدولي للعراق في مرحلته العصيبة الراهنة، ووزير الداخلية محمّد سالم الغبّان، على خلفية انتشار الفوضى الأمنية واستفحال ظاهرة العصابات المنظمة وتعدّد حالات السطو المسلّح وجرائم القتل والاختطاف.
وفسّرت ذات المصادر إعلان المرجع الديني علي السيستاني الجمعة الماضية على لسان المتحدث باسمه أحمد الصافي الامتناع مستقبلا عن التدخل في الشأن السياسي بأنّه رفع للغطاء الذي كانت وفّرته المرجعية لرئيس الوزراء حيدر العبادي لتمرير حزمة إصلاحاته التي أعلن عنها الصيف الماضي مع اشتداد موجة الاحتجاج على تردي أوضاع البلاد واستشراء الفساد.
ويسهّل رفع الغطاء الديني عن رئيس الوزراء على خصومه السياسيين ومنافسيه على منصبه من أبناء عائلته السياسية إقالته.
وأكّدت المصادر ذاتها أن المرجعية الشيعية العليا غاضبة من العبادي لاستجابته للضغوط الأميركية لأجل تحجيم دور الحشد الشعبي الذي كان أنشئ بفعل فتوى أصدرتها المرجعية ذاتها تحت اسم فتوى الجهاد الكفائي.
كما أكّدت انطلاق حراك سياسي تقوده قيادات شيعية لعزل العبادي وتشكيل “حكومة إنقاذ” يرأسها عمار الحكيم.
وعلى الطرف الآخر تبدي قوى سياسية عراقية تخوّفها الشديد من اشتعال المنافسة مجدّدا داخل الأحزاب الشيعية على منصب رئيس الوزراء، بالتزامن مع الأوضاع الخطرة التي تعيشها البلاد، وخصوصا على الصعيدين الأمني والاقتصادي.
ونقلت وسائل إعلام محلية عراقية عن النائب عبدالعظيم عجمان قوله إن “العراق خلال الشهرين أو الثلاثة القادمة سيمر بوضع صعب جدا نتمنى أن لا يأتي”، موضّحا “من خلال متابعتي واتصالاتي بالسفارات والقوى الوطنية الداخلية والخارجية أرى أن الأفق مسدود، وهناك الكثير من المعاناة وخاصة بفعل الأزمة المالية التي ستعرّض البلد إلى تحدّ كبير جدا”.
وأضاف النائب الذي نقل عنه موقع السومرية الإخباري أنّ “ما سيحدث هو تغيير وضع معين في البلاد يتطلب من المرجعية وقفة جادة وقوية لتماسك لحمة الشعب العراقي، وأن المرجعية سحبت نفسها لتعود مرة أخرى في هـذا المـوقـف الصعـب وقـد تتدخل مستقبلا لتغييـر سياسي فـي التحالف الوطني وتأتي بقيـادات كفـؤة لقيـادة العراق”.
صحيفة العرب اللندنية