بدأ الكثير من الإيرانيين يشعرون بأن توقعاتهم من الانتخابات المقبلة ستكون أوهاما، وبدأوا يفقدون الأمل في رئيسهم صاحب النهج البراغماتي وفي ما وعد به من مجتمع يسوده المزيد من الحريات.
وستشهد الانتخابات البرلمانية التي ستجري يوم 26 فبراير الجاري محاولة المرشحين الإصلاحيين الذين يؤيدون الرئيس حسن روحاني بصفة عامة انتزاع الأغلبية من المحافظين المتشددين في البرلمان المكون من 290 مقعدا. وستكون الانتخابات اختبارا للتأييد الشعبي لروحاني نفسه قبل الانتخابات الرئاسية التي تجري في العام المقبل.
ورغم أن الانتخابات قد لا يكون لها تأثير على السياسة الخارجية التي يرسم خطوطها الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي فقد يقوي انتخاب برلمان إصلاحي نفوذ روحاني في دفع الإصلاحات الاقتصادية لتحقيق انفتاح البلاد أمام الاستثمار الأجنبي والتجارة الخارجية.
هذا وستشهد انتخابات 26 فبراير أيضا تصويت الناخبين لاختيار أعضاء مجلس الخبراء وهو هيئة دينية يمكن أن تلعب دورا محوريا في تحديد المسار المستقبلي لإيران في السياسات الداخلية والخارجية، إذ ستقع عليه مهمة اختيار خليفة لخامنئي البالغ من العمر 76 عاما.
تراجع الرهان على روحاني
كان روحاني قد فاز في انتخابات الرئاسة عام 2013 بفضل دعم الكثير من النساء والشباب الذين شجعتهم تصريحاته عن استحقاق الإيرانيين للعيش في بلد حر وتمتعهم بما تتمتع به شعوب أخرى في مختلف أنحاء العالم من حقوق. ويلعب الرئيس روحاني اليوم على استثمار نجاح مساعيه في رفع العقوبات بعد عامين من المفاوضات النووية مع “مجموعة الخمسة زائد واحد”.
ولكن وبالعودة إلى واقع الأمور فإنه من غير المرجح أن يلمس معظم الإيرانيين الآثار الإيجابية لهذه الخطوة على المدى القريب ولا سيما في الفترة التي ستسبق موعد الانتخابات أواخر الشهر الجاري. ذلك أن الطابع المعقد لنظام العقوبات والنظام البنكي الدولي سيعيقان حتما، حسب المراقبين، سرعة بلورة النتائج التي يراهن عليها الرئيس الإيراني لكسب ثقة الجماهير.
وعليه فإنه من المنتظر حسب المتابعين أن يستغل معارضو روحاني بطء تفعيل الوعود بعد رفع العقوبات لاتهامه بعدم الكفاءة والمبالغة في الربط بين الاقتصاد الجيد والتسوية النووية التي تم توظيفها على أكثر من مستوى وفي أكثر من مناسبة.
وقال سيتاره خريج الجامعة في مدينة راشت الشمالية “لن أقع في نفس الخطأ مرتين. قررت عدم الإدلاء بصوتي. صوت لروحاني، فهل استطاع تحسين وضعي؟ لا لم يحدث”.
كان أنصار روحاني يأملون أن يؤدي فوزه في الانتخابات إلى تغيير اجتماعي في إيران التي تتمتع فيها النساء بحقوق أقل من الرجال في مجالات منها ما يتعلق بالميراث والطلاق وحضانة الأطفال، كما تفرض عليهن قيود في السفر وارتداء الملابس وتطبيق الشريعة الإسلامية شرطة خاصة مهمتها الحفاظ على الآداب والأخلاقيات.
روحاني بحصوله على موافقة خامنئي على الاتفاق النووي استنفد رصيده السياسي لدى الزعيم الأعلى
والآن يبذل روحاني وحلفاؤه المعتدلون جهودا كبيرة لحشد اثنين من قواعد التأييد الرئيسية لهم وهما النساء والشباب. ولم تتحقق وعود الرئيس بتخفيف القيود على الإنترنت. ولا تزال وسائل التواصل الاجتماعي مغلقة من الناحية الرسمية، وذلك رغم أن لكل من روحاني وخامنئي حسابا على تويتر.
وكان هذا الأمر محل شكوى خاصة من الشباب دون سن الثلاثين الذين يمثلون أكثر من ثلثي سكان إيران البالغ عددهم 78 مليون نسمة، وكل هؤلاء الشبان ولدوا بعد قيام الثورة الإسلامية التي أطاحت بحكم الشاه المدعوم من الولايات المتحدة عام 1979.
وقال مهندس عمره 27 عاما رفض ذكر اسمه “لن أدلي بصوتي. ما فائدة التصويت؟ آمالي تحطمت”.
ويتهم الخصوم المتشددون روحاني بأنه يشجع على المزيد من الانحلال الأخلاقي في المجتمع بمناداته بالتساهل الاجتماعي. ولا يزال الساسة المعتدلون مؤمنين بنظام الدولة الدينية في إيران، لكنهم ينادون بتحسين العلاقات مع الغرب وبالمزيد من حرية التعبير وتخفيف القيود الإسلامية المشددة التي تنظم ارتداء الملابس والاختلاط بين الجنسين.
وقد رفعت العقوبات الدولية الشهر الماضي في ظل اتفاق تم التوصل إليه مع القوى العالمية الست عام 2015، مقابل تقييد البرنامج النووي الإيراني لكن خفض معدل البطالة المرتفع ورفع مستويات المعيشة سيستغرقان وقتا.
وقال الطالب حسيني (17 عاما) الذي يعمل والده عامل بناء في مدينة مشهد إن الساسة المعتدلين أهملوا الفقراء. وأضاف “سأصوت للمرشحين الذي يؤمنون بمبادئ الثورة. فهؤلاء لن ينسوا الناس من أمثال أبي وسيتفهمون آلامنا ومشاكلنا”.
وقد دعا روحاني إلى فرض قيود على مشاركة الدولة في المشروعات وشن حملة للقضاء على الفساد ورفع الكفاءة لإنهاء عزلة إيران الدولية والمساهمة في إنقاذ الاقتصاد. وفتح روحاني الباب أمام الاستثمارات الأجنبية بما في ذلك الشركات الأميركية مجازفا بذلك بمواجهة مع الفصائل المحافظة التي تتمتع بنفوذ كبير وتعارض خططه لفتح الاقتصاد الإيراني أمام العالم خشية تسلل القيم الغربية والنفوذ الغربي.
وقد قال بعض الساسة المؤيدين للإصلاح إن روحاني بحصوله على موافقة خامنئي على الاتفاق النووي استنفد رصيده السياسي لدى الزعيم الأعلى فلم يترك شيئا للإصلاحات الداخلية.
وقال دبلوماسي غربي في طهران “ربما يريد روحاني إحداث بعض التغييرات لكنه ليس بأي حال من الأحوال بالشخصية السياسية المعارضة للمؤسسة الدينية”.
وأضاف “أيا كان الفصيل السياسي الذي سيفوز بالأغلبية في البرلمان فالسلطة النهائية ستظل في يدي السيد خامنئي”.
إيران لم تتخذ خطوات تذكر في سبيل زيادة الحريات السياسية والثقافية إذ ركز الرئيس اهتمامه على التوصل للاتفاق النووي
منظومة حقوقية فاشلة
يقول دعاة حقوق الإنسان إن إيران لم تتخذ خطوات تذكر في سبيل زيادة الحريات السياسية والثقافية إذ ركز الرئيس اهتمامه على التوصل للاتفاق النووي مع القوى العالمية لإنهاء العقوبات الدولية التي عرقلت الاقتصاد. وترفض إيران أي اتهامات بأن سياساتها فيها تمييز ضد النساء وتقول إنها تطبق الشريعة الإسلامية.
علما وأن الصلاحيات التي يمنحها الدستور للرئيس محدودة والسلطة الحقيقية في يدي خامنئي الذي يوجه انتقادات حادة للغرب لاستخدامه النساء كأداة للإعلان عن المنتجات وإشباع “الاحتياجات الجنسية بطرق فوضوية غير شرعية”.
والنساء في إيران يمثلن أكثر من نصف السكان وهن من بين الأفضل تعليما في الشرق الأوسط ويصل معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بينهن إلى 80 في المئة كما أنهن يمثلن أكثر من 50 في المئة من خريجي الجامعات. إلا أن القانون الإيراني يتيح للرجل تطليق زوجته بسهولة أكبر بكثير من قدرة المرأة على الحصول على الطلاق. كما أن القانون يمنح الأب حضانة أطفاله فوق سن السابعة تلقائيا. ويتعين على النساء الحصول على إذن من الرجل للسفر للخارج. كما أن شهادتهن أمام القانون تساوي نصف شهادة الرجل. ورغم أن المرأة لا تستطيع ترشيح نفسها لمنصب الرئيس فبوسعها شغل معظم المناصب الحكومية الأخرى ولها حق التصويت وقيادة السيارات.
وقالت مريم (26 عاما) التي لم تستطع أن تحتفظ بحضانة ابنها ذي الأعوام الثمانية بعد طلاقها في مدينة أصفهان بوسط إيران “ما الذي سيتغير إذا أدليت بصوتي؟ هل يستطيع المرشحون الإصلاحيون منحي حقوقا مساوية للرجل؟”.
وقال تقرير لمقرر الأمم المتحدة الخاص بإيران العام الماضي إن حقوق الإنسان في البلاد “لا تزال في وضع صعب”، في ظل حكم روحاني بينما قالت لجنة تابعة للأمم المتحدة لمراقبة حقوق الطفل هذا الشهر إن البنات يواجهن معاملة تمييزية “في العلاقات الأسرية والنظام القضائي الجنائي وحقوق الملكية العقارية”.
كما أصدرت اللجنة الثالثة للجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة في اجتماعات دورتها الثالثة والسبعين في نوفمبر الماضي قراراً يدين الانتهاك الهمجي والمنظم لحقوق الإنسان في إيران. وأعربت خلاله عن قلقها البالغ إزاء الوتيرة العالية وتنفيذ أحكام الإعدام في ظل غياب منظومات حماية دولية معروفة منها الإعدامات دون إخبار أفراد العائلة أو محامي السجين وكذلك فرض وتنفيذ حكم الإعدام ضد المراهقين والقاصرين الذين كانت أعمارهم حين ارتكاب الجريمة أقل من (18 عاما).
كما طالب القرار النظام الإيراني بوضع حد لجميع أشكال التمييز وغيرها من حالات النقض لحقوق الإنسان ضد النساء والفتيات والأقليات القومية واللسانية والدينية، ووضع حد للقيود المفروضة ضد حرية التعبير عن الرأي والعقيدة وتشكيل جمعيات وتجمعات مسالمة. وفي الأثناء تنفي إيران أي مخالفة لحقوق الإنسان.
وقالت فاريبا خميسي (58 عاما) الموظفة الحكومية المتقاعدة من طهران إنها لن تتخلى عن آمالها في المزيد من التحرر رغم عدم وجود دلائل على التغير الاجتماعي.
وأضافت “بالطبع سأدلي بصوتي في الانتخابات. المشاكل كثيرة مثل الضغوط الاقتصادية والقوانين التي تميز ضد النساء لكن إذا لم ندل بأصواتنا فسيكتسب المحافظون المزيد من السلطات”.