التصريحات المتعاقبة بشأن استعداد السعودية لإرسال قوات برية إلى سوريا أثارت انتباه الجميع وفتحت الباب للتأويلات والتحليلات. وبين التهديد الإيراني والترحيب الأميركي “الغامض” بدت الصورة ملتبسة في ظل تضارب التقديرات لدى المراقبين.
وقد أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال لقاء جمعه بنظيره الأميركي جون كيري استعداد الرياض لإرسال قوات برية إلى سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية إذا قرر التحالف الدولي الإقدام على تلك الخطوة.
تصريحات الجبير جاءت بعد أيام من إعلان مماثل صدر عن العميد أحمد عسيري المستشار بمكتب وزير الدفاع السعودي والمتحدث باسم قوات التحالف العربي في اليمن.
ويرى متابعون أن تصريحات الجبير وعسيري رسالة تسبق مشاركة ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان في اجتماعات بروكسل حيث يلتقي الخميس المقبل وزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) والدول الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة.
رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبد العزيز الصقر ربط بين تصريحات عسيري ومطالب أميركية متكررة لزيادة المشاركة العربية والإسلامية في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة.
وقال الصقر للجزيرة نت إنه خلال زيارات المسؤولين العسكرين الأميركيين للسعودية مؤخرا تم البحث في مدى استمرار الرياض في التحالف لمحاربة التنظيم.
وأضاف “السعودية أكدت لزوارها مرارا أنها لم تنسحب من التحالف وأن عددا من طائراتها الحربية مخصصة للمشاركة” ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
غموض أميركي
إعلان السعودية استعدادها إرسال قوات برية إلى سوريا كشف اضطرابا في موقف واشنطن من الحرب على التنظيم، وفق مراقبين.
فقد قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في قمة دول العشرين التي عقدت في تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إن “من الخطأ إرسال قوات برية لمحاربة داعش، وإن إرسال 50 ألف جندي إلى سوريا لن يحل المشكلة”.
لكن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر رحب بتصريحات عسيري. أما كيري فاكتفى بالترحيب بالتزام المملكة بمحاربة تنظيم الدولة، مشددا على التزامها بالحوار لحل مشكلات المنطقة.
هذا الترحيب الأميركي المرتبك قابلته تهديدات إيرانية وتشكيك روسي بالهدف السعودي من الدخول البري إلى سوريا.
فقد رأى متحدثون إيرانيون أن دخول قوات سعودية إلى سوريا “سيكون بمثابة انتحار”، وشكك آخرون في قدرتها على الإقدام على مثل هذه الخطوة. وقالت موسكو إن إرسال تلك القوات يرمي للإطاحة بنظام الأسد.
ويقول النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي ناصر الدويلة إن التصريحات السعودية رسالة لكنها “تبدو محفوفة بالكثير من المشاكل في بلد صار مستنقعا خطيرا” حيث تتصارع قوى دولية وإقليمية مباشرة أو من وراء حجاب.
ويؤيد اللواء الركن السعودي الدكتور شامي الظاهري ما ذهب إليه الدويلة. وقال في تصريحات للجزيرة نت إن قوى دولية وإقليمية منخرطة في النزاع السوري، مما يجعل التدخل “في هذا المسرح العملياتي الملغوم يكتنفه الكثير من المخاطر والألغام”.
حرب العصابات
ويقترح الظاهري أن تكون “الأولوية القصوى للمملكة هي التركيز على الحرب في اليمن لأنه ورم سرطاني في خاصرتها”.
ولكنه رأى إمكانية “مشاغلة قوات الأسد وداعش بهجمات غير نظامية على شكل حرب عصابات تنفذها القوات المسلحة للمعارضة السورية بمساندة قوات سعودية محدودة”.
ولا يرى الظاهري علاقة بين تصريح عسيري وبين مناورات “رعد الشمال” التي أعلنت السعودية عنها بمشاركة دول عربية وإسلامية والمقرر اختتامها في الخامس من مارس/آذار القادم بحضور ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز.
ويعتقد اللواء الدكتور سعد الشهراني أن التصريحات حملت “رسائل متعددة”، مشيرا إلى أن المملكة قد تشارك بقوات نخبة في جهد دولي واسع لمحاربة تنظيم الدولة على الأرض في سوريا. أما في العراق فتلك قضية أخرى “لأن إيران والحكومة العراقية بتركيبتها الحالية عائقان كبيران بل مولدان بسياساتهما للإرهاب”.
ومن الملاحظ أن السياسة السعودية المعروفة بتحفظها بدت في ظل تزايد التهديدات في الإقليم أكثر رغبة في الحركة المباشرة. ويرى البعض أن الرسالة السعودية تحذير قد يتحول لواقع تفرضه المتغيرات.
هيا السهلي
الجزيرة نت