التدخل العسكري في ليبيا: أوروبا قادمة وتونس رافضة والليبيون موافقون

التدخل العسكري في ليبيا: أوروبا قادمة وتونس رافضة والليبيون موافقون

التدخل الغربي في ليبيا

أكد رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر “نفاد صبر” المجتمع الدولي حيال عدم قدرة الأطراف السياسية الليبية على توحيد السلطات، مشيرا إلى أن هذا الأمر يسمح بـ”التوسع العسكري” لجهاديي تنظيم الدولة الإسلامية. وحذر كوبلر في مؤتمر صحافي عقده في تونس من أن تنظيم الدولة الإسلامية يتمدد “نحو الجنوب”، ما يعتبر “خطيرا خصوصا بالنسبة إلى النيجر وتشاد” المجاورتين.

وتعتبر هذه التصريحات في سياق المقدمات الأوروبية لتدخل عسكري في ليبيا تكون نتائجه القضاء على تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية بغرض حماية المصالح الأوروبية وحدودها الجنوبية من الإرهاب والهجرة غير الشرعية. وتأتي هذه النوايا الأوروبية في ظل موافقة ليبية خجولة ومعارضة تونسية واضحة لأي عمل عسكري خارج عن الأطراف الليبية.

أوروبا: نحن قادمون

في الوقت الذي تعلن فيه الأمم المتحدة عن قلقها من بطء مسار التسوية السياسية في ليبيا، بدأ وزراء خارجية عدة دول أوروبية مشاورات في روما لبحث استراتيجيات مكافحة تنظيم داعش. ووصل الأسبوع الماضي إلى العاصمة الإيطالية ممثلون من 23 دولة ومن الاتحاد الأوروبي. ومن بين الدول المشاركة إلى جانب الدولة المضيفة إيطاليا كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى دول متضررة من الإرهاب، مثل العراق ومصر. ويعتزم المشاركون في الاجتماع مناقشة التحديات والاستراتيجيات المستقبلية في مكافحة داعش، وذلك في ضوء انتشار التنظيم في دول مثل ليبيا. وتقول تقارير صحافية أوروبية إن الدول المطلة من سواحلها الجنوبية على البحر الأبيض المتوسط تعد أكثر الدول التي تسعى إلى التحرك في اتجاه تدخل عسكري حاسم، يتم تتويجه بحكومة ليبية موحدة تقوم ببسط النفوذ الرسمي على كافة الأراضي الليبية وبقوة عسكرية قادرة على التحكم في المجال الأمني. إذ تبدو العديد من الدول متحمسة للتدخّل العسكري في ليبيا، وخصوصا فرنسا وإيطاليا، اللتين تتخوفان من اقتراب خطر التنظيم إلى حدودهما في حال استمرار توسعه في الأراضي الليبية، في حين تبدي الولايات المتحدة وكذلك روسيا موقفا مغايرا.

الاتحاد الأوروبي بكامله جاهز لأي احتمال عسكري وفي أي توقيت فأوروبا تعيش خطرا مشتركا وهو وجود داعش بالقرب من سواحلها الجنوبية

وقد أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن الدول التي يستهدفها “داعش” ربما تضطر قريبا للإسراع “بسحق التنظيم في ليبيا”، مضيفا أنه “كلما طال غياب حكومة وحدة وطنية أصبح أسهل لتنظيم داعش الترسخ في ليبيا”. وأكد فالس لإذاعة أوروبا 1 “نحن نعيش مع التهديد الإرهابي، ولدينا عدو مشترك هو داعش ينبغي أن نهزمه وندمره في العراق وسوريا وليبيا”. مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي بكامله جاهز لأي احتمال عسكري وفي أي توقيت.

وفي السياق، كشفت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية في تقرير لها، عن استعدادات بريطانية للتدخّل العسكري في ليبيا، لمواجهة زيادة خطر التنظيم، وبذلك تظهر ملامح توزع المواقف في العالم حسب تطورات الأحداث، حيث تتجه المصالح الأوروبية إلى التكتل من ناحية، بالتواز مع مساع أميركية إلى قطع الطريق أمام تدخل روسي محتمل في ليبيا لغرض القضاء على داعش. ويؤكد مراقبون أن الأوروبيين جادون في مساعيهم العسكرية نظرا للخطر الفعلي المحدق بحدود القارة العجوز الجنوبية، أما الأميركان والروس فلهم حسابات خاصة تخصهم على مستوى بسط النفوذ في العالم. وتجدر الإشارة إلى أن بعض دول التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش تشارك منذ نهاية عام 2014 في شن غارات جوية على مواقع التنظيم في سوريا والعراق. وكشفت وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي في وقت سابق عن إطلاق بلادها “مهمة أمنية” منذ عام في البحر المتوسط “لحماية مصالحها” في ليبيا. وأضافت بينوتي في تصريحات لمحطة “راديو 24” الأربعاء الماضي أن إيطاليا قامت بتدشين مهمة أطلقت عليها اسم “ماري سيكورو” أو “البحر الآمن” مضيفة “قررنا مع البرلمان القيام بمهمة في البحر المتوسط وهي بعثة أمنية”. وأوضحت بيونتي قائلة “عمال شركة (إيني) ومنشآتها في ليبيا محميون”، بحسب ما ذكرته وكالة أنسا ميد الإيطالية للأنباء.

وتابعت وزيرة الدفاع “اتخذنا هذا القرار منذ عام بسبب الوضع في ليبيا الذي بات أكثر خطورة من أي وقت مضى، وبسبب الوضع على السواحل الأفريقية بشكل عام الذي يتدهور إلى الأسوأ”. وقالت “لدينا عدد كبير من السفن الحربية في المتوسط، بينها غواصات”. وأضافت “فعلنا ذلك لنكون قادرين على الدفاع عن منصاتنا حال تعرضها لهجوم على غرار قدرتنا على الدفاع عن قوارب الصيد الإيطالية، فنحن موجودون في البحر لحماية إيطاليا”.

الليبيون: أهلا بالتدخل العسكري

يخلو المشهد السياسي الليبي من مواقف رسمية واضحة تجاه التدخل العسكري الذي تتأهب له أغلب القوى الدولية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي للقضاء على تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية في ليبيا والذي استحوذ بالكامل على عدد من المناطق الهامة من بينها مدينة سرت الاستراتيجية.

ولكن رغم افتقاد الرأي العام الليبي والعربي والدولي إلى مواقف واضحة حول هذا التدخل، لأي طرف من أطراف النزاع الليبي، إلا أن عددا من المسؤولين يصرح بين الحين والآخر بأن ليبيا تحتاج إلى هذا التدخل وبشكل ملح.

فبعد أن أعلنت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا في أغسطس الماضي عن ترحيبها بالقرار الصادر عن الجامعة العربية بتدعيم الجيش الليبي وتسليحه، أكد قائد الجيش الليبي خليفة حفتر أنه “على القوى المجاورة لليبيا التدخل عسكريا لتخليص البلاد من داعش الذي يتمدد في مناطق عديدة”، وأكد مراقبون أن القصد من تصريح حفتر هو الدفع نحو السماح لقوات مصرية بالدخول إلى ليبيا وقصف عدد من المواقع التابعة لما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية.

ويرى مسؤولون في ليبيا أن الخطوة الأولى نحو الاستقرار ستكون تشكيل حكومة وحدة في طرابلس قبل الانتقال إلى بناء جيش وطني لحماية ليبيا. ولكن وحتى إذا تأسست حكومة جديدة، فإن عملية إبرام وقف لإطلاق النار وتحقيق التعاون بين الفصائل المسلحة القوية بهدف بناء جيش ليبي جديد ستكون خطوة معقدة. غير أن كل تلك المشاكل تهون أمام تغول واستفحال تنظيم الدولة وتهديده للكيان الليبي ككل.

ومن خلال هذه المقاربة، تسعى بعض القوى الداخلية الليبية إلى حسم الحرب ضد تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية وتكثيف الهجمات ضده بطريقة يكون معها الحل السياسي بين الحكومات متوازيا مع العمليات العسكرية ضد داعش. ورغم أن عددا من الأطراف الدولية ومن بينها الجامعة العربية، ترفض تدخلا بريا واسعا في هذه المعركة، إلا أنها تتناغم مع الأصوات الداخلية الليبية في أن حلا عسكريا مستعجلا أصبح أمرا ملحا في الفترة القادمة.

بالتوازي مع تشكيل حكومة وطنية ليبية بقيادة فائز السراج، فإن العمليات العسكرية سوف تبدأ في ذلك التوقيت بالذات

ولا يمكن تحديد مواقف واضحة من الشقين المتصارعين في ليبيا، سواء الشق المسلح الذي يقوده خليفة حفتر في الشرق والذي يدعمه برلمان طبرق، أو الشق المسلح الذي يسمي نفسه فجر ليبيا المسيطر على طرابس والذي يغذيه الإسلاميون بالمال والسلاح، فكل من هذين الشقين يحتوي على مواقف تدعم التدخل العسكري الخارجي ومن ضمنهما من يتحفظ على هذا التدخل. لكن الملاحظ في المجمل أن عددا من الوسطاء والذين لهم علاقات مع جهات إقليمية ودولية يدفعون في اتجاه الحسم العسكري الخارجي ضد داعش وفق التكتلات الإقليمية والدولية.

وتتوقع آراء خبراء أنه بالتوازي مع تشكيل حكومة توافق عامة وطنية ليبية بقيادة رئيس الوزراء المكلف فائز السراج، فإن العمليات العسكرية سوف تبدأ في ذلك التوقيت بالذات، مما يشير إلى تنسيق بين السراج وعدد من الفرقاء والأحزاب الليبية وعدد من الدول الأوروبية والمنتظم الأممي في التحضير لعملية عسكرية، وهذا التحليل يعد الأرجح في ظل تصاعد الضغط الأوروبي على ضرورة القضاء على تنظيم داعش في ليبيا لحماية مصالحها وحدودها الساحلية على البحر الأبيض المتوسط، وفي ظل هشاشة الوضع الأمني في ليبيا التي بدأت في الاقتراب من حالة شبيهة بالحالة العراقية في التقسيم الواضح بين منطقة يسيطر عليها داعش ومناطق تسيطر عليها ميليشيات تابعة لقوى متصارعة في ما بينها، في وضع سياسي وأمني يتسم بغياب تام لأي دور حكومي رسمي وسيادي.

التونسيون يراهنون على الحل بالتقادم

أبدت تونس قلقها من تدخل عسكري أجنبي في ليبيا، وذلك على لسان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي أكد أنه على الدول التي تفكر في التدخل العسكري في طرابلس مراعاة مصالح الدول المجاورة وفي مقدمتها تونس، وعليها أن “تتشاور معنا في هذا الخصوص لأن ما يفيدها قد يسيء لتونس”.

وتأتي هذه التصريحات في وقت دعا فيه البرلمان الأوروبي إلى تشكيل تحالف دولي من أجل مواجهة تنظيم داعش في ليبيا. وأكد السبسي أنه على كل دولة مجاورة لليبيا ألا تفكر في أن الحل لديها على حدة، وأفاد الباجي قائد السبسي بأنه بعد تواتر الأخبار بخصوص اقتراب شن تدخلات عسكرية في ليبيا توافد عدد كبير من الليبيين على تونس، لافتا إلى أن استمرار حالة الاضطراب في ليبيا يمثل عامل تهديد مباشر لأمن تونس وعامل إرباك جدي لاقتصادها.

وبين السبسي أن تونس التي تظل الدولة الأكثر عرضة لتداعيات الأزمة في ليبيا، لا ترى أفقا لحل الأزمة خارج تنفيذ الاتفاق السياسي والإسراع بالمصادقة على حكومة الوفاق الوطني وتجند المجموعة الدولية وفي طليعتها دول الجوار لإسناد جهود هذه الحكومة في ممارسة سلطاتها وبسط الأمن وإعادة بناء مؤسسات الدولة وتلبية احتياجات الشعب الليبي.

وفي السياق ذاته، التقى وزير الخارجية خميس الجهيناوي في الأيام الماضية مارتن كوبلر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وشدّد الجانب التونسي على ضرورة التشاور المسبق بخصوص إمكانية تدخل عسكري أجنبي ضد المنظمات الإرهابية اعتبارا لانعكاساته المتوقعة على كامل المنطقة. وجاء في بلاغ لوزارة الخارجية أن اللقاء تناول استعراض الأوضاع في ليبيا ومدى التقدم الحاصل في مفاوضات الحوار السياسي الليبي والترتيبات الأمنية لتركيز حكومة الوفاق الوطني في العاصمة الليبية.

وأكد الوزير على أهمية مواصلة التشاور والتنسيق بين البعثة الأممية وتونس “اعتبارا لتداعيات الأوضاع في ليبيا على بلادنا”. وفي انتظار ما ستكشفه الساعات القادمة بخصوص الشأن الليبي، حذر عدد من المراقبين للشأن السياسي الوطني والمغاربي من خطورة تداعيات مجريات الأحداث على تونس لا سيّما أن ليبيا هي المجال الحيوي أو“الحديقة الخلفية” لتونس.

تونس تعارض أي تدخل بري أجنبي في ليبيا فتسلل الإرهابيين من الأراضي الليبية يمثل تهديدا دائما لأمن البلاد

ويرى البعض أن نجاح المسار الانتقالي في تونس رهين تطورات الوضع في طرابلس، كما نبهت بعض القراءات الحكومة التونسية إلى ضرورة مراقبة الوضع عن كثب، منبهة إلى أنه يتوجب على تونس الاستعداد للانعكاسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية لأن الوضع مفتوح على كل الاتجاهات والاحتمالات. وقد أعرب عدد من المحللين عن تخوفهم من أن يؤدي الانفلات الأمني في ليبيا إلى تدفق السلاح إلى تونس.

وفي السياق، قال وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني إن تونس “تعارض أي تدخل بري أجنبي في ليبيا”، مضيفا أن تسلل الإرهابيين من الأراضي الليبية “يمثل تهديدا دائما” لبلاده. وجاء تصريح وزير الدفاع في معرض تفقده للمرحلة الأولى من مشروع مراقبة الحدود مع ليبيا، الذي أعلنت عنه الحكومة التونسية بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة، ويغطي 196 كيلومترا من الحدود الليبية التونسية. ويشمل المشروع أنظمة رادار متطورة، إضافة إلى حزام من الأسلاك الشائكة وخنادق تغمرها المياه.

وقال الحرشاني إنه لابد من وجود حكومة ليبية تكون مقبولة من كل الأطراف الليبية، مضيفا أن بلاده تعارض أي تدخل أجنبي بري في ليبيا، وأن على الليبين قتال داعش بأنفسهم من المؤكد أنه “يجب أن تكون هناك حكومة ليبية مقبولة من كافة الأطراف، وعلينا أن نساعد هذه الحكومة وندعمها عسكريا، وعلى هذه الحكومة أن تطلب الدعم والتدخل الأجنبي، وإذا كان لابد من القتال البري فإنه يجب أن يتم من قبل الليبيين أنفسهم فنحن نرفض التدخل البري الأجنبي”.

صحيفة العرب اللندنية