تنظيم الدولة على الشواطئ الليبية يحفِّز التدخل الدولي

تنظيم الدولة على الشواطئ الليبية يحفِّز التدخل الدولي

201621082058881734_8

ملخص:
تواجه ليبيا بعد أربع سنوات من الإطاحة بنظام القذافي انهيارًا نتيجة تحديات سياسية وأمنية وأزمات اقتصادية جعلتها قبلةً لتنظيم الدولة، حيث أصبحت القضية الليبية مثار جدل في المحافل الدولية. وتتعثر المساعي الأممية في إيجاد حل نهائي لأزمة الانقسام السياسي والصراعات العسكرية التي تعصف بالبلاد حتى اللحظة، لاسيما بعد رفض مجلس النواب الليبي المنحل تشكيلة حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن اتفاق الصخيرات برعاية الأمم المتحدة وانقسام المؤتمر الوطني العام في طرابلس بشأن ذلك الاتفاق.

وفي مثل هذه الظروف، وجد تنظيم الدولة في البيئة الليبية أرضًا خصبة للنمو والتمدد؛ الأمر الذي أثار فزع الغرب ولاسيما دول الاتحاد الأوروبي التي باتت على بُعد ثلاثمائة كيلو متر فقط من معقل تنظيم الدولة على الشواطئ الليبية؛ حيث تفاقم القلق الغربي بعد الهجمات المتكررة التي شنَّها التنظيم على حقول وموانئ النفط في محاولة للسيطرة على منطقة الهلال النفطي التي تضم أربعة موانئ رئيسية بما فيها ميناء السدرة أكبر ميناء نفطي في ليبيا. وتُزوِّد تلك الموانئ الدول الغربية -صاحبة العقود الدائمة لاستخراج وتسويق النفط الليبي- كالولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة.

باتت نيَّة التحالف الدولي للتدخل عسكريًّا في ليبيا تحت شعار “محاربة الإرهاب” مُعلنة، خاصة بعد تصريح وزيرة الدفاع الإيطالية “روبرتا بينوتي”، في الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني 2016، أن التحالف سيمضي قُدمًا في محاربة تنظيم الدولة في ليبيا رغم تأخر تشكيل حكومة الوفاق الوطني الليبية، مع السعي لأن يكون التدخل بناء على طلب من السلطات الليبية، لكي لا يبدو غزوًا غربيًّا كما يسوِّق لذلك التنظيم، حسب قول بينوتي، التي أكَّدت أن إيطاليا أرسلت مؤخرًا طائرات حربية إلى قاعدة “تراباني” الجوية في جزيرة سيسيليا الإيطالية، إضافة إلى وجود قوات بحرية إيطالية منتشرة في البحر المتوسط(1).

مقدمات التدخل تلوح في الأفق

بالنظر إلى تصريحات مسؤولين أوروبيين وأميركيين خلال الأسابيع القليلة الماضية يوجد توجه لتهيئة الرأي العام الغربي لصراع وشيك؛ حيث نقل موقع وزارة الدفاع الأميركية عن رئيس الأركان المشتركة للجيش الأميركي، الجنرال “جوزيف دنفورد”، أن الحاجة أصبحت مُلحَّة لاتخاذ قرار حاسم لمحاربة تنظيم الدولة في ليبيا. وهو التصريح الذي جاء عقب لقائه مع نظيره الفرنسي في الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني 2016. واعتبر دنفورد أن “هناك خشية من أن تُصبح ليبيا منطلقًا لقيام تنظيم الدولة بأنشطة أخرى في إفريقيا”(2). وتعتزم فرنسا -العضو الفعَّال في التحالف الدولي في الحرب على تنظيم الدولة، نشر 3500 من أفراد قواتها لينضموا إلى 3500 آخرين منتشرين في منطقة الصحراء الكبرى بشمال إفريقيا، فضلًا عن قواعدها العسكرية هناك وطائراتها بدون طيار(3).

وخلال العامين الماضيين لم يكد يتوقف صوت الطائرات بدون طيار التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي لجمع معلومات استخباراتية عن عمليات التهريب، واستطلاع المواقع العسكرية على طول الساحل الليبي. بل استهدفت غارات جوية أميركية قيادات التنظيم في ليبيا أكثر من مرة، وكان آخرها الغارة التي قُتل فيها أبو نبيل الأنباري، زعيم تنظيم الدولة في مدينة درنة بشرقي ليبيا، في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حسبما صرَّحت وزارة الدفاع الأميركية آنذاك(4). وفي يونيو/حزيران 2015، أعلن البنتاغون مقتل مختار بلمختار في غارة نفَّذتها طائرة أميركية بدون طيار في مدينة أجدابيا الساحلية بوسط ليبيا. ورغم أن حكومة عبد الله الثني المنبثقة عن برلمان طبرق المنحل بشرقي ليبيا أكَّدت الخبر في بيان لها، إلا أن مواقع جهادية نشرت بيانًا قالت إنه منسوب لما يُعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ينفي فيه مقتل بلمختار.

وفي سياق الإعداد العسكري، أشار موقع وزارة الدفاع الأميركية إلى وجود “مفرزة من القوات الأميركية على الأرض في ليبيا بغرض التواصل مع قوات ليبية والانخراط معها في استعدادات عسكرية”(5) في مسعى أميركي للإحاطة بخريطة القوى العسكرية على الأرض. وقد شوهد أفراد المارينز الأميركيين في قاعدة الوطية الجوية (170 كيلومترًا جنوب غرب العاصمة طرابلس) في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ويسيطر على القاعدة قوات من غرب ليبيا تُعرف باسم جيش القبائل، وهي موالية لمجلس النواب المنحل المنعقد في طبرق. كما تم إرسال عناصر كوماندوز أميركية وبريطانية (قوات خاصة) إلى ليبيا بغرض المراقبة وجمع معلومات استخباراتية(6).

محفِّزات التدخل: السيطرة على سرت ومنظومات طيران

يقوم تنظيم الدولة في ليبيا بعمليات عديدة تحفز التدخل الخارجي لوقف تمدده؛ حيث استهدف يوم السابع من يناير/كانون الثاني 2016 في مدينة زليتن (150 كيلومترًا شرقي العاصمة الليبية طرابلس) معسكر تدريب للشرطة أثناء تجمُّع متدربين تابعين لجهاز خفر السواحل. بالإضافة إلى البوابة الشرقية لبلدة رأس لانوف بمنطقة الهلال النفطي حيث يتواجد حرس المنشآت النفطية. وقد جاءت عملية رأس لانوف في سياق الصراع المستعر في منطقة الهلال النفطي عقب الهجوم الذي شنَّه التنظيم، في الرابع من يناير/كانون الثاني، مطلع العام على مينائي السدرة ورأس لانوف النفطيين على بعد مائة وثمانين كيلومترًا شرقي مدينة سرت. وإضافة إلى الخسائر البشرية في صفوف حرس المنشآت النفطية، أدَّت المواجهات المسلحة بين الطرفين إلى اشتعال النيران في خزانات النفط بعد أن سيطر التنظيم على بلدة ابن جواد الواقعة غربي ميناء السدرة بثلاثين كيلومترًا وبخمسة وثلاثين كيلومترًا شرقي بلدة النوفلية -المعقل الثاني للتنظيم بعد مدينة سرت-. ونشر التنظيم آنذاك صورًا لأربعة من منفذي الاقتحام الأول لميناء السدرة، ثلاثة منهم من ذوي البشرة السمراء، وهذا يدل على صلة التنظيم وتواصله مع الجماعات المسلحة في إفريقيا.

لم يكن الهجوم على منشآت نفطية بجديد، ففي نهاية عام 2014 وبداية 2015 شَنَّ التنظيم هجمات قُتل فيها ليبيون وأجانب أبرزها الهجوم على حقول النفط كحقل الواحة والمبروك والباهي بوسط ليبيا. وخلال الفترة ذاتها هاجم عددًا من البوابات الأمنية الواقعة بين مدينتي سرت ومصراتة، وبين مصراتة وطرابلس، وجنوبًا على الطريق المؤدي إلى مدينة سبها.

سرت، مسقط رأس معمر القذافي، وفيها قُتل على يد الثوار عام 2011، وكانت آخر المدن التي حرَّرها الثوار من قبضة كتائب القذافي آنذاك. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تبسط أي من الحكومات الانتقالية المتعاقبة سيطرتها على المدينة التي تبعد عن العاصمة طرابلس حوالي 450 كيلومترًا. واكتفت رئاسة الأركان بإرسال كتائب مسلحة للتمركز في معسكرات حول المدينة. وسكان سرت خليط من قبائل الفرجان والقذاذفة والمعدان وورفلة والعمامرة وقبائل من مصراتة، وكان كثير منهم مؤيدين لنظام القذافي ومستفيدين منه، خاصة في الوظائف والخدمات التي حظيت بها المدينة. وقد أصبحت جاذبة وحاضنة لعناصر تنظيم الدولة من كل حدب وصوب مستغلين الفوضى والانفلات الأمني في البلاد بعد تفاقم الصراعات المسلحة التي أعقبت انطلاق عملية الكرامة العسكرية بقيادة اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، عام 2014. وفي نهاية عام 2014 أصبحت سرت أهم معاقل التنظيم ليس في ليبيا فحسب، بل في شمال إفريقيا قاطبةً.

استقوى التنظيم هناك بأبناء المدينة العائدين إليها مؤخرًا، والذين كانوا ضمن كتائب القذافي وفرُّوا منها حين دخلها الثوار، عام 2011، وفقًا لما ذكره قادة ميدانيون تابعون لرئاسة أركان المؤتمر الوطني العام. وتوحدت أهداف هؤلاء العائدين مع أهداف التنظيم، وهي القضاء على القوى الموجودة في ليبيا ما بعد القذافي. أمَّا قبائل سرت فبعضها رضي مُرغمًا بوجود التنظيم وسطوته، وبعضهم الآخر استحسن وجوده فيها لأنه من جانب يضم بعض أبنائهم ومن جانب آخر يضمن لهم عدم وقوعهم مجددًا تحت سيطرة من أفسدوا عليهم امتيازاتهم إبَّان عهد القذافي.

اشتد عود التنظيم بعد انضمام المهاجرين (المقاتلين الأجانب وأغلبهم من تونس والجزائر والمغرب والعراق واليمن ومصر والسودان ودول إفريقية أخرى)؛ حيث وجهت قيادات التنظيم في ليبيا دعوة لأتباعه الأجانب للتوجه إلى ليبيا عملًا بشعار “باقية وتتمدد”، مستغلين الفراغ الأمني على الحدود وعمليات تهريب البشر عبر الصحراء والشواطئ الليبية. ويتضح ذلك جليًّا من خلال تصريحات مصورة كتصريح أبي محمد الأنصاري، وهو من قيادات التنظيم في ليبيا الذي يدعو من يصفهم بـ”المجاهدين” إلى الهجرة إلى ليبيا، والانضمام إلى صفوف الدولة الإسلامية. ويتراوح عدد أفراد التنظيم في ليبيا بين 2000 إلى 3000، حسبما ذكر تقرير أمني صادر عن مجلس الأمن بالأمم المتحدة في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي(7)، بعد انضمام مئات المقاتلين الأجانب الذين ثبَّتوا أقدامهم في ليبيا، خاصة بعد تكثيف التحالف الدولي وبريطانيا وفرنسا وروسيا ضرباتهم الجوية ضد معاقله في مدينة الرِّقَّة ومناطق أخرى داخل الأراضي السورية.

تابعت المنظمات الغربية التطورات الخاصة بتمدد تنظيم الدولة، وبثَّت رسائل عبر وسائل الإعلام الغربية تفيد بأن التنظيم من معقله الجديد بمدينة سرت الساحلية يوجَّه أنظاره نحو أوروبا، بعد أن بات على بُعد ثلاثمائة كيلو متر فقط من شواطئها. ومن بين تلك الرسائل نشر معلومات تؤكد إقدام تنظيم الدولة في سرت منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي على تدريب عناصره على قيادة الطائرات المدنية من خلال غرفة ملاحة جوية تحاكي قُمرة القيادة في الطائرات المدنية(8). وهو ما يطرح التساؤل حول كيفية حصول التنظيم على هذه التقنية. فالتنظيم يسيطر على قاعدة القرضابية الجوية بالكامل في سرت منذ يونيو/حزيران الماضي بعد انسحاب الكتيبة 166 التي كلَّفتها رئاسة أركان المؤتمر الوطني العام باستعادة السيطرة على مؤسسات الدولة التي سقطت في قبضة التنظيم هناك.

وأرجع قادة الكتيبة الانسحاب لنقص الدعم المقدَّم لها فضلًا عن سقوط كثير من أفرادها خلال المواجهات مع التنظيم، بل إن غالبيتهم قُتلوا جرَّاء عمليات التنظيم النوعية التي اصطادتهم تباعًا من خلال المباغتة واقتحام معسكراتهم ليلًا وزرع الألغام وتنفيذ الهجمات الانتحارية بسيارات ملغمة.

أصبحت أوروبا ضمن هذا الوضع الميداني في نطاق الأهداف المحتملة للتنظيم -طبقًا لتقييم أمني أعدَّته مؤسسة كويليام للأبحاث؛ حيث سيطر التنظيم حاليًا على طائرات ومنظومات طيران خلَّفها نظام القذافي في القاعدة الجوية. كما أن تحصُّنه بين الأحياء السكنية صعَّب محاولات استهدافه منفردًا(9)، بل إن التنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية اكتسب مزيدًا من الأرض والمواقع شرق سرت وغربها وجنوبها. وهو ما صرَّح به كلٌّ من محمد الحصان، آمر الكتيبة 166، وكمال فريوان، آمر فرق تأمين حواجز التفتيش بين سرت ومصراتة، وأكَّده شهود عيان على الأرض في مدينة سرت. ويبدو واضحًا طموح التنظيم في التمدد انطلاقًا من موقع ليبيا الاستراتيجي وطبيعتها الجغرافية، فليبيا هي الدولة الوحيدة بعد سوريا والعراق التي يسيطر فيها التنظيم على مناطق بأكملها، وهي تلك المناطق الممتدة من منطقة الهيشة، حوالي مئة كيلو متر غرب سرت، ثم سرت بالكامل مرورًا ببلدتي هراوة والنوفلية شرقًا وحتى ابن جواد (150 كيلومترًا شرقي سرت). وبذا، أصبحت حقول النفط في نطاق مروره خاصة تلك الواقعة جنوبي ابن جواد والسدرة ورأس لانوف كحقول الواحة والمبروك والباهي. ولا يمكن الحديث عن النفط الليبي دون ذكر أهميته القصوى بالنسبة للدول المستفيدة منه وعلى رأسها إيطاليا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة واليونان والولايات المتحدة الأميركية إضافة إلى الصين.

خلال أشهر النصف الثاني من عام 2015، توجَّه إلى سِرْت أيضًا عناصر التنظيم الفارُّون من مدينة درنة بشرقي ليبيا بعد أن خسروا معركتهم هناك، في يوليو/تموز الماضي، عندما تمكَّن مقاتلو مجلس شورى مجاهدي درنة من إخراجهم من المدينة؛ ففَرَّ مَنْ فَرَّ منهم إلى سرت وبقي من بقي في منطقة الفتايح الجبلية على بعد حوالي ثلاثين كيلومترًا جنوب شرق درنة، وتُعتبر الفتايح منطقة اشتباكات بين الطرفين. أمَّا في بنغازي فيقاتل عناصر التنظيم ضد قوات حفتر خاصة في أحياء رئيسية كالليثي والصابري، وقد أعطى وجودهم في بنغازي مسوِّغًا لحفتر لرفع شعار (محاربة الإرهاب) رغم أن قواته منخرطة في القتال ضد فصائل أخرى كمجلس شورى ثوار بنغازي. كما أن عملية الكرامة نفسها أعطت مبررًا لتنظيم الدولة للنمو وجذب مزيد من المقاتلين إلى صفوفه.

كيف ينظر الغرب لخطط التنظيم؟

ينظر الغرب إلى نمو تنظيم الدولة بحذر شديد؛ فالعقلية الأمنية الغربية بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، لا تستبعد على من يفجِّرون أنفسهم في سيارات ملغمة، أن يفجِّروا أنفسهم في طائرات، طالما أن ذلك يتفق مع قناعاتهم وسعيهم لإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بأعدائهم. والحديث هنا ليس عن طائرة إف 16 أو ميج 31 ولكن عن طائرات مدنية أو تجارية أيضًا؛ فلو أقلع انتحاري بطائرة من سرت ليفجِّرها في الفاتيكان على سبيل المثال، فلن يستغرق الأمر سوى ساعة ونصف لعبور البحر المتوسط.

لقد تفاقم التخوف الغربي مع تصاعد أزمة المهاجرين غير الشرعيين الذين ينطلقون عبر المتوسط من نفس الشواطئ التي يسيطر التنظيم على بعضها في ثلاث مدن ساحلية رئيسية في ليبيا، وهي: سرت وبنغازي ودرنة؛ حيث أشارت تقارير أمنية أوروبية إلى أن عشرات الآلاف من المهاجرين السريين تمكَّنوا من الوصول إلى شواطئ أوروبا عبر المتوسط خلال الأعوام القليلة الماضية؛ حيث تُمثِّل ليبيا بموقعها الجغرافي نقطة عبور مهمة بين إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. ولم يقتصر التخوف الغربي على الرهبة من عقيدة (التمدد) التي ينتهجها التنظيم فحسب -والتي لا تستثني أوروبا كما صرَّحت قيادات محسوبة على التنظيم في أكثر من تسجيل مصوَّر، كالمتحدث في مقطع ذبح الأقباط على شواطئ سرت الذي يقول في نهاية التسجيل إن غايتهم روما، مشيرًا إليها بسكين موجَّه صوب البحر المتوسط- بل إن مسألة استقطاب مقاتلين أجانب للالتحاق بالتنظيم في معقله الجديد أيضًا تؤرِّق الدول الأوروبية خاصة الدول التي بها مواطنون مسلمون كُثُر كفرنسا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا، لاسيما بعد هجمات باريس التي ثبت في التحقيقات التي تلتها انتقال من يُعتقَد أنه العقل المدبر لها -عبد الحميد اباعود- بين بلجيكا ومعقل التنظيم في سوريا عدَّة مرات.

وتشير تقارير أمنية تتبادلها مؤسسات الاتحاد الأوروبي إلى أن مسؤولين غربيين يحثون دول التحالف الدولي على ضرورة التصرف حيال تصاعد العنف والانهيار الأمني والسياسي الذي تعاني منه ليبيا ومواجهة خطر تمدد تنظيم الدولة خاصة بعد تعثُّر المساعي الدولية لإقناع كافة فرقاء الأزمة الليبية بالقبول بحكومة الوفاق الوطني(10). ولعل مؤتمر روما الدولي بشأن ليبيا، في الثالث عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، الذي شهد تمثيلًا لأكثر من أربعين دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والولايات المتحدة الأميركية دليل مباشر؛ حيث خلص إلى قرار بدعم حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن اتفاق الصخيرات والتلويح بفرض عقوبات على من يعارضون تنفيذه، والالتزام برفع حظر الأسلحة عند طلب حكومة الوفاق، وتقديم المساعدات العاجلة لمؤسسات الدولة وخاصة المساعدات الإنسانية والمساعدة في محاربة تنظيم الدولة. بالإضافة إلى جلسة مجلس الأمن الدولي، في الثالث والعشرين من ديسمبر/كانون الأول، التي صدَّقت على قرار المجلس رقم 2259 الذي ينص في المادة الثانية عشرة منه على حثِّ الدول الأعضاء في المجلس على مساعدة حكومة الوفاق الوطني في التصدي لمخاطر تنظيم الدولة والمجموعات الأخرى المرتبطة به في ليبيا.

خاتمة

كل هذه المعطيات تقدِّم من وجهة نظر الغرب مسوِّغًا لأوروبا ومن ورائها الولايات المتحدة للتدخل ربما خلال الأشهر القليلة القادمة في ليبيا تحت شعار (محاربة الإرهاب). لكن السؤال يبقى مطروحًا حول قدرة التنظيم إذا تمكَّن من السيطرة على موانئ النفط، هل يمكنه التصرف فيه وبيعه كما فعل في شمال العراق بعد سيطرته على مصفاة بيجي؟ ذلك أن مرافئ البحر المتوسط كلها تحت رقابة الاتحاد الأوروبي الذي يستطيع فرض حظر بحري على ليبيا كما نجح في فرض حظر جوي عليها عام 2011 إبَّان انتفاضة فبراير/شباط ضد القذافي.

بالمقابل، يطرح تمكُّن التنظيم من السيطرة على منطقة الهلال النفطي -خاصة على الدول الكبرى والأمم المتحدة- تعقيدات استهدافه من الجو أو البحر بسبب تحصنه بين المنشآت النفطية التي قد تُسبِّب كارثة إنسانية وبيئية في حال جرى استهدافه فيها. ولهذا ربما تصبح منطقة الهلال النفطي الحصن الجديد للتنظيم في ليبيا في حال تعرضت معاقله في سرت والنوفلية لهجوم بري استئصالي. بل إن الضربات الجوية لا يمكنها وحدها إنهاء وجود التنظيم بسبب استخدامه المدنيين دروعًا بشرية كما فعل في مدينة الرقة السورية.

ويبقى الاختبار الأصعب أمام حكومة الوفاق الوطني في صراعها القادم مع التنظيم هو النجاح في انتزاع نحو ثلاثمائة كيلومتر على البحر المتوسط من سيطرة التنظيم، وإحباط مخططه في استهداف أوروبا. ويبقى التعويل على التسوية الشاملة بين فرقاء الأزمة الليبية ومواجهة التنظيم من الداخل.
___________________________
محمود عبد الواحد – مختص في الشأن الليبي، ومراسل الجزيرة في ليبيا.

المصادر
1 – جريدة “كورير ديلا سيرا” الإيطالية بتاريخ: 28 يناير/كانون الثاني 2016،
http://www.corriere.it/esteri/16_gennaio_28/pinotti-la-libia-non-puo-aspettare-ci-muoveremo-ma-gli-alleati-2090e830-c51b-11e5-9850-7f16b4fde305.shtml?refresh_ce-cp
2 – موقع وزارة الدفاع الأميركية بتاريخ: 27 يناير/كانون الثاني 2016،
http://www.defense.gov/News/News-Transcripts/Transcript-View/Article/645195/department-of-defense-press-briefing-by-pentagon-press-secretary-peter-cook-in
3- موقع وزارة الدفاع الأميركية بتاريخ: 22 يناير/كانون الثاني 2016،
http://www.defense.gov/News-Article-View/Article/644249/dunford-discusses-isil-decisive-action-in-libya-with-french-counterpart
4- صحيفة واشنطن بوست بتاريخ: 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015،
https://www.washingtonpost.com/world/national-security/us-officials-leader-of-islamic-state-in-libya-believed-killed-in-us-airstrike/2015/11/14/b42cb714-8af0-11e5-be39-0034bb576eee_story.html
5- موقع وزارة الدفاع الأميركية بتاريخ: 27 يناير/كانون الثاني 2016،
http://www.defense.gov/News/News-Transcripts/Transcript-View/Article/645195/department-of-defense-press-briefing-by-pentagon-press-secretary-peter-cook-in
6- صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ: 1 ديسمبر/كانون الأول 2015،
http://aawsat.com/home/article/509496/%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7-%D8%A3%D8%B5%D8%A8%D8%AD%D8%AA-%D8%B3%D8%B1%D8%AA-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%80%C2%AB%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4%C2%BB
7- تقرير أمني صادر عن مجلس الأمن بالأمم المتحدة بتاريخ: 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2015،
http://www.globalsecurity.org/security/library/report/2015/al-qaida_libya_s-2015-891_unsc_20151119.pdf
8- موقع محطة فوكس نيوز بتاريخ: 5 ديسمبر/كانون الأول 2015،
http://www.foxnews.com/world/2015/12/04/isis-takes-flight-terror-group-training-pilots-at-airbase-in-libya.html
9- تقرير أمني من إعداد مؤسسة كويليام للأبحاث، فبراير/شباط 2015،
http://www.quilliamfoundation.org/wp/wp-content/uploads/publications/free/libya-the-strategic-gateway-for-the-is.pdf
10- صحيفة واشنطن بوست بتاريخ: 22 يناير/كانون الثاني 2016،
https://www.washingtonpost.com/world/national-security/new-western-security-plans-for-libya-take-shape-as-the-islamic-state-threat-

grows/2016/01/22/e6c18e30-c05a-11e5-9443-7074c3645405_stor  y.html