التجويع أسلوب العصور الوسطى الفعال في فلسفة الحرب السورية

التجويع أسلوب العصور الوسطى الفعال في فلسفة الحرب السورية

الجوع في سوريا

في الثالث من فبراير علقت الأمم المتحدة المحادثات بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وممثلي المعارضة السورية. وكانت محادثات جنيف التي تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية الدائرة منذ خمس سنوات قد تعثرت حتى قبل أن تبدأ بسبب الارتياب والسياسة الإقليمية.

ولمّح وسيط الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا إلى أن الجولة الأولى من المباحثات انهارت لأن النظام السوري رفض رفع الحصار الذي يجوع مئات الآلاف ببطء في مختلف أنحاء البلاد. وفي السنوات الأربع الماضية استخدم نظام الأسد التجويع كسلاح وهذه جريمة حرب من الناحية الفنية عندما تستخدم ضد المدنيين.

ومع تطور مسار الحرب تبنت فصائل معارضة مختلفة مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة هذه الاستراتيجية. لكن الأغلبية العظمى من المحاصرين في سوريا تتعرض للتجويع من جانب حكومتها.

واليوم يتعرض ما يصل إلى مليون شخص للتجويع المتعمد حتى الموت ببطء في قلب الهلال الخصيب، وكثيرون منهم على مرمى حجر من صوامع الغلال المليئة بالقمح.

وقد طالبت المعارضة السورية قبل المشاركة في المحادثات بأن يسمح نظام الأسد بدخول الغذاء والدواء إلى المناطق التي تسيطر عليها. واقترح دي ميستورا أن تستأنف المحادثات بحلول 25 فبراير ما إن تتمكن القوى الأجنبية التي تؤيد الأطراف المختلفة من ممارسة الضغط على حلفائها لتقديم تنازلات سياسية.

وبوسع الأسد رفع الحصار الذي تفرضه الحكومة بإشارة من يده. لكن نظامه يرفض التخلي عن هذا الأسلوب لسبب رئيسي: وهو أنه أثبت نجاعته في تحقيق أهدافه. فقد أدرك النظام في بدايات الحرب أن الأقل كلفة والأيسر هو محاصرة منطقة تسيطر عليها المعارضة وتجويع سكانها حتى الاستسلام بدلا من شن معارك شوارع مكلفة لاستعادة الأراضي.

أزمة الغذاء في سوريا
ولن يتخلى الأسد عن الحصار ما لم يتعرض لضغط دولي متواصل. إضافة إلى أن القوى الخارجية تساعد في صب الوقود على الحرب في سوريا وإطالة أمدها. ويجب على روسيا وإيران اللتين تؤيدان نظام الأسد من ناحية وعلى الولايات المتحدة وتركيا والسعودية والدول العربية الأخرى التي تؤيد المعارضة من الناحية الأخرى ممارسة ضغوط على الجانبين لإنهاء الحصارات.

وقد جذبت الحصارات وما نتج عنها من أزمة إنسانية اهتمام العالم في أوائل يناير عندما بدأ نشطاء سوريون يتشاركون صورا من مضايا القرية الجبلية القريبة من الحدود اللبنانية. وأظهرت الصور أطفالا يعانون من الجوع بعيون مجوفة وضلوع بارزة تحت طبقة رقيقة من الجلد.

وبعد ستة أشهر من حصار الحكومة السورية وحلفائها أمثال ميليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية، اضطر أهل مضايا لأكل العشب والقطط من أجل البقاء على قيد الحياة. وتقول منظمة أطباء بلا حدود إن التقديرات تشير إلى أن 46 على الأقل من نحو 42 ألف شخص محاصرين في مضايا ماتوا من الجوع منذ ديسمبر. ومضايا ليست أول موقع يحاصر في سوريا كما أنها ليست المنطقة الوحيدة المحاصرة في البلاد.

ومثلما أبان الاستخدام العشوائي للبراميل المتفجرة في المناطق المدنية واستخدام الأسلحة الكيماوية عن فشل سبل حماية المدنيين، تمثل الحصارات فشلا آخر للأمم المتحدة والمجتمع الدولي في حماية السوريين.

وفي مسألة الحصارات اتسم موقف الأمم المتحدة على وجه الخصوص بالجبن. إذ يلزمها قرار من مجلس الأمن بالاحتفاظ بقائمة للمناطق التي تعتبرها “تحت الحصار” تمييزا لها عن المناطق التي “يصعب الوصول إليها“. ومن الممكن أن تستأنف الأمم المتحدة والقوى الأجنبية محادثات جنيف بإرغام نظام الأسد على إنهاء الحصارات والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود لكل أنحاء سوريا. وهذا لن يحدث من دون ضغط دولي متواصل لا من القيادات العالمية فحسب بل من الرأي العام أيضا.

وبغير ذلك سنجد أنفسنا أمام صور جديدة لأطفال يتضورون جوعا بعد عامين من الآن. ولا يمكن للعالم أن يبرر نسيان الجوعى في سوريا مرة أخرى.

آنيا سيزادلو

صحيفة العرب اللندنية