لم يجد رجل أربعيني في مدينة الرستن شماليحمص بدا من الانتحار شنقا، بعدما عجز عن إطعام أطفاله، أو الخروج من المدينة التي تحاصرها قوات النظام منذ أربعة أعوام.وفُجعت عائلة الرجل عندما وجدت جثته متدلية من حبل معلق في سقف منزله، وبحسب شهود عيان فإن آخر ما رآه الرجل كان طفليه وهما يأكلان من أحد مكبات القمامة.
قصة ذلك الرجل كانت إحدى مشاهد الموت التي ما تزال مستمرة في ريف حمص الشمالي وسط سوريا، الذي يشهد حصارا خانقا تفرضه قوات النظام والمليشيات الطائفية المساندة لها منذ أربعة أعوام، وقد اشتد الحصار مؤخرا واتسعت رقعته الجغرافية لتشمل مدن وبلدات: الرستن وتلبيسة والحولة وقراها والزعفرانة والغجر، مقطعا أوصال المنطقة بطرق مغلقة أو خطرة يستحيل المرور منها.
وتحاصر قوات النظام والمليشيات الطائفية بلدات ريف حمص الشمالي وتمنع عنها أبسط مقومات الحياة، بهدف إجبار سكان تلك المناطق على مصالحة ومهادنة تؤدي إلى تفريغ هذه المناطق من سكانها، ولا سيما أن المنطقة شهدت تهجير مئات العائلات من أحياء حمص القديمة إلى الريف الشمالي، في خطة للتغيير الديمغرافي الطائفي بدأها نظام الأسد بشكل ممنهج منذ تطبيقه سياسة الهدن في مدينة حمص خلال العامين الماضيين، بحسب ما يقول ناشطون وسياسيون معارضون.
مجاعة محتملة
ويقول الصحفي عبد الله أيوب من داخل مدينة الرستن، إن “الفقر يجتاح سكان المدينة نتيجة سياسة الحصار التي تتبعها قوات النظام والمليشيات المساندة لها، مما يجعل أكثر من 65 ألف مدني عرضة لمجاعة تلوح في الأفق”.
ويضيف للجزيرة نت أن السواد الأعظم في المدينة يعيشون تحت خط الفقر، بمعدل دخل شهري لا يتجاوز خمسين دولارا أميركيا (ما يقارب عشرين ألف ليرة للأسرة الواحدة)، وخاصة بعد فصل أغلب موظفي المدينة من عملهم وعدم توفر أي موارد دخل للمدنيين.
ويتابع “حتى وقت قريب كانت المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة تساهم في تأمين 20% من الحاجات الغذائية الأساسية للسكان، رغم صعوبة استلامها وطول المدة الزمنية لوصولها والتي تتعدى الشهرين، وصعوبة إدخالها للمدينة”.
وعن الواقع الطبي السيئ وصعوبة إجلاء المرضى والجرحى من مدينة الرستن، يقول الصحفي عبد الله أيوب إن “إجلاء الجرحى شبه مستحيل، وتبلغ تكلفة خروج أي شخص من المدينة ألف دولار أميركي، عن طريق مهربين وتجار مرتبطين بحواجز النظام”.
ويناشد أيوب المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة تأمين ممرات آمنة لإجلاء الجرحى وإدخال البضائع والمواد الغذائية، محذرا من وقوع كارثة إنسانية ستطال آلاف المحاصرين.
وضع مأساوي
بدوره يؤكد بصير أيوب، مدير إحدى الجمعيات الإغاثية العاملة في الرستن، أن جميع محاولات إدخال مادة الدقيق (الطحين) للمدينة باءت بالفشل، مما أدى إلى توقف عمل الأفران منذ بداية العام، خاصة مع ندرة جميع المشتقات النفطية.
ويضيف للجزيرة نت أن موجة الصقيع الأخيرة التي اجتاحت المنطقة أفسدت جميع المزروعات الشتوية، والتي تعتبر المورد الغذائي الرئيسي لأكثر من 14 ألف أسرة تقطن المدينة، وعشرة آلاف من النازحين إليها من أحياء مدينة حمص، ومن قريتي الغنطو وتيرمعلة، بفعل ضربات الطيران الروسي مؤخرا.
من جانبه يشير رئيس المجلس المحلي في الرستن مصطفى الحسين، إلى تعذر إدخال المساعدات إلى المدينة منذ بداية عام 2016، بسبب رفض حواجز النظام المنتشرة في محيط الرستن السماح بدخولها المدينة.
خالد الخلف
الجزيرة نت