تميّز الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء السابق زعيم “تيّار المستقبل” سعد الحريري بحملة لا سابق لها على السياسة الإيرانية وذراعها اللبنانية “حزب الله”.
وقال الحريري في خطاب ألقاه في بيروت بعد ساعات من عودته إليها إثر غياب استمرّ سنة “لن نسمح لأحد بجرّ لبنان إلى العداء للمملكة العربية السعودية ولأشقائه العرب. لن يكون لبنان تحت أي ظرف ولاية إيرانية. نحن عرب وعربا سنبقى”.
وأكد على أن “لبنان سيحكم في لبنان، ولن يحكم من دمشق أو طهران أو أي مكان آخر”.
ودعا من أجل “التفرغ لحل مشاكل لبنان السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإنهاء مشكلة الفراغ الرئاسي”، مضيفا “لن نخشى وصول أي شريك بالوطن للسلطة، طالما يلتزم باتفاق الطائف والدستور ومصلحة اللبنانيين”.
وفشل البرلمان اللبناني، الإثنين الماضي، وللمرة الـ35 على التوالي، بانتخاب رئيس جديد للبلاد، ما دفع رئيس المجلس نبيه بري، إلى تحديد 2 مارس المقبل موعدا جديدا لانعقاد الجلسة التي ستحمل الرقم 36.
ويسعى البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس جديد للبلاد، منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، في 25 مايو 2014، إلا أن كل هذه المحاولات التي وصل عددها اليوم إلى 35 لم تحقق أهدافها، في ظل الخلافات بين مختلف القوى السياسية.
وكان سعد الحريري وصل إلى بيروت فجرا آتيا من الرياض وذلك للمشاركة في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال والده. وكان الخطيب الوحيد في احتفال أقيم في العاصمة اللبنانية استضافته قاعة “بيال” التي تتسع لستة آلاف كرسي، فيما كان هناك ألف شخص على الأقل قبلوا البقاء واقفين.
وتقدّم الحضور الرئيس السابق أمين الجميّل ونجله سامي، رئيس حزب “الكتائب” والدكتور سمير جعجع رئيس حزب “القوات اللبنانية” وزوجته عضو مجلس النوّاب السيدة استريدا. ومثّل تيمور جنبلاط والده وليد الذي كان أول الذين التقوا سعد الحريري في منزله صباحا.
وكان ملفتا حضور السفير السعودي في بيروت علي عسيري الذي خصّه الحضور بعاصفة من التصفيق لدى دخوله قاعة الاحتفال بالذكرى. كذلك، كان ملفتا حضور وزير العدل أشرف ريفي الذي عانق سعد الحريري بحرارة طاويا بذلك صفحة الخلاف الذي نجم عن انسحاب ريفي من الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء من دون استشارة سعد الحريري.
وكان خطاب الحريري، الذي استهله بحملة على إيران وحزب الله، مخصصا في جزء منه لمصارحة مع أقطاب “حركة الرابع عشر من آذار” التي نشأت بعد اغتيال رفيق الحريري.
ولوحظ أن زعيم “تيّار المستقبل” حرص على معانقة كلّ من أمين الجميّل وسامي الجميّل وسمير جعجع بحرارة واضعا حدّا لخلافات عميقة مع قسم من الزعماء المسيحيين بسبب ملف رئاسة الجمهورية، خصوصا بعدما أيّد سمير جعجع وصول ميشال عون إلى الرئاسة.
وقال الحريري في هذا المجال إنّ “من حق” جعجع ترشيح ميشال عون. وشرح بالتفصيل موقفه من رئاسة الجمهورية ومن ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي مؤكدا أنّه لا يزال متمسّكا بترشيح النائب سليمان فرنجيه للرئاسة.
وكان جعجع من بين الذين صفقوا للحريري طويلا عندما توجّه الأخير إليه مرحبّا بالمصالحة التي حصلت بينه وبين ميشال عون قائلا “نحن أوّل من دعا إلى المصالحة يا حكيم (لقب سمير جعجع). يا ليتها صارت من زمان. من حق جعجع ترشيح عون. تفضلوا يا نوّاب إلى مجلس النوّاب لانتخاب رئيس جديد”.
وأشار في هذا المجال إلى وجود ثلاثة مرشّحين معلنين للرئاسة هم ميشال عون وسليمان فرنجيه والنائب هنري حلو، الذي يحظى بدعم وليد جنبلاط وكتلته النيابية. ولخص موقفه بضرورة إجراء انتخابات لرئيس الجمهورية و”سنكون أول من يهنئ الرئيس المنتخب” بغض النظر عن الفائز. وأوحى بذلك أن لا اعتراض لديه على ميشال عون في حال فوزه في الانتخابات في حال حصولها بطريقة ديمقراطية.
وفيما أكّد أهمّية “الاعتدال” وأن “تيّار المستقبل” سيبقى وفيّا لرسالة رفيق الحريري، وسيبقى تيارا “خارقا للطوائف والمذاهب” اتّهم “حزب الله” بأنّه “خارق للأوطان”، خصوصا بعد تدخّله في سوريا. ووجّه نداء إلى أبناء الطائفة الشيعية في لبنان لـ”تعطيل الألغام التي تهدّد العيش المشترك” بين اللبنانيين.
ولوحظ أن “التيار العوني” كان ممثلا في الذكرى بوزير التربية إلياس أبو صعب، كما تمثّل سليمان فرنجيه بوزير الثقافة روني عريجي، فيما تمثّل رئيس مجلس النواب نبيه برّي بالنائب عبداللطيف الزين (شيعي) وهو الأكبر سنا في مجلس النوّاب.
وكان سليمان فرنجيه حرص على الاتصال بسعد الحريري بعيد وصوله إلى بيروت من أجل “التعزية وتهنئته بالسلامة” حسب ما ورد في النبأ الذي وزّعته وسائل الإعلام التابعة لسعد الحريري.
وكانت الذكرى الحادية عشرة لاغتيال رفيق الحريري مليئة بالرموز، إذ بدأها الصحافي جورج بكاسيني الذي قدّم سعد الحريري بحملة على السياسة الإيرانية قائلا “ما في شي ماشي في البلد غير التعطيل” الذي يمارسه “حزب الله” على كل المستويات، مضيفا “عبر إحيائه لذكرى رفيق الحريري، يرفض لبنان الخضوع لإيران”.
أمّا سعد الحريري، فذهب في خطابه إلى أبعد من ذلك عندما قال “إنّ زمن الوصاية الإيرانية لن يصنع أشخاصا أكبر من لبنان” وتساءل “هل نحن أمام أحزاب تعمل لله أم تعمل للفتنة؟”.
وانتهى إحياء الذكرى بصورة تذكارية ضمّت أقطاب الرابع عشر من آذار باستثناء وليد جنبلاط الذي كان غائبا. وبين الذين جمعتهم الصورة إضافة إلى سعد الحريري، أمين وسامي الجميل وسمير جعجع والنائب مروان حماده (درزي)، فيما كان هناك غياب شيعي عنها.
صحيفة العرب اللندنية