تثير حالة الوهن الشديد التي بلغتها الدولة العراقية، والتي مسّت بناها ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، كما طالت بنيتها الاجتماعية، وأثرت في مستوى الثقة بين مكونات المجتمع العراقي، شكوكا كبيرة في قدرة البلد على الحفاظ على وحدته، في ظل التصاعد غير المسبوق لدعوات الأقلمة والانفصال.
ويتساءل مراقبون إن كان العراق سيتمكّن من اجتياز مرحلة الحرب على داعش دون أن تخلّف آثارا عميقة على مستقبله كدولة موحدة، مشيرين إلى أنّ من أوضح تأثيرات هذه الحرب إفرازها لثلاثة جيوش مشكّلة على أسس عرقية وطائفية، لا يستبعد أن تتحوّل في المستقبل إلى أدوات في حروب انفصال.
وتتمثل تلك “الجيوش” في الحشد الشعبي المكوّن بشكل أساسي من مقاتلين شيعة يرفص سكان المناطق السنية، وتحديدا في محافظتي الأنبار ونينوى أن يشاركوا في قتال داعش بمناطقهم.
وفي المقابل بدأت تتشكّل في العراق ملامح “جيش سني” يتمثّل في الحشد الوطني الذي يضمّ مقاتلين من أبناء العشائر السنية يجري تدريبهم وتسليحهم بمساعدة دول أجنبية ليشاركوا في استكمال تحرير مناطق محافظتي الأنبار ونينوى. ومن جهة أخرى ساهمت الحرب على داعش في مضاعفة قوة البيشمركة، جيش إقليم كردستان العراق الذي تظهر أبرز قياداته نواياها الانفصالية بشكل متزايد، معتبرة أن “حدود الإقليم ترسم بالدم”، مثلما عبّر عن ذلك مسعود البارزاني رئيس إقليم كدرستان المنتهية ولايته.
وعمليا ستكون هناك أربعة جيوش متنافسة في عراق المستقبل إذا تمت إضافة الجيش النظامي إلى الجيوش الثلاث المذكورة. وتعتبر نوازع الأقلمة والاستقلال في العراق نتيجة “منطقية” لتجربة في الحكم استمرت منذ الاحتلال الأميركي وقامت بشكل كبير على الطائفية مع هيمنة أحزاب شيعية على مقاليد السلطة وممارستها الإقصاء بحقّ سنة البلاد الذين يرى كثير منهم أن لا فكاك من مشكلة التهميش سوى بإنشاء إقليم سني بحكم محلّي واسع الصلاحيات.
وحمّل المحلل السياسي محمود القيسي، حكومات ما بعد 2003 مسؤولية دفع العراق نحو التشتت والتقسيم، قائلا إن السياسات الإقصائية جعلت السنة العرب يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.