يعد التدخل العسكري الروسي في سوريا إحدي أهم نقاط التحول في مسار تطور الأزمة السورية، إذ يمثل هذا التدخل المعلن في نهاية سبتمبر 2015 تحولا جوهريا في الاستراتيجية العسكرية الروسية بالنظر إلي عدّه أول بادرة لاستخدام القوة العسكرية خارج نطاق الجوار الروسي منذ نهاية الحرب الباردة.
وعلى الرغم من تأكيد القيادة الروسية اقتصار أهداف التدخل العسكري على التصدي لتمدد تنظيم “داعش” في سوريا، وتكبيل قدراته على استقطاب كوادر جديدة، واستباق تهديدات “جهاديي القوقاز”، فإن أغلب التحليلات قد أكدت وجود دوافع أخرى للتدخل الروسي، وهو ما أثار تساؤلات حول سيناريوهات هذا التدخل ومساراته.
أولا- سيناريو الانخراط المحدود:
تؤكد أغلب التحليلات التي تناولت التدخل العسكري الروسي في سوريا أنه يعد بمنزلة مناورة عسكرية محدودة النطاق Limited Maneuver لمواجهة سياسة العزل والاحتواء التي اتبعتها القوى الأوروبية ضد روسيا، عقب التدخل في أوكرانيا، ودفع الدول الأوروبية والولايات المتحدة للتفاوض على رفع العقوبات الاقتصادية التي أثرت سلبا في وضع الاقتصاد الروسي. ومن ثم، فإن التدخل العسكري في سوريا -وفق هذا الافتراض- يسعي لتجاوز آثار الأزمات الاقتصادية داخليا، وتحقيق مكاسب خارج نطاق المحيط الحيوي لروسيا.
ويري ستيفن والت، في مقاله بمجلة الفورين بوليسي الصادرة في 9 أكتوبر 2015، أن الرئيس فلاديمير بوتين يركز على تحقيق أهداف بسيطة وواضحة لاستثمار القوة الروسية بصورة ذكية دون إضعاف روسيا داخليا، حيث باتت روسيا تركز على تحقيق أهداف محدودة وواضحة بأقل تكلفة لتجنب استنزاف مواردها في مواجهات عسكرية ممتدة، حيث إن هدف التدخل العسكري الروسي لدعم المتمردين في شمال أوكرانيا تمثل في عرقلة انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، من خلال تهديد الاستقرار الداخلي للدولة الأوكرانية، وهو ما تحقق دون تورط روسيا في صراع عسكري مباشر مع أوكرانيا والدول الغربية.
الأمر ذاته ينطبق على التدخل العسكري الروسي في سوريا، حيث اقتصرت أهداف التدخل على عرقلة سقوط نظام الأسد في مواجهة فصائل المعارضة المدعومة من الدول الغربية وبعض الدول العربية، والتصدي لتهديدات تنظيم “داعش”، وذلك من خلال تنسيق ودعم العمليات العسكرية التي تخوضها قوات نظام الأسد، وحزب الله، والوحدات العسكرية الإيرانية دون التورط الكامل في الصراع الداخلي في سوريا. وتستدل التحليلات التي تؤكد محدودية العمليات العسكرية في سوريا بما يأتي:
1- محدودية الانتشار العسكري: ذهبت تقديرات معهد دراسات الحرب الأمريكي إلي أن الانتشار العسكري الروسي في سوريا يقرب من 4000 جندي، بالإضافة إلي 50 مروحية، وطائرة مقاتلة، وقاذفة ومن أبرزها 28 طائرة من طراز “سوخوي سو 30 إس إم”، و12 مقاتلة من نوع “سوخوي 24”، و6 طائرات “ميج 31”، و”طائرات آي إن 124”، و”المروحية مي 24”، فضلا عن “دبابات تي 90” المتطورة”، وبعض القطع البحرية، والمدمرات المضادة للغواصات، وهو ما يمكن حسبانه انتشارا عسكريا محدودا لقوة تدخل سريع، وليس تدخلا عسكريا واسع النطاق.
2- تكلفة العمليات العسكرية: يعتقد معدو تحليل صادر من مؤسسة استراتفور، في منتصف أكتوبر 2015، أن روسيا لن تتمكن من تحمل نفقات التدخل العسكري في سوريا لفترة تتجاوز أربعة أشهر. ووفق تقدير هذه المؤسسة، فإن تكلفة الغارات الجوية والطلعات غير القتالية تبلغ نحو مليوني دولار يوميا على الأقل، فضلا عن أن إطلاق صواريخ “كاليبر” من السفن الروسية في بحر قزوين يعد استعراضا مكلفا للقوة، وفق رؤية استراتفور، حيث تبلغ تكلفة إطلاق الصاروخ ما يتراوح بين 600 ألف دولار و30 مليون دولار، وفق نوعيته.
ويرتبط ذلك بكثافة العمليات العسكرية الروسية بالمقارنة بنظيرتها الأمريكية في سوريا والعراق، حيث نفذت روسيا خلال الفترة من نهاية سبتمبر حتي مطلع نوفمبر 2015 ما يقرب من 1391 طلعة جوية، دمرت خلالها 1623 هدفا، من بينها 51 معسكرا للتدريب، و131 مخزنا للأسلحة، وهو ما يعكس مدى تكلفة هذه العمليات العسكرية، والتي لن يمكن للاقتصاد الروسي تحملها لفترة طويلة، خاصة في ظل أعباء الأزمة الاقتصادية، وتدني سعر صرف العملة الروسية.
ثانيا- سيناريو التموضع الاستراتيجي:
في مقابل الاتجاه السابق، يؤكد بعض الباحثين أن التدخل العسكري الروسي يعد امتدادا لسعي روسيا للتمركز في منطقة الشرق الأوسط، وتأمين منفذ دائم على البحر المتوسط، خاصة أن أغلب القواعد العسكرية الروسية تطل على بحر قزوين، والبحر الأسود، باستثناء قاعدة الدعم اللوجيستي للقوات البحرية الروسية في فيتنام، وهو ما يعني أن التدخل الروسي هو عملية تموضع استراتيجي Strategic Positioning هدفها إيجاد نقاط تمركز روسية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى محيط البحر المتوسط للتغلب على محاولات التطويق الجغرافي من جانب حلف الناتو.
ويفسر التدخل العسكري الروسي في هذا الاتجاه محاولة تحصين القاعدة العسكرية الروسية في ميناء طرطوس والقاعدة الجوية الروسية في حميميم، بالإضافة إلي إنشاء قاعدة عسكرية روسية واسعة النطاق بالقرب من اللاذقية، وهو ما يعني أن التدخل العسكري الروسي يستهدف الحفاظ على الحد الأدني من المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد والطائفة العلوية الداعمة له، وتأمين هذه المناطق بصورة دائمة في نطاق ما يطلق عليه “سوريا المفيدة” Useful Syria، والتي يقصد بها النطاقات الجغرافية التي يسيطر عليها النظام السوري بمحاذاة الساحل، والتي تتركز بها أغلب المؤسسات الحكومية، والمناطق الصناعية، والمرافئ. وتستدل هذه الرؤية بعدة مؤشرات، يتمثل أهمها في الآتي:
1- توزيع الضربات الجوية: يؤكد تتبع التوزيع الجغرافي للضربات الروسية، من واقع رصد مركز دراسات الحرب الأمريكي، منذ بداية العمليات العسكرية الروسية حتي نهاية نوفمبر 2015، تركز الضربات على ثلاث مناطق رئيسية، هي محافظة إدلب القريبة من اللاذقية، والتي تسيطر عليها “جبهة النصرة”، وجنوب حماة، وفي محيط محافظة حمص، والمناطق المحيطة بحلب ودمشق، وجميعها مناطق تقع في النطاقات المحيطة بمناطق تمركز النظام السوري، وتسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، وبعيدة عن مناطق تمركز “داعش” في الرقة، ودير الزور.
2- تطهير محيط اللاذقية: جاء إسقاط القوات الجوية التركية للقاذفة الروسية من طراز “سو-24” قبيل نهاية نوفمبر 2015 نتيجة لتركيز الضربات الجوية الروسية على مناطق جبل التركمان، وهي المناطق التي تفرض تركيا عليها حمايتها الجوية لتركز الأقلية التركمانية بها. ويرجع تركز الضربات الروسية على هذه المنطقة، خاصة منطقة “بيربوجاك”، إلي أنها تمثل المرتفعات المحيطة بمناطق تركز القاعدة العسكرية الروسية التي يتم تأسيسها في اللاذقية.
3- نشر منظومات التسلح النوعية: عقب إسقاط تركيا للقاذفة الروسية، قامت روسيا بتكثيف انتشار منظومات تسلح نوعية في مناطق تمركزها في سوريا. وشملت هذه الأسلحة منظومة صواريخ “فورت” المضادة للطائرات التي يصل مدى اكتشافها للأهداف إلي 200كم، ويمكنها إصابة ستة أهداف في وقت واحد. كما نشرت روسيا منظومة صواريخ “إس-400” للدفاع الجوي التي يغطي مداها 400كم، ويمكنها إصابة 36 هدفا في وقت واحد، وهذه المنظومات تتسبب في كشف تحركات مقاتلات حلف الناتو في سوريا.
وفي السياق ذاته، نقلت روسيا منظومات قتالية حديثة لقواعدها في سوريا، شملت منظومة “سولنتسيبيوك” الصاروخية ضد التحصينات التي يصل مداها إلي 6000 متر -أرض/أرض- لقصف المناطق الجبلية المحيطة بالقواعد الروسية. كما أرسلت روسيا الطراد الصاروخي “موسكو” إلي شواطئ اللاذقية لحماية القاعدة الجوية الروسية في “حميميم”. كما انتقلت للبحر المتوسط حاملة الطائرات المروحية “فيتس أدميرال كولاكوف” التي تحمل مروحيات K-27 المضادة للغواصات، وهو ما يكشف أن الوجود العسكري الروسي لا يستهدف فقط مواجهة تنظيم “داعش”، وإنما استعراض الوجود العسكري الروسي في البحر المتوسط.
ثالثا- سيناريو المناورة السياسية:
تفترض بعض التحليلات الغربية أن الغاية الرئيسية للتدخل العسكري الروسي في سوريا تتمثل في الحفاظ على بقاء نظام الأسد، والتصدي لاحتمالات سقوطه، نتيجة لتمدد فصائل المعارضة السورية في محيط مناطق تمركز نظام الأسد، وفقدان النظام للسيطرة على ما يزيد على 80٪ من مساحة سوريا.
ويعني ذلك أن التدخل العسكري الروسي في سوريا يعد بمنزلة مناورة ذات غايات سياسية، هدفها إعطاء قوة دافعة لعمليات التوفيق السياسي، والوساطة، والتفاوض للحفاظ على بقاء نظام الأسد، حرصا على عدم فقدان أحد أهم حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن سقوط نظام الأسد بالنسبة لروسيا يعني فقدان روسيا لاستثماراتها الاقتصادية، ودعمها الاقتصادي والعسكري الذي منحته للنظام، مقابل تسهيلات عسكرية، وامتيازات اقتصادية، مثل حصول شركة “سويوز نفتا غاز” الروسية على امتيازات للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية لروسيا لمدة 25 عاما في ديسمبر 2013.
ووفق هذا السيناريو، فإن التدخل العسكري الروسي يعد بمنزلة فرض للوصاية السياسية المباشرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد في سوريا بهدف حماية المصالح الروسية، وفرض رؤية للتسوية تمنح نظام الأسد الحد الأقصي من المكاسب السياسية. وما يستهدفه التدخل، أيضا، منع التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، من فرض أي ترتيبات سياسية تؤثر في نظام الأسد، مثل محاولات تحديد “مناطق محررة” في سوريا، وفرض حظر جوي عليها، وتسليح بعض فصائل المعارضة السورية بأسلحة نوعية، مثل صواريخ “تاو” المضادة للدبابات.
وقد أشار مبعوث الرئيس الروسي إلي الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوجدانوف، قبيل التدخل العسكري الروسي، إلي أن موسكو ترفض بشدة إقامة منطقة حظر جوي في سوريا، بناء على اقتراح تركيا، معللا ذلك بضرورة احترام سيادة الدول. وترتبط المناورة السياسية الروسية باتخاذها عدة إجراءات تتمثل فيما يأتي:
1- المبادرة الروسية للتسوية: حيث كشفت عدة مصادر في 11 نوفمبر 2015 عن وثيقة روسية تحتوي على مبادرة لتسوية الصراع في سوريا، تتضمن التوصل لهدنة عسكرية في سوريا، وتحديد الأهداف التي يتم قصفها من جانب روسيا، والولايات المتحدة وحلفائها، بحيث تقتصر على التنظيمات الإرهابية، وإطلاق المعتقلين، وتبادل الأسري، وعلى توافق الحكومة والمعارضة السورية على إصلاح دستوري مدته 18 شهرا، تعقبه انتخابات رئاسية مبكرة تؤدي لتولي رئيس منتخب مهام الإشراف على الجيش، والأجهزة الأمنية والسياسية، في إطار عملية للانتقال السياسي تتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية سورية.
كما تضمنت المبادرة الروسية نصوصا حول صياغة خطة لدمج الفصائل السورية المسلحة في الجيش السوري، وإصدار عفو عام عن المعارضة بكل طوائفها داخل وخارج سوريا بالتوازي مع نشر قوات لحفظ السلام.
2- مفاوضات فيينا: أعقب التدخل العسكري الروسي في سوريا صعود ملحوظ في كثافة المفاوضات حول التسوية في سوريا، حيث عقد اجتماع لوزراء خارجية المملكة العربية السعودية، وتركيا، وروسيا، والولايات المتحدة في فيينا في 23 أكتوبر 2015، ثم تبعه اجتماع لوزراء خارجية كافة الدول المعنية بالقضية السورية في فيينا في 30 أكتوبر 2015، وشهد مشاركة كل من السعودية، والإمارات، وقطر، ومصر، إضافة إلي الصين، وبعض دول الاتحاد الأوروبي.
توصل هذا الاجتماع لبيان يتضمن الخطوط العريضة للتسوية السياسية في سوريا، والتي شملت رعاية الأمم المتحدة لحوار بين الحكومة والمعارضة السورية من أجل عملية سياسية تقود إلي تشكيل حكومة جديرة بالثقة، وغير طائفية، ولا تقصي أحدا، يعقبها وضع دستور جديد، وإجراء الانتخابات. كما تضمن الإعلان الدعوة لهدنة عسكرية، والحفاظ على وحدة الدولة السورية، وأقر هذا البيان بوجود خلافات جوهرية.
أما اجتماع فيينا الثالث في 14 نوفمبر 2015، فقد توصل لتوافق إقليمي ودولي حول خريطة طريق ملحقة بجدول زمني حول التسوية في سوريا، تتضمن مسارين متوازيين، الأول يتمثل في التوصل لتسوية سياسية تنهي الصراع الممتد في سوريا. أما الثاني، فيركز على توحيد وتنسيق الجهود الدولية لمحاربة التنظيمات الإرهابية، بعد الاتفاق على تصنيف دولي لهذه التنظيمات.
وفي إطار هذا الاجتماع، تم الاتفاق على إطلاق مفاوضات بين الأطراف السورية برعاية الأمم المتحدة في مطلع عام 2016، تهدف للاتفاق على آليات وقف إطلاق النار، ثم التوصل لنظام حكم شامل، وغير طائفي، وإصلاحات دستورية، ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تشمل كافة السوريين في الداخل والخارج، بحيث تنتهي استحقاقات العملية السياسية في ديسمبر 2017.
وعلى الرغم من استمرار الخلافات حول مصير بشار الأسد، ورموز النظام السابق ودورهم في المرحلة الانتقالية، وتصنيف التنظيمات الإرهابية وقوائم الفصائل التي سوف تشارك في المفاوضات، ممثلة للمعارضة السورية، فإن التدخل الروسي تمكن من إحياء مسار التسوية مستغلا بعض الظروف المواتية عقب سقوط الطائرة الروسية في شرم الشيخ، واتهام تنظيم “داعش” بتدبير هذه العملية، وتفجيرات باريس في 13 نوفمبر 2015 التي تورطت فيها عناصر من العائدين من سوريا المنتمين لتنظيم “داعش”، وهو ما عزز من التقارب بين الأطراف الدولية لتسوية الأوضاع في سوريا.
رابعا- سيناريو الحرب الشاملة:
على نقيض كافة التحليلات الغربية التي تؤكد الطابع المحدود والتكتيكي للتدخل العسكري الروسي في سوريا، فإن هناك سيناريو آخر قد يترتب على التداعيات غير المقصودة Unintended Consequences للتطورات الميدانية عقب التدخل الروسي، وهو تورط روسيا في حرب شاملة واسعة النطاق في سوريا، قد تنخرط فيها بعض الأطراف الإقليمية والدولية، سواء بصورة مباشرة، أو من خلال دعم حلفائها داخل سوريا، في إطار المواجهات العسكرية بالوكالة، ومن ثم قد تنخرط روسيا -وفق هذا السيناريو- في حرب استنزاف ممتدة مع أطراف متعددة.
وعلى الرغم من استبعاد أغلب التحليلات الغربية لانجراف روسيا في مواجهات عسكرية غير محسوبة، أو تكرار سيناريو التورط في أفغانستان، فإن هناك عدة مؤشرات أولية على احتمالات تعرض التدخل الروسي لتعقيدات ميدانية غير محسوبة، يتمثل أهمها في:
1- تكثيف الانتشار المضاد: أعقب التدخل العسكري الروسي تكثيف الدول الغربية لانتشارها العسكري في محيط سوريا، حيث أعلنت الولايات المتحدة في مطلع نوفمبر 2015 عزمها نشر طائرات F-15 للمشاركة في الحرب على “داعش” في سوريا، بالإضافة لمشاركة مستشارين عسكريين أمريكيين في تدريب فصائل المعارضة السورية المعتدلة. كما قامت فرنسا في مطلع نوفمبر 2015 بإرسال حاملة الطائرات “شارل ديجول” للخليج العربي للمشاركة في الحرب على “داعش” في العراق وسوريا. كما كثفت تركيا من انتشار قواتها على الحدود مع سوريا، وقامت بزيادة دوريات الرقابة الجوية للحدود، ورفعت مستوى تأهب قواتها.
وفي السياق ذاته، صدقت الحكومة الألمانية في 1 ديسمبر 2015 على تفويض لمشاركة القوات الألمانية في الحملة العسكرية على “داعش” في سوريا، حيث صرح رئيس الأركان الألماني فولكر فيكر بأن ألمانيا قد ترسل 1200 جندي إلي الشرق الأوسط في نهاية عام 2015 لدعم التحالف الذي يقاتل تنظيم الدولة، مؤكدا أن “فرقاطة” ألمانية سترافق حاملة الطائرات الفرنسية “شارل ديجول” التي ستزود طائراتها مقاتلات التحالف بالوقود. كما وافق مجلس العموم البريطاني في 3 ديسمبر 2015 على مشاركة القوات البريطانية في الغارات الجوية على معاقل تنظيم “داعش” في سوريا، وهو ما أعقبه مباشرة قيام مقاتلات بريطانية انطلقت من قبرص بتوجيه ضربات لمعاقل التنظيم.
وقد يؤدي هذا التداخل في العمليات العسكرية إلي احتمالات نشوب مواجهات بين مختلف الأطراف الدولية، خاصة في ظل توتر العلاقات بين روسيا والدول الغربية، منذ التدخل الروسي في أوكرانيا، وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على روسيا.
2- الصدام مع تركيا: أدي إسقاط المقاتلات التركية للقاذفة الجوية الروسية لتوتر العلاقات الروسية – التركية لدرجة دفعت بعض المصادر للتحذير من احتمالات حدوث مواجهة عسكرية روسية – تركية في سوريا، في ظل التصعيد المتواصل، والتصريحات العدائية المتبادلة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقيام روسيا باتخاذ إجراءات اقتصادية ضد تركيا، شملت دعوة المواطنين الروس لمغادرة تركيا، وفرض قيود على الواردات التركية، وتقليص رحلات الطيران الروسية لتركيا.
وعلى الرغم من تأكيد المسئولين في تركيا وروسيا عدم احتمالية حدوث مواجهة عسكرية بينهما، فإن حربا بالوكالة قد تفجرت على أثر هذه الحادثة، مع تكثيف روسيا لغاراتها الجوية على مناطق جبل التركمان التي تسعي تركيا لحمايتها، مقابل استمرار الدعم التركي لبعض الفصائل المسلحة في سوريا.
3- تصعيد القوى الإقليمية: أثار التدخل الروسي لدعم بقاء نظام الأسد اعتراض بعض القوى الإقليمية الفاعلة في الملف السوري، خاصة المملكة العربية السعودية. ففي 29 سبتمبر 2015، أشار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلي أن الرئيس السوري بشار الأسد عليه أن يرحل، أو أن يواجه “خيارا عسكريا”.
وتكرر هذا التأكيد خلال لقاء وزير الخارجية السعودي نظيره النمساوي سباستيان كورتس، في الرياض في 16 نوفمبر 2015، حيث أشار إلي أن “الخيار العسكري في سوريا لا يزال مطروحا”، وشدد على دعم المملكة للمعارضة السورية في مواجهة نظام الأسد.
وفيما يتعلق بالتدخل العسكري الروسي، أشار الجبير، في تصريحاته في 22 أكتوبر 2015، إلي أن التدخل الروسي في سوريا “خطير جدا”، لأنه يؤجج الصراع، مضيفا أن المملكة العربية السعودية قد أكدت هذا خلال المحادثات مع روسيا، مؤكدا أن الأسد لن يكون له أي دور في مستقبل سوريا.
ومن ثم، يمكن القول إن التدخل العسكري الروسي يواجه بيئة إقليمية غير مواتية قد تدفع بعض الأطراف الإقليمية لدعم حلفائها داخل سوريا عسكريا، مما يؤدي لاستنزاف القدرات العسكرية الروسية، وإطالة أمد التدخل العسكري الروسي في سوريا، مع توسيع نطاق الانخراط العسكري الروسي فيها.
ولا ينفصل ذلك عن تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، على هامش قمة المناخ في باريس في 1 ديسمبر 2015، والتي حذر فيها نظيره الروسي فلاديمير بوتين، من أن “ذكري أفغانستان لا تزال حاضرة في الذاكرة”، وأن الدخول في حرب أهلية لن يكون في مصلحة روسيا، وهو ما يؤكد احتمالات تفاقم الصراع بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية في سوريا.
ملاحظات ختامية مؤقتة:
لا يمكن عدّ سيناريوهات التدخل العسكري في روسيا اتجاهات متعارضة، حيث إن تطورات الواقع العسكري والسياسي قد تؤدي لتحول هذه السيناريوهات لمسارات متوازية أو متتابعة زمنيا على حسب كثافة تحولات المعطيات الواقعية في سوريا.
وفي هذا الإطار، يمكن القول إن التدخل العسكري الروسي في سوريا بدأ تكتيكيا، واستهدف ضمان موقع مستديم لروسيا في التفاعلات الإقليمية في الشرق الأوسط، من خلال الوجود العسكري في سوريا للحفاظ على المصالح الروسية، وبناء تحالفات جديدة مع الدول الإقليمية المحورية، مثل مصر، للالتفاف حول العزلة المفروضة على روسيا من الدول الغربية.
وفي المقابل، واجهت روسيا واقعا إقليميا ودوليا معقدا نتيجة كثافة الأدوار الدولية والإقليمية في سوريا، وتعقيدات الصراع الداخلي، وتصاعد استهداف الوجود العسكري الروسي في سوريا، في إطار الحروب بالوكالة، وهو ما قد يؤدي لخروج تدخل موسكو عن النطاق المحدود الذي وضعته القيادة الروسية، والتورط في حرب استنزاف ممتدة، في حالة عدم اكتمال عمليات التهدئة وتسوية الصراع في سوريا، والتي أصبحت رهنا بالتوفيق بين مصالح الأطراف الإقليمية والدولية المتعارضة، وليس فقط حسم الصراعات بين الفرقاء المحليين.
محمد عبدالله يونس
مجلة السياسة الدولية