خطة دولية لإنقاذ اللاجئين

خطة دولية لإنقاذ اللاجئين

200

شهد الشهر الأول من 2016 وصول عدد من اللاجئين إلى أوروبا يزيد عشرة أمثال على العدد الذي وصل إليها في يناير 2015. وتحدثت تقارير عن قوارب غارقة بمن عليها من اللاجئين كل أسبوع. ولا يوجد تقريباً ما يدل على يأس الفارين من سوريا أو من الدول المجاورة أوضح من إصرارهم على تحدي أهوال الإبحار في الشتاء للوصول إلى أوروبا. وفي الوقت نفسه، تنتهي محادثات السلام حتى قبل أن تدخل الأطراف غرفة المفاوضات. فمن إذن يستطيع لوم أشخاص يغامرون بكل شيء في سبيل الهرب؟

إن «لجنة الإنقاذ الدولية» تمتلك رؤية فريدة للأزمة في مراحلها المختلفة، لأن اللجنة وكالة مساعدات إنسانية تعمل داخل سوريا وفي الدول المجاورة، وتعمل عن طريق الانتقال في أوروبا، في اليونان وصربيا، وهي وكالة توطين للاجئين في الولايات المتحدة تساعد عشرة آلاف لاجئ في العام.

ويخوض موظفونا العاملون في سوريا البالغ عددهم ألفين، معركة يومية للوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرعاية الصحية والتعليم والمساعدة بالمال. وفريقنا الذي يضم 1500 موظف في الدول المجاورة، يشهد أفراده على قصص الحرب ومحاولات لم شمل الأسر في بلدان تراجع تعاطفها بسبب ما تعانيه من إرهاق العبء. وفريقنا المؤلف من 300 موظف في أوروبا والبلقان، يشهد على الارتباك المتواصل للحكومات الأوروبية بشأن كيفية معالجة حالة الطوارئ الإنسانية داخل حدودها. وعناصر فريقنا البالغ عددهم 800 شخص في مدن الولايات المتحدة، يستشعرون التأثيرات السلبية لخطاب سياسي أصبح مشحوناً بل ومسموماً في أحيان كثيرة.

ومع مرور كل عام من حرب سوريا تصبح البدائل أسوأ والاختيار أصعب. في عام 2011، كان من السهل فيما يبدو توقع أن نظام الأسد سيرحل مثلماً رحل حسني مبارك، ولذا كانت تكلفة احتمال رحيله منخفضة نسبياً. وفي عام 2012، عندما ترنح نظام الأسد كان من الممكن حينها أن ينتصر المعارضون دون دعم من الغرب، ولذا بدا الانتظار والترقب مأمون العواقب. وفي عام 2013، مع تصاعد تدفق اللاجئين بعد توسع نطاق القتال، انقسمت جماعات المعارضة وضرب خطر المتشددين بجذوره في وسط وشرق سوريا، مما أدى إلى فتور الهمة للتدخل على رغم استخدام الأسلحة الكيماوية. وفي عام 2014، كان سقوط الموصل وتفاقم خطر «داعش» يعني ظهوراً مفاجئاً لجبهة ثانية ومعقدة للحرب. وفي عام 2015، أحبط التورط الروسي في القتال الجدل بشأن فرض منطقة لحظر الطيران أو لحظر القصف مع اشتداد أزمة اللاجئين.

ومع أن أوروبا لم ترغب في التورط في الشرق الأوسط فإن الشرق الأوسط جاء إلى أوروبا. وانعقد مؤتمر لندن لدعم سوريا والمنطقة في ظل هذه الظروف الكئيبة. وكان هدف المؤتمر أن يقضي على وهْم أن حرب سوريا وما يصحبها من تدفق اللاجئين مجرد اضطراب قصير الأمد يتطلب مساعدات إنسانية مؤقتة. وأكد المؤتمر على أن الحرب تزداد ضراوة وساحة المعركة تزداد تعقيداً والخيارات السياسية أكثر صعوبة واحتمالات تحقيق الاستقرار أبعد منالاً، وفي ضوء كل هذا تنتقل مساعي المساعدات الإنسانية إلى مرحلة جديدة تماماً.

وهذه المرحلة من المساعدات الإنسانية تعني ضرورة التوصل إلى صفقة جديدة للاجئين في الدول المجاورة ولتلك الدول نفسها. وهذه الصفقة الجديدة تعني أن الدعم الاقتصادي طويل الأمد ضروري إذا أرادت الدول أن تفعل شيئاً للاجئين. وقد حقق المؤتمر أهدافه في هذا الصدد. وتمت تلبية مناشدات الأمم المتحدة للحصول على تمويل لتوفير الغذاء والمسكن والرعاية الصحية. والطموحات الجديدة للتعليم الشامل والتوظيف بأعداد كبيرة، أصبحت ممكنة مع الالتزامات الجديدة من المانحين. فقد تم وضع معيار جديد للالتزام الإنساني الاستراتيجي يوازن بين جانبي المهمة الاجتماعي والاقتصادي. والآن تبدأ مهمة ترجمة التعهدات إلى عمل. وقد يبدو هذا صعباً، ولكنه الجزء الأسهل، مقارنة بثلاث مهام أخرى عاجلة.

أولاً: ضرورة توصل الحكومات الأوروبية إلى الاتفاق بشأن ما هو ضروري للاجئين الموجودين بالفعل في أوروبا، وأولئك الذين ما زالوا في طريقهم إليها. وعمليات التسجيل يتعين تطويرها، ويجب الإسراع بعملية تحديد وضع اللاجئين، وزيادة الرعاية والبدء في عملية إعادة التوطين لتوزيع العبء على أنحاء أوروبا كافة.

ثانياً: هناك مسألة حماية المدنيين داخل سوريا. فما زال هناك نحو 17 مليون شخص يعيشون فيها وهم عرضة لمخاطر جمة بشكل يومي. وهناك سبعة ملايين أخرجوا من ديارهم و4,5 مليون تقول الأمم المتحدة إنه «من الصعب الوصول إليهم»، و486700 شخص آخرون «محاصرون»، ومصير الطرق المؤدية إلى حلب المعرضة للقصف السوري والروسي في وضع غير مستقر. ولم يتطرق مؤتمر لندن إلى قضية كيفية إلزام كل الأطراف وبخاصة الحكومة السورية بعدم انتهاك قرارات الأمم المتحدة المتعاقبة التي تنص على توصيل آمن للمساعدات والحماية للمدنيين.

ثالثاً: هناك استمرار الحرب نفسها والحاجة إلى التقدم على المسار السياسي. والمبادرة انتقلت على الأقل هذا الأسبوع إلى روسيا. وهم يخلقون حقائق على أرض الواقع، وعندما تتغير الحقائق تتغير العقول والخيارات. والضحايا بلا صوت. ونادراً ما تكون الأعمال الإنسانية ضرورية إلى هذه الدرجة، فيما القيود عليها صارخة بهذه الكيفية. إنني فخور للغاية بما يقوم به فريق عمل «لجنة الإنقاذ الدولية» ومكابدتهم لكي ينقذوا الحياة ويحافظوا عليها. وأتمنى أن أبلغهم أن المساعدة من جانب رجال الساسة أصبحت ممكنة ومتاحة.

ديفيد ميلباند

رئيس لجنة الإنقاذ الدولية

نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية