تجدّد الصراع بشكل لافت بين الغريمين التقليديين في العراق، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وذلك بمناسبة إعلان رئيس الحكومة حيدر العبادي عن نيته إجراء تعديل حكومي يوصف بالعميق، ويراد له أن يتم بعيدا عن المحاصصة الحزبية والطائفية.
وبينما أعلن ائتلاف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي ويضمّ أبرز الأحزاب الشيعية الحاكمة، تأييده التغيير الوزاري المنتظر، عاد مقتدى الصدر، الخميس، ليهدّد بالانسحاب من العملية السياسية، معتبرا أن حكومة “التكنوقراط السياسي” تمثل عودة إلى “دائرة الفساد والتحزب والطائفية”.
ويشكّك متابعون للشأن العراقي في قدرة العبادي على تمرير أي تعديل حكومي لا يضمن مصالح الأحزاب الشيعية المهيمنة على السلطة في البلاد من خلال تعيين وزراء تقنيين في مجالات اختصاصهم.
ويتوقّع هؤلاء أن يتمّ اللجوء إلى وجوه غير بارزة تتبع تلك الأحزاب أو تدين لها بالولاء وتقديمها باعتبارها من التكنوقراط.
ويفسّر هذا الطرح تواصل الصراع في داخل البيت السياسي الشيعي على المواقع الحكومية.
وقالت مصادر عراقية إنّ تأييد نوري المالكي وعدد من القادة البارزين للأحزاب الشيعية، لخطوة العبادي، مأتاه أنّ هؤلاء ضمنوا لهم مواقع في حكومة “التكنوقراط” القادمة التي ساهموا أصلا في اقتراح أسماء وزرائها، بينما لم يستطع الصدر فرض مرشحيه، كونه بات في موقف ضعيف داخل العائلة السياسية الشيعية لخسارته الدعم الإيراني على خلفية مواقفه المتحوّله وعدم ثقة طهران فيه.
وفتح ائتلاف دولة القانون الطريق أمام التعديل الوزاري بدعوته، الخميس، الكتل السياسية إلى توجيه وزرائها بوضع استقالاتهم تحت يد رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وقال رئيس كتلة الائتلاف النيابية علي الأديب في مؤتمر صحافي إن “على الكتل السياسية توجيه وزرائها بوضع استقالاتهم تحت يد رئيس الوزراء حيدر العبادي”، مبينا أن “ائتلاف دولة القانون يدعم مبادرة العبادي بإجراء تغيير وزاري شامل”.
كما دعا الأديب حيدر العبادي إلى إرسال أسماء المرشحين إلى البرلمان.
وعلى الطرف المقابل هدّد مقتدى الصدر، الخميس، بالانسحاب من العملية السياسية اعتراضا على ما سماه حكومة “التكنوقراط السياسي”، في إشارة إلى أنّ التعديل الحكومي الرافع للواء التكنوقراط لا يخرج عن النطاق الحزبي.
وقال الصدر إن “حكومة التكنوقراط المستقلة النزيهة البعيدة عن الفساد المستشري أمر لا بدّ منه وهو مطلب جماهيري شعبي”، مستدركا بأن “حكومة التكنوقراط السياسي تمثل عودة إلى دائرة الفساد والتحزب والطائفية، وهذا أمر لا ترتضيه المرجعية ولا نحن ولا الشعب”.
ومعروف عن مقتدى الصدر عداؤه الشديد لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي سبق أن أعلن سنة 2008 خلال وجوده على رأس الحكومة، الحرب على الفصيل المسلّح التابع للصدر والمعروف آنذاك بجيش المهدي، قبل أن يعلن الصدر عن حلّه بصفة شكلية ويغيّر اسمه إلى سرايا السلام.
ورغم مغادرته منصب رئيس الوزراء إثر الانتخابات الماضية، مازال المالكي يحظى بنفوذ سياسي كبير في العراق، كونه مدعوما من إيران ويتزّعم حزب الدعوة الذي ينتمي إليه أيضا رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، ويقود ائتلاف دولة القانون الذي يحوز 92 من المقاعد الـ328 بالبرلمان.
ويمتلك التيار الصدري ثلاث حقائب وزارية في التشكيل الحكومي الحالي، ويخشى أن يخسرها دون القدرة على تعويضها بـ”تكنوقراط” تابعين لها كما يتوقّع أن تفعل الأحزاب القوية.
وأضاف الصدر “إذا لم تتم الإجراءات الحقة، فإننا سوف نصعّد من مطالبنا وسنبتعد عن أروقة السياسة”.
وتهديد الصدر بالانسحاب من الحياة السياسية أمر متكرّر من قبل رجل الدين الذي يعمل دائما على إبراز أهميته في المشهد السياسي العراقي، بينما يقول منتقدوه إنه لم يوفّق في استثمار اسم عائلته ومكانتها بين شيعة العراق، في انتزاع مكان مؤثّر له بين باقي منافسيه الأقوياء.
وتشارك عدّة شخصيات سياسية عراقية أخرى، مقتدى الصدر شكوكه بشأن التعديل الحكومي الذي يجري الإعداد له في العراق.
وذهب المتخوّفون من هذا التعديل حدّ القول إنّ شعار إنهاء المحاصصة السياسية قد يستغلّ في إلغاء حصص عدّة فرقاء لمصلحة عدد محدود من التيارات الشيعية المهيمنة على الحكم، متوقّعين أن يفضي التعديل الوزاري إلى حكومة من لون واحد تحت ستار التكنوقراط.
ومن هذا المنطلق يطالب هؤلاء بالكشف عن آلية ومعايير اختيار الوزراء الجدد، ومن قام بترشيحهم.
ويأتي ذلك في ظل حديث أوساط سياسية عراقية عن أنّ قائمة التشكيل الحكومي العراقي الجديد باتت جاهزة بين يدي رئيس الوزراء، بعد أن قُدّمت له من قبل كبار قادة الأحزاب الدينية وبمشاركة بعض الوزراء الحاليين الذين اقترح كل منهم شخصا من ثقاته ليكون خليفته في المنصب.
صحيفة العرب اللندنية