متى يتغير القادة؟: عندما يختار المتشددون السلام..تحليل نفسي لرؤساء وزراء إسرائيليين

متى يتغير القادة؟: عندما يختار المتشددون السلام..تحليل نفسي لرؤساء وزراء إسرائيليين

4400

ماذا استمرَّ بعض القادة الإسرائيليين في مواقفهم المتشددة، بينما اتجه البعض إلى طاولة المفاوضات؟.. هذا هو التساؤل الذي تسعى الباحثة “يائيل آرانوف” أستاذ العلاقات الدولية المساعد بكلية جيمس ماديسون وبجامعة ولاية ميشيغان، للإجابة عليه في كتابها المعنون “علم النفس السياسي لرؤساء الوزراء الإسرائيليين: عندما يختار المتشددون السلام” من خلال تحليل شخصيات لمسئولين إسرائيليين.

ويُمثُّل هذا الكتاب تحديًا للاقترابات الواقعية التي تُؤكد أن القادة الذين يسعون لنفس الأهداف ويتلقون نفس المعلومات، يحملون إدراكًا واحدًا للبيئة المحيطة بهم، وقد اعتمد الكتاب في تحليله على المقابلات مع بعض القادة الإسرائيليين أو أفراد عائلاتهم المقربين، فعلى سبيل المثال أجرت الباحثة مقابلة مع إيهود باراك، وشقيقة إسحاق رابين، بالإضافة إلى مراجعة السير الذاتية لهؤلاء القادة وتحليلها.
كيف يفكر القادة الإسرائيليون؟
لا يُمكن الاعتماد على التغيرات في البيئة الدولية من أجل فهم مواقف القادة وسياساتهم تجاه العرب، وذلك لأن معدلات إدراك القادة لهذه التغيرات ليست واحدة. فشخصيات القادة ومعتقداتهم تحمل تأثيرًا من الأهمية بمكان على السياسة الخارجية لدولهم تجاه الدول الأخرى عامة، ومن ثم، تحدد آرانوف مجموعة من المتغيرات التي تساهم في تفسير إدراك القادة الإسرائيليين للعرب:
1- الأيديولوجيا: حيث تعد أحد المحددات الرئيسية التي تسهم في تشكيل وعي وإدراك الفرد تجاه العالم، وعادةً ما يستخدمها الأفراد لتبرير أهدافهم، وإضفاء الشرعية على هوياتهم، وقد أشار بعض الباحثين في مجال علم النفس إلى أن تأثير الأيديولوجيا قد يختلف من شخص لآخر؛ فقد تكون الأيديولوجيا قائدًا ومحددًا مباشرًا لجميع أفعال الفرد، أو قد تكون بمثابة إطار لتفكير الفرد. ويوصف النوع الأول بأنه متعصب أيديولوجيًّا، ويصعب أن يقوم بتغيير مواقفه، ويمكن وضع كثير من القادة الإسرائيليين في هذه الفئة.
2- الثقة المفرطة: يُشير الكتاب إلى أن الشخص الذي يتوقع أن تتحقق أهدافه الرئيسية مهما طال المدى الزمني سوف يميل إلى عدم مراجعة مواقفه، بل قد يسعى للحفاظ عليها دون أدنى مراجعة، وقد أشار البروفيسور “جرل روزاتي” الأستاذ بجامعة ساوث كارولينا إلى أن فشل الأهداف الرئيسية عادةً ما يدفع الأفراد لمراجعة مواقفهم وتوجهاتهم، كذلك أشار إلى أنه قد يحدث فشل في تحقيق الأهداف إلا أن صانع القرار قد يرفض الاعتراف بهذا الفشل، أو قد لا يدرك حدوث هذا الإخفاق، ويستمر في اعتقاده بأنه يمضي في تحقيق أهدافه، ومن هنا سيظل متمسكًا بمواقفه ورؤيته للعدو.
3- شيطنة الآخر: ينقسم القادة الإسرائيليون في هذه النقطة إلى فئتين؛ فئة تميل لأن ترى أنه يوجد تأييد ودعم دولي لها في بعض الدول، ومن ثمَّ يميل هؤلاء لأن يتخذوا بعض الدول كحلفاء محتملين، فيما يرى البعض منهم أن العالم معادٍ لهم، وأن الدول التي تقوم بدعمهم إنما تقوم بدعم مصالحها في الأساس الأول، وقد تتخلى عنهم في أي وقت.
4- معضلةُ الأمن: يرفض العديد من القادة الإسرائيليين تلك الرؤى التي تؤكد وجود علاقة بين السلام وتُحقق الأمن. فعلى سبيل المثال، يرى حزب الليكود الإسرائيلي أن بناء الجدار الفولاذي سيجبر العالم على قبول دولة إسرائيل الكبرى، ومن ثمَّ فإن هؤلاء يرون أنه يُمكن توفير قدرٍ عالٍ من الأمن دون الاضطرار إلى التفاوض مع العرب، والتنازل عن جزء من الأراضي التي حصلوا عليها.
5- الارتداد للماضي: يميل بعض الأفراد لاستباق الأحداث والعيش في المستقبل، فيما يميل البعض الآخر لمعايشة الحاضر بكل مجرياته، ويتجه آخرون إلى العيش في الماضي، والتعامل معه كأنه لا يزال يحدث، وهو الاتجاه الذي يميل بعض القادة الإسرائيليين لتبنيه؛ إذ يرى بعضهم أن ميزان القوى لا يزال كما هو، وأن قوة العدو لم تتغير، كما أن القادة العرب يتعاملون بنفس منطق الخمسينيات والستينيات.
بينما القادة الذين يركزون على الحاضر ويتلقون معلومات عن الأحداث الجارية، يستطيعون إدراك التحولات الشاملة ويقومون بتغييرات ولكن بشكل بطيء. وهذا ينبني على فكرة جيرفيس التي تؤكد أن الوصول التدريجي للمعلومات يؤدي إلى تغييرات طفيفة، فبعكس القادة الذين يركزون على الماضي، فإن القادة الذين لديهم توجه نحو الحاضر قادرون على التغيير، على الرغم من أنهم أكثر بُطئًا في التغيير من أولئك القادة الذين يركزون على المستقبل، لأن التوجه نحو المستقبل من شأنه أن يعزز التغير في شخصيات القادة، وإدراكهم للتطورات في فكر العدو وفي البيئة الإقليمية والعالمية بشكل أسرع.
وبناءً على التوجه نحو الماضي أو الحاضر أو المستقبل، يُمكن تصنيف القادة إلى ثلاث فئات، أولئك الذين يركزون على الماضي ولا تحدث لهم أي تغيرات ولا يدركون أية تحولات في البيئة المحيطة بهم، مثل إسحاق شامير، وأولئك الذين يركزون على الحاضر، وتحدث لهؤلاء تغيرات طفيفة تجعلهم يدركون التطورات في البيئة المحيطة ولكن بشكل بطيء، مثل إسحاق رابين وإيهود باراك، وأخيرًا أولئك القادة الذين يتوجهون نحو المستقبل، وهم الأكثر قدرة على التغير، وعلى إدراك التحولات والتطورات في البيئة المحيطة وفي العدو، مثل شيمون بيريز.
6- الميل للمخاطرة: يرى كل من “أليكس مينتز” و”روز ماكديرموت” المتخصصين في علم النفس السياسي، أن ميل الأفراد للمخاطرة يؤثر على سياستهم الخارجية؛ فالأشخاص الذين يتجنبون المخاطرة يركزون على الخسائر أكثر من المكاسب، ويختلف المتخصصون في علم النفس السياسي حول ما إذا كان القادة الذين يميلون إلى المخاطرة هم أكثر استعدادًا للجلوس على طاولة المفاوضات والتوصل إلى تسوية سلمية من عدمه؟ إذ يرى فريق منهم على رأسهم “دانيال بايمان” و”كينيث بولاك” أن القادة الذين يميلون إلى المخاطرة هم الأكثر ميلا إلى خوض الحرب، وهو الرأي الذي يخالفهم فيه فريق آخر يأتي على رأسه مؤلفة هذا الكتاب، والتي تؤكد أن الأفراد المخاطرين بطبيعتهم هم أميل لاتخاذ قرارات غير تقليدية.
7- الذكاء العاطفي: يميل الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي إلى الاستماع للآخرين، وتقبل النصيحة والآراء المخالفة، وهو ما يمكن تعريفه بشكل أكثر وضوحًا “القدرة على فهم الآخرين ودوافعهم، والطرق المثلى للتعاون معهم”، وعلى الرغم من أن هذه الصفة من الضروري أن تتوفر لدى غالبية القادة، فإن بعض القادة لا يمتلكونها، بل إن بعضهم يمكن وصفه بذلك المصطلح المستخدم في علم النفس السياسي “أصم عاطفيًّا emotionally tone deaf”.
نماذج لعقلية بعض القادة الإسرائيليين:
حرصت الباحثة على مراجعة الأحداث المحورية التي شكلت نفسية عدد من القادة الإسرائيليين، كما قامت بمراجعة أبرز تصريحاتهم ومواقفهم تجاه العرب، ومن هؤلاء القادة الذين قامت بدراستهم:
1- إسحاق شامير: “العرب هم العرب” هكذا عبّر إسحاق شامير عن موقفه ورؤيته للعرب، واصفًا إياهم بأنهم لا يتغيرون مهما حدث، ولقد ظل شامير متشددًا طيلة حياته، يحمل نفس الأفكار تجاه العرب والفلسطينيين، حيث ظل مؤمنًا حتى وفاته في عام 2012 بأن العرب يريدون غزو إسرائيل.
ويرجع السبب وراء عدم تغير موقف إسحاق شامير إلى إيمانه الشديد المطلق بأيديولوجية حزب الليكود المتشددة، والتي تؤكد مبادئ مثل “الحق في أرض إسرائيل الكبرى”، وأن الوقت في صالح إسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين، وأن إسرائيل تواجه عالَمًا معاديًا لها، لذا فالسلام أمر غير محتمل، ولا يمكن التوصل إلى تسوية إقليمية مع الفلسطينيين. وقد نتج عن إيمان شامير بهذه الأيديولوجيا، تبنيه سياسات رافضة لمبدأ التسوية الإقليمية من أجل السلام مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى رفضه التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، وتأكيده ضرورة استكمال بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
كذلك تميل أيديولوجيا حزب الليكود إلى تأكيد أن العالم كله يعادي إسرائيل إلى حد وصفه الولايات المتحدة -في بعض الأحيان- بجلاد اليهود الجديد عندما عارضته في بعض المواقف، وقد مال شامير إلى العيش في الماضي، والتعامل مع فرضية أن القادة العرب يجهزون قواتهم لغزو إسرائيل. وتميل شخصية شامير إلى المخاطرة في سبيل قيام دولة إسرائيل؛ إذ إنه ضحى بمنصبه كرئيس وزراء إسرائيل بسبب رفضه وقف بناء المستوطنات، كما أعلن أنه على استعداد للموت من أجل قيام دولة إسرائيل الكبرى.
2- بنيامين نتنياهو: حيث تعتبر شخصية نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل لغزًا محيرًا للعديد من الباحثين، فالبعض يرى أنه مؤمن بجذور الأيديولوجيا الصهيونية لحزب الليكود، بينما يُصر آخرون على وصف نتنياهو بأنه شخصية انتهازية ولا توجد لديه أية معتقدات راسخة.
وعلى الرغم من أن الرأي العام يلعب دورًا هامًّا في التأثير على سياسات نتنياهو، فإن الأيديولوجيا التي يُؤمن بها لها تأثير أهم على مدى وتوقيت التنازلات التي يقدمها، فخلال الفترة الأولى من حكم نتنياهو كان وفيًّا لأيديولوجيته، يتبع سياسات من شأنها الحفاظ على ما حصلت عليه إسرائيل من أراضٍ، وقد كان رسميًّا يسعى لتنفيذ اتفاق أوسلو، إلا أنه واقعيًّا حاول تقويضه من خلال التباطؤ في تنفيذه والتقليل من آثاره. وبالإضافة إلى الأيديولوجيا، فقد كان للماضي تأثير كبير على شخصية نتنياهو، فانخراطه في الصراع التاريخي منعه من تغيير الصورة العدائية التي يحملها إزاء الفلسطينيين.
أما في فترة رئاسته للوزراء الثانية والثالثة، فقد بدأت شخصية نتنياهو المرنة تتضح أكثر، فعلى سبيل المثال نجد أنه على الرغم من معارضته العنيفة لاتفاقات أوسلو، فإنه أكد التزامه بها إذا وفّى الفلسطينيون بالتزاماتهم، ففي عام 2009 وافق نتنياهو على مبدأ حل الدولتين تحت الضغط الأمريكي، وقام بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية، وفي 2013 وافق على إطلاق سراح المسجونين الفلسطينيين، وذلك لتسهيل تجديد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
4- إرييل شارون: “هل يجب أن نهتمَّ بتوفير الأمن لأشخاص آخرين على حساب اليهود؟ مستحيل، وأؤكد مستحيل وأكررها مرة أخرى مستحيل”. فعلى العكس من شامير ونتنياهو، نجد أن شارون كان في شبابه عضوًا عاديًّا في حزب العمل، لم يتربَّ على الأيديولوجيا الاسترجاعية، ولم يَسِرْ على خُطى أيديولوجية جامدة، وكان يوافق بشكل علني على فكرة إقامة دولة فلسطينية، وعلى الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة. ولكن على الرغم من ذلك كان مؤمنًا ببعض مبادئ أيديولوجيا حزب الليكود، مثل أن الوقت في صالح إسرائيل، وأن قوة الجيوش العربية النسبية سوف تقل بمرور الوقت. وأن صنع السلام يجب تأجيله عشرين عامًا حتى تقوم إسرائيل ببناء المستوطنات وزيادة الهجرة، وبأن أعداء إسرائيل من الممكن عزلهم بالجدران لضمان الأمن، وخلال الوقت سوف يرضخ الفلسطينيون لقوة إسرائيل الكبرى، وسيقومون بتخفيض مطالبهم.
وقد تأثَّر شارون بإحدى مقولات والده التي كررها له كثيرًا: “يجب عليك ألا تتنازل أبدًا ولو بمقدار بسيط”، وعلى نهج العديد من القادة الإسرائيليين رأى شارون أن العالم يعادي إسرائيل، وقد وصف ياسر عرفات بأنه هتلر الثاني، وقد وصف الدول العربية المحيطة بإسرائيل في إحدى مقولاته: “هل رأيت في أي مكان آخر في العالم أربعة ملايين شخص يخشون على حياتهم من الملايين المعادية لهم”، وقد كان شارون يميل لانتهاك كافة القوانين الدولية.
5- إسحاق رابين: لقد كان رابين أحد أهم القادة المتشددين، فعندما كان وزيرًا للدفاع 1988 قمع الانتفاضة الفلسطينية بالقوة، ثم تغيرت مواقف رابين جذريًّا خلال آخر خمس سنوات من حكمه ليقوم بتوقيع اتفاقيات أوسلو، والتي تؤكد الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وليؤكد أن الوقت ليس في صالح إسرائيل، وأن السلام يجب أن يتم تعزيزه. وهذه التحولات الدراماتيكية لرابين يُمكن تفسيرها من خلال تحليل شخصيته والأيديولوجيا التي يعتنقها، فقد مكّنته أيديولوجيا حزب العمل المرنة وتركيزه على الحاضر من إدراك التغيرات في الدول العربية، وجعلته يؤمن بأهمية الحل الوسط من أجل السلام، وبضرورة الانفتاح نحو التغيرات في الجانب الفلسطيني، والتأثر بالرأي العام العالمي.
6- إيهود باراك: لقد اتّبع باراك خطى أستاذه إسحاق رابين الذي تأثّر بفكره، فقام بمنح ياسر عرفات تنازلات كبيرة، وأقام علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، وعلى الرغم من كلّ ذلك لم يكن باراك قادرًا على الوصول للسلام مع الفلسطينيين والسوريين كما كان يريد.
وقد كان باراك متشددًا إلا أنه خضع لتغير هام، ففي البداية كان رافضًا لفكرة إنشاء دولة فلسطينية، ومعارضًا لاتفاقيات أوسلو عام 1993، ثم تحول باراك خلال محادثات كامب ديفيد، وأصبح أول رئيس وزراء إسرائيلي يقبل التفاوض بشأن تقسيم القدس.
المرونة الأيديولوجية لباراك جعلته يحاول التوصل إلى حل وسط، كما أن باراك لا يحمل رؤية عدائية للعالم، فعلى حد تعبير الكتاب قام باراك بالاستقالة من الجيش لأنه اعتقد أن إسرائيل ستكون في سلام مع جيرانها قريبًا، وسيتم اعتبار إسرائيل جزءًا من الشرق الأوسط، كما أنه من خلال تتبع كثير من مواقفه خلال فترة الطفولة والمراهقة يتضح ميله للمخاطرة الشديدة، وإصراره على تحقيق أهدافه. فعلى سبيل المثال، التحق بالقوات العسكرية الخاصة في الجيش، وقام برفض عدد من الأوامر في الجيش التي تطالبه بالرجوع عن أحد المهام العسكرية بسبب خطورتها.
7- شيمون بيريز: لقد تحول بيريز من متشدد يعتمد على القوة العسكرية والنووية لردع أعداء إسرائيل عام 1950، إلى داعٍ للسلام يوقع اتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين عام 1993. ويلاحظ أن تلك التغيرات التي حدثت في توجه بيريز تنعكس على عناوين كتبه، ففي عام 1970 كتب بيريز “حبال داود” مؤكدًا أهمية تعزيز دفاع إسرائيل وقوتها العسكرية.
وفي أواخر الثمانينيات كتب “الكفاح من أجل السلام والشرق الأوسط الجديد”، داعيًا إلى حاجة إسرائيل إلى مبادرة سلام مع جيرانها العرب. وقد أكد بيريز أن العالم قد تغير، وأصبح كل من الإقليم والحدود أقل أهمية في ظل التعاون الاقتصادي العالمي، وقد أسهمت أيديولوجيا حزب العمل في تحول موقف بيريز، وجعلته يؤمن بأن الوقت ليس في صالح إسرائيل، وأن هناك خيارات جديدة لتحقيق السلام يجب أن تؤخذ في الاعتبار.
وبينما تعزز أيديولوجيا بيريز المرنة تغير مواقفه، إلا أن توجهه نحو المستقبل هو الذي يحدد معدل وآليات هذا التغير، فقد كان يفكر دائمًا في التطورات التي يمكن أن تحدث في المستقبل، مثل التغير في الأهمية النسبية للتعاون الاقتصادي وإسهامه في تحقيق السلام. كما أن إدراك بيريز المرن يسمح له بأن ينصت لمختلف الآراء، وأن يُفكر بشكل خلاق في الحلول الممكنة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأن يغير الصورة التي يأخذها عن منظمة التحرير الفلسطينية بشكل أسرع من رابين الذي يعتبر عقله أقل انفتاحًا، وتعتبر أفكاره أقل تميزًا.
متى يتغير القادة؟
إن الربط بين حالات الدراسة السابقة وبين أدبيات علم النفس السياسي لهو أمر من الأهمية بمكان، فتحليل شخصيات رؤساء الوزراء الإسرائيليين يؤكد حقيقةً هامةً، وهي أنه على الرغم من أهمية التغيرات التي تحدث للعدو والتطورات في السياق العالمي والإقليمي لتفسير التغير في الصورة التي يحملها القائد إزاء الخصم، إلا أنها عوامل غير كافية للتفسير، لأن إدراكات القادة تلعب دورًا هامًّا في الوصول إلى اتفاقات مثل أوسلو، وفي التأثير على نجاح أو فشل عملية السلام، مما يدحض الافتراض القائل بأن قرارات القادة هي مجرد رد فعل تجاه التغيرات الحادثة للعدو، وأنه لا توجد حاجة إلى دراسة شخصيات القادة لتفسير السياسة الخارجية للدولة.
فمن التحليل السابق، نلاحظ أن الاختلافات في الشخصية وفي الأيديولوجيا التي يعتنقها كلٌّ من القادة الإسرائيليين السابقين، لها تأثير هام على الصورة التي يأخذها كل منهم إزاء العدو، وعلى إدراكاتهم وردود أفعالهم تجاه الانتفاضات وحرب الخليج ومبادرة السلام العربية وثورات الشرق الأوسط الأخيرة، وفي قدرتهم على الوصول لاتفاق مع الفلسطينيين.
وعلاوةً على ذلك، فإن تحليل توجهات القادة نحو الماضي أو الحاضر أو المستقبل يؤكد حقائق إمبريقية هامة، وهي أن القادة الذين يركزون على الماضي أقل قدرة على إعادة تقييم الصورة العدائية التي يحملونها إزاء الخصم، وأن القادة الذين يرتبطون عاطفيًّا بالماضي العنيف المليء بالصراعات لا يستطيعون الوصول إلى تسويات سلمية دائمة، لأنهم غير قادرين على بناء صورة جديدة للخصم.

يائيل آرانوف

أستاذ العلاقات الدولية بكلية جيمس ماديسون

عرض: زينب مجدي
المصدر:
Yael S. Aronoff,), the political psychology of Israeli prime ministers: when hard liners opt for peace, New York, Cambridge university press, 2015.

نقلا عن المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية