حقّق الاقتصاد العالمي عام 2015، معدل نمو أقل من ذلك الذي تحقّق عام 2014 (على أساس قياس الناتج المحلي الإجمالي العالمي)، بلغ 3.1 في المئة، في مقابل 3.4 في المئة وفقاً لصندوق النقد الدولي، و2.4 في المئة في مقابل 2.6 وفقاً للبنك الدولي. وفي هذا المجال، أذكر أن مكتبَي المؤسستين الدوليتين يقعان في واشنطن، مقاطعة كولومبيا، ويفصل بينهما شارع لا يتعدى عرضه العشرة أمتار.
جاء هذا الانخفاض في معدل نمو الاقتصاد العالمي نتيجة زيادة في نسبة النمو الاقتصادي في مجموعة الاقتصادات المتقدمة، حيث ارتفعت نسبة النمو من 3.1 في المئة عام 2014 إلى 3.4 في 2015، وانخفاضاً في نسبة النمو الاقتصادي في مجموعة الاقتصادات الصاعدة والنامية من 4.6 في المئة إلى 4 فقط. وتضمّ المجموعة الثانية، أي مجموعة الاقتصادات الصاعدة والنامية، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (منطقة «مينا») التي انخفض نموّها من 2.6 في المئة عام 2014 إلى 2.3 في 2015، كما انخفضت نسبة النمو الاقتصادي قليلاً في دول مجلس التعاون الخليجي العربية من 3.3 في المئة إلى 3.2 بين العامين 2014 و2015. وجاء الانخفاض في نسبة النمو الاقتصادي في مجموعة الاقتصادات الصاعدة والنامية في ظل توترات جيوسياسية وانخفاض أسعار السلع الأولية، وعلى رأسها النفط.
شهد عام 2015، أخباراً سارة وأخرى حزينة. من الأخبار السارة على مستوى الاقتصادات المتقدّمة، استمرار قوة النمو الاقتصادي في أكبر اقتصاد على مستوى العالم، أي الاقتصاد الأميركي الذي نما بنسبة 2.6 في المئة، في مقابل 2.4 عام 2014، وخلق 2.45 مليون فرصة عمل عام 2015، والذي استحوذ على نحو 24 في المئة من مجمل الناتج المحلي الإجمالي العالمي الذي بلغ 73.5 تريليون دولار عام 2015، كما أن منطقة اليورو نمت بسرعة أعلى بنسبة 1.5 في المئة، في مقابل 0.9 عام 2014. أما اليابان، فقد استمر نمو اقتصادها بنسبة أقل من واحد في المئة.
ومن الأخبار غير المفرحة على مستوى الاقتصادات الصاعدة والنامية، استمرار انخفاض نموّها باستثناء بعض الاقتصادات مثل الهند وإندونيسيا، في ظل انخفاض أسعار السلع الأولية وتشديد الأوضاع المالية. كما أن النمو العالمي المتزامن والمستدام بقي بعيد المنال.
تلك هي بعض مشاهد الاقتصاد العالمي عام 2015، فكيف سيكون هذا الاقتصاد خلال العام الحالي؟
تظهر توقعات كلّ من البنك الدولي وصندوق النقد، أن نمو الاقتصاد العالمي سيكون هذه السنة أفضل منه عام 2015. ويتوقع البنك الدولي أن يرتفع معدل نمو الاقتصاد العالمي من 2.4 في المئة عام 2015 إلى 2.9. أما معدل نمو الاقتصاد العالمي وفقاً لصندوق النقد الدولي، فسيرتفع من 3.1 في المئة إلى 3.6 في المئة بين العامين 2015 و2016.
وعلى مستوى الأقاليم، يتوقع البنك الدولي أن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة «مينا»، من 2.4 في المئة عام 2015 إلى 5.1 في المئة عام 2016، أي أن البنك يتوقع أن ينمو اقتصاد منطقة مينا في عام 2016 بمعدل يزيد عن ضعف نموه عام 2015. ويعزو البنك هذا التفاؤل وبهذه الزيادة الكبيرة، إلى رفع العقوبات عن إيران التي يتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة 5.8 في المئة هذه السنة، في مقابل نمو بسيط عام 2015 بلغ 1.9 في المئة. أما صندوق النقد الدولي، فيتوقع أن ينمو اقتصاد منطقة «مينا» بنسبة 3.8 في المئة عام 2016، في مقابل نسبة نمو بلغت 2.3 في المئة عام 2015، واقتصاد إيران بنسبة 4.4 في المئة هذه السنة في مقابل 0.8 في المئة عام 2015.
هذه التوقعات سواء التي نشرها البنك الدولي أو صندوق النقد، تظل رهينة التطورات والتوترات الجيوسياسية التي نأمل بأن تخف وتتضاءل وتزول نهائياً، لتبدأ مسيرة البناء والإعمار. وإضافة الى ذلك، ستظل هذه التوقعات رهينة نمو النشاط الاقتصادي في ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، أي الصين التي يقدّر ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 15.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2015. فالاقتصاد الصيني، الذي يتوقع أن ينمو بنسبة 6.7 في المئة وفق البنك الدولي و6.3 في المئة وفقاً لصندوق النقد الدولي عام 2016، يتحول ببطء من اقتصاد قائم على الاستثمار والتصنيع والتصدير إلى اقتصاد قائم على الخدمات والاستهلاك والاستيراد. مثل هذا التحول الذي بدء منذ سنوات، دونه تحديات لا بد من مواجهتها.