ربما لا يحتاج الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى أعذار سياسية ليبرر فتور حرارة اهتمامه بالشرق الأوسط فيما ترتفع حيال الشرق الأقصى. بين الشرقين، لا تخفي الإدارة الأميركية الأولوية الاستراتيجية التي يستأثر بها حاليًا الشرق الأقصى، وذلك على خلفية التحركات الصينية في المنطقة، وعلى رأسها بناء تسع جزر اصطناعية فوق شعب مرجانية في بحرها الجنوبي وإقامتها قواعد عسكرية فوق بعضها، مما أثار مخاوف واشنطن من مخطط لتحويل البحر إلى «بحيرة صينية» وإخضاع حق الملاحة في ممر مائي دولي حيوي «للهيمنة» الصينية.
من الطبيعي ألا تشكل هواجس الولايات المتحدة من تصاعد النفوذ الصيني في الشرق الأقصى، بحد ذاتها، مبررًا لفتور اهتمام إدارة الرئيس أوباما بالشرق الأوسط.. لو لم يترافق ذلك مع تراجع الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للشرق الأوسط في السنوات القليلة الماضية وتحول عدد من دوله إلى عبء أمني وسياسي على الغربين الأميركي والأوروبي. وفي هذا السياق، وبقدر ما هو مؤشر اقتصادي حيوي، يعتبر التراجع المتواصل في أسعار النفط الخام مؤشرًا سياسيًا أيضًا لتضاؤل دور دول الشرق الأوسط العربية على الساحة الدولية، فيما يسرّع بوتيرة تآكل نفوذها تخبط معظمها بحروب ونزاعات داخلية. وبالمقابل، وكحصيلة مباشرة لهذا الواقع، يتثبت نفوذ طرفين غير عربيين في المنطقة ويتعزز أمنهما؛ أحدهما حليف الحاجة الإقليمية والمحلية لواشنطن، أي إسرائيل، وثانيهما صديق الضرورة المتوقع في مستقبل غير بعيد، أي إيران.
ربما تفسّر هذه المعطيات رد فعل الإدارة الأميركية الهادئ، بمقاييس سنوات الحرب الباردة، على التدخل العسكري الروسي المباشر في منطقة كانت حتى الأمس القريب وقفًا على النفوذ الأميركي. ومهما كانت مكاسب موسكو من حربها السورية، قد يحملها تدخلها العسكري أعباء سياسية واقتصادية كانت تتحملها واشنطن والغرب الأوروبي حتى الآن.
دخول لاعب دولي كبير، مثل روسيا، على ساحة الشرق الأوسط في ظروفه الراهنة، لم يؤثر بتاتًا على التحالف التاريخي بين واشنطن وإسرائيل – وإن كان استوجب تفاهمًا إسرائيليًا – روسيًا على خطة «تعايش جوي» في سماء سوريا، ولم ينل من مسيرة التحسن التدريجي لعلاقة واشنطن بإيران – رغم أن إيران تحارب في خندق واحد مع روسيا. وإذا كان الوجود الروسي في سوريا لا يصب تمامًا في مصلحة الحليف الأطلسي، تركيا، فهو يجعلها أكثر اضطرارًا للالتزام بالخط الأميركي في سوريا بعد أن حركت شكوكًا أميركية بـ«أطلسيتها» في أعقاب امتناعها عن دعم هجوم المسلحين الأكراد على عين العرب (كوباني)..
على خلفية هذه المعطيات قد يصح التساؤل: هل تؤسس إدارة الرئيس أوباما الديمقراطية لقيام معادلة شرق أوسطية جديدة خالية من العامل العربي بعد أن عملت الإدارات الجمهورية السابقة على تقليص النفوذ العربي فيه؟ – أي شرق أوسط يرتكز على «ترويكا» غير عربية تتشكل من إسرائيل وتركيا وإيران؟
إذا جاز استخلاص عبرة من مؤشر آخر – وإن كان غير كافٍ للحكم على نوايا إدارة الرئيس أوباما – فقد تكون بمقارنة طريقة تعاملها مع المعارضتين العربية والكردية لنظام الرئيس الأسد، ففيما توسلت إدارة الرئيس أوباما أعذارًا متنوعة لحجب السلاح النوعي عن «الجيش السوري الحر» (المعتدل حسب وصفها) أغدقت السلاح على المحاربين الأكراد التابعين لميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية»، والمتهمين بممارسة سياسة تطهير عرقي في مناطقهم وطورت علاقاتها معهم إلى حد التحالف العسكري.
ربما تعتبر إدارة الرئيس أوباما أن سياسة «غسل اليد» من الشأن العربي في الشرق الأوسط – بما في ذلك القضية العربية الأولى فلسطين – تقلل من احتمالات تورطها المباشر في «المغامرات الخارجية». ولكن المخاطر التي ستواجهها واشنطن مع انطلاقة «سباق النفوذ» في المنطقة بين دولتين نوويتين (إسرائيل وإيران)، وتفاقم التوترات العرقية بين تركيا «والاستقلاليين» الأكراد، وبين عرب الشمال السوري وأكراده، إضافة إلى المواجهات المتواصلة بين المقاومة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلية.. قد تعيدها قسرًا إلى دبلوماسية التدخل المباشر في الشرق الأوسط، ديمقراطية كانت إدارتها أم جمهورية.
أما موقع العرب على خريطة الشرق الأوسط الجديد.. فمن العبث الاعتقاد أن أحدًا غيرهم يمكنه أن يضمنه أو يصونه.
وليد أبي مرشد
صحيفة الشرق الأوسط