إنجاز هدنة بين النظام والمعارضة بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية خطوة أولى نحو مفاوضاتٍ، تهدف إلى العثور على حل سياسي في جنيف في 9 الجاري، إذا لم تؤجل، بإشراف الأمم المتحدة.
تسبب هذا النزاع انتقاصاً من سورية، كوطن يعتبره القوميون العرب “قلب العروبة النابض”. وإذا كانت أهمية الهدنة لو صمدت في أنها توقف النزف، ولو نسبياً؛ فإن الأهم أن تتحوّل إلى عملية عبورٍ لانتقالها نحو ديمومة السلام الأهلي والوحدة الوطنية لاستعادة دورها القومي والحضاري.
في السنوات الخمس الماضية، لم يكن للمواطن السوري حرمة، ولا لحياة الإنسان قدسية. كان النزاع عبثياً تجسّد بجولات شرسة من القتال غير معهودة. الأمر الذي جعل استرخاص الحياة السمة السائدة لهذه الحرب.
إذاً، كانت هذه هدنة، فهي تنطوي على إمكانية سلام قادم كما على إمكانية استئناف القتال. لذلك، يجب أن تكون مؤقتةً بقدر الإمكان، حتى يأخذ العمل السياسي والدبلوماسي مجراه لتحقيق المصالحة الراسخة، وبما يمهد لبدء ورشة البناء وإزالة الدمار، خصوصاً إعادة بناء المستشفيات التي دمرها الطيران الروسي والسوري، في خرقٍ فاضحٍ ومعيبٍ، كان ينبغي ألا يحصل.
فالمصالحة لا بد أن يرافقها نقد الذات، لتحصين المناعة، كي تسرّع سورية الخارجة من هذا المخاض العسير، عملية وحرية الحوار واستقلالية المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، حتى يشعر المواطن بأن الدولة توفر وتؤمن حقوقه، وحرمة وجوده. فما نحن فيه الآن هو هدنة تشكل فرصةً متاحةً لتحقيق نقلة نوعية إلى النظام الجديد، تجمع عليها كل السوريين وتياراتهم السياسية.
يجب أن يكون تحقيق المصالحة من خلال المفاوضات المقرر إجراؤها قريباً في جنيف، برعاية الأمم المتحدة، فرصةً لا يجوز تفويتها كما حصل، أخيراً، لمعرفة أسباب الحرب العبثية التي حصلت، وذلك بهدف استعادة مناعة وحرمة وحرية الوطن والمواطنين.
ما نتطلع إليه هو أن تكون الهدنة جديةً ليتم الاستئناف في وضع بنود المصالحة بدقة والتزام، لضمان ديمومتها أولاً، ولاستعادة الثقة بين الأطراف المتنازعة، بحيث يتمكّن المجتمع السوري من استعادة دوره ورسالته.
وحتى لا يكون هذا التمني وهذه الرغبة من جانب أبناء الشعب العربي الذين يتمنون الخير لسورية، ووحدة شعبها، مجرد تمنٍّ؛ فلا بد أن تكون مدة الانتقال من الهدنة إلى سلام بنّاء ودائم مدة قصيرة؛ لأن قصرها يشير إلى استعداد جميع الأطراف، من نظامٍ ومعارضة، للخروج من الأزمة.
كانت هذه الهدنة مرشحة للتنفيذ، فقد تم التفاهم بشأنها بين روسيا والولايات المتحدة، بعد التدخل الروسي العسكري المدوّي في سورية والموقف الأميركي المتردّد، والذي اكتفى ببعض المساعدات لفصائل المقاومة. أدى ذلك كله إلى هذه الهدنة. والآن، على أطراف النظام والمعارضة في جنيف، بإشراف مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، أن يأخذوا بعين الاعتبار، وبكثير من الجدية والالتزام المطلق، مسألة إعادة اللحمة الوطنية للشعب بجميع مكوناته، حتى تكون الهدنة مؤقتة، والفرصة الحقيقية لتحقيق الأماني المنشودة لكل فئات الشعب السوري، وكي تتيسر العودة لعشرات آلاف اللاجئين انطلاقاً من الثقة بإنهاء الحرب، وبالمصالحة الحقيقية بين أبناء الشعب الواحد.
وعليه، لا بد أن تكون نتائج اتفاقية جنيف المقبلة قابلة للتصديق، ليس من الشعب السوري فحسب، بل أيضاً من جميع الذين يرغبون في الاستثمار، في عملية إعادة البناء، بعد كل ما حصل من دمار. كما يجب أن تكون نتائج ما يتم في جنيف ملهماً وموضع ثقة، بحيث تسهل المرحلة الانتقالية وتسرّع في العودة إلى الحياة الطبيعية والاستعداد الدولي، لتقديم المساعدة والمساهمة في إعادة الإعمار، من تمويل وتنفيذ.
عندئذ، وبعد أن يتم المطلوب والمرغوب في جنيف، نأمل أن يستطيع الشعب السوري والأمة العربية تحويل مقولة “سورية قلب العروبة النابض” من مجرد شعار إلى واقع، حيث ينبغي أن تكون هذه المناسبة الفرصة التي تتحقق فيها المصالحة الجدّية التي يتوقعها ويريدها الجميع.
كلوفيس مقصود
صحيفة العربي الجديد