مرعب أن تقوم ذات صباح لتجد «دونالد ترامب» رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، إنه أمر محتمل، وغير مستبعد، في ظل الانتصارات التي يحققها في أغلب الولايات التي تم الانتخاب فيها، وفشلت فشلاً ذريعاً كل الحملات الإعلامية المنظمة والشرسة للتحذير منه، ومن أفكاره، ومن مغامراته، ومن تبعات تصريحاته، ليس على أمريكا فحسب، وإنما على كل قيم العالم المتحضر، حتى أن بعض المحللين الأمريكيين شبهوه برئيس كوريا الشمالية «كيم يونغ أون»، أو «أحمدي نجاد» المحافظ الإيراني، أو بالرئيس الليبي متقلب الأطوار «معمر القذافي»؛ ولك أن تتصور لو أن واحدا من هؤلاء الرؤساء المجانين الثلاثة حكم أمريكا، ماذا سيحل بالعالم!
عندما رشح نفسه في البداية، كان كثيرون يرجحون أنه دلف إلى الانتخابات الأمريكية وهو على يقين أنه سيخسر، وأنه كان يريد أن يحصد من سباقه في الانتخابات لا الوصول إلى البيت الأبيض ولكن ليجني أكبر قدر من الشهرة يستمطرها فيما بعد، لتصب عليه، وعلى استثماراته، أمطارا من ذهب، وأنه ربما يتقدم في البداية، ولكن سيعود عدد ناخبيه إلى الاضمحلال في النهاية قطعا – وهذا ما يذهب إليه بالمناسبة – كثير من السعوديين الذين يقدمون أنفسهم (خبراء) في الشؤون الأمريكية السياسية الداخلية، غير أنه ظل يكتسح ويسقط من أمامه المنافسون الواحد تلو الآخر، حتى أصبح خبراء الإحصاء وقياس الشعبية، الذين يحتكمون للأرقام، وليس الانطباعات، يؤكدون أنه المرشح الأرجح للحزب الجمهوري. ولا أحد من المحللين يعرف السبب على وجه التحديد، الذي جعل هذا الرجل العنصري، والعدواني، والمناهض للقيم الأمريكية، وعدو المرأة، يستقطب كل هذا القدر من الأنصار والمؤيدين؛ وإن كان هناك بعض التكهنات التي تعيد هذا المزاج الأمريكي الجديد، إلى التراكمات النفسية والاقتصادية، التي دفعها للظهور على السطح، أن دافع الضرائب الأمريكي، لم يجنِ من سياسة الحزبين التقليدية إلا مزيداً من المتاعب الاقتصادية، والصداع السياسي، بل القرف من الوعود الانتخابية، التي يطلقونها في الانتخابات، ويتخلون عنها عندما يتولون السلطة، فأراد أن يقف مع «ترامب» الذي يُعدُّ استثناء على جميع من سبقوه من المرشحين الأمريكيين، في الحزبين الرئيسيين؛ فالمواطن الأمريكي – كما يذهب البعض – يتساءل ماذا استفدت أنا كمواطن، وما هو مردود هذه العنتريات في السياسة الخارجية، والوعود بالمن والسلوى في السياسات الداخلية، على قضاياي اليومية، فلا يجد إجابة شافية يمكن أن تقنعه، فكان «ترامب»، بتطرفه، وتمرده، وسيره في الطريق المعاكس، هو الذي قلب الطاولة على المتحلقين حولها.
وهناك أمريكيون ما زالوا يصرون على أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، والقرار النهائي في السياسة الأمريكية، يخضع لعوامل ومعادلات ومحددات راسخة ومتكرسة، ما يجعل دور الرئيس محدوداً نسبيا؛ فالرئيس الأمريكي لا يعمل بمنطق (أنا الدولة والدولة أنا)، ولو افترضنا جدلا أنه أراد أن يعمل وفقا لهذا المنطق، لاصطدم بالدستور، ومخالفة الدستور في الولايات المتحدة، مثل أن يأت الحاكم المسلم بكفر بواح عند المسلمين عليه من الله برهان. ويضيفون : ما يقال قبل الانتخابات أغلبه تذروه رياح الممارسات الواقعية بعد أن يتسنم الرئاسة. وعلى أية حال، فالمجتمع الأمريكي مجتمع حيوي، قوي في نسيجه الداخلي، كما أن نخبه، ومن يمسكون بزمام الأمر فيه اجتماعياً وثقافياً، ما أن تظهر على السطح هذه النتوءات وهذا التشوه، حتى تسارع النخب إلى العمل على إصلاح هذه النتوءات بطرق علمية، عادة ما تحقق قدرا كبيرا من النجاح: ففي بدايات القرن العشرين الماضي، كان هناك منظمة عنصرية، عرفها الأمريكيون باسم الـ (k.k.k – ku klus klan) وظهرت في القرن التاسع عشر، وكانت تقتل الأمريكيين من أصول أفريقية، وتتمسح في الوقت ذاته بالمسيحية، واستمرت، واستشرت في أوائل القرن العشرين، حتى يقال إن ما نسبته من 15 في المئة إلى 20 في المئة من الأمريكيين البيض كانوا يناصرونها، غير أن قوة النخب في أمريكا، والمؤسسات المدنية، استطاعت أن تحاصر ثقافة هذه المنظمة، وتلاشت أو تكاد الآن. اللافت للنظر أن هناك بعض المؤشرات التي تؤكد أن والد «ترامب» كان مناصرا لهذه المنظمة، وعندما سئل «ترامب» عنها وعن موقفه منها، كانت إجابته ضبابية. وليس لديّ أدنى شك أن حيوية ومؤسسات المجتمع الأمريكي المدنية، كفيلة بإلحاق ثقافة ترامب بتلك المنظمة العنصرية القميئة التي عرفها التاريخ في القرن العشرين.
محمد آل الشيخ
الجزيرة