هبطت الثلاثاء طائرات سوخوي- 34 الروسية في قاعدة جوية في جنوب روسيا معلنة عن وصول أولى الوحدات من القوات الروسية تنفيذا لقرار الرئيس فلاديمير بوتين المفاجئ بسحب قوات روسية من سوريا في خطوة قد تقلب الأوضاع على طاولة المحادثات بين النظام السوري والمعارضة في جنيف.
وفي الوقت نفسه، تداولت أوساط سياسية عالية المستوى أن الانسحاب الروسي قد يكون بداية صفقة بين القوى الكبرى تفضي إلى احتمال قرب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد من الحكم.
وكان النظام السوري يوشك على السقوط عندما وصلت القوات الروسية التي غيرت قواعد اللعبة بعد وصولها إلى سوريا لأول مرة في سبتمبر الماضي.
وعلى الفور أعلن سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة السورية في محادثات جنيف قوله الثلاثاء إن المعارضة “ليست ضد” المحادثات المباشرة مع الحكومة السورية. ونقلت وكالات أنباء عن المسلط قوله “لسنا ضد بدء محادثات مباشرة”.
وجاءت تصريحات المسلط بعد ساعات من إعلانه أن “المعارضة تجد في الانسحاب الجزئي الروسي من البلاد، خطوة جيدة ترتبط بمدى تطبيقها ميدانيا”.
وعاد بوتين إلى قلب الأوضاع السورية مرة أخرى بقرار سحب الجزء الأكبر من القوات بعد أن تمكنت من فرض واقع جديد على الأرض.
وسحب بوتين الجزء الأكبر من القوات وفقا لاتفاقات دولية قال دبلوماسيون غربيون إن الروس استثمروها للحصول على مقابل في الأزمة الأوكرانية التي وضعت بلادهم في عزلة دولية، تمكنت من الخروج منها لاحقا عبر الانغماس بعمق في الأزمة السورية.
وليس واضحا إلى الآن طبيعة هذه التنازلات الغربية في أوكرانيا أو حجمها، لكن التوافق الغربي على اتخاذ أي خطوات كمقدمة لانفراجة كبيرة في الأزمة بدأ في اجتماعات ميونيخ التي جرت الشهر الماضي، وتضمنتها نقاشات مكثفة بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف.
لكن قرار سحب الجزء الأكبر من القوات الروسية يعكس أيضا أن بوتين مازال يحتفظ بالقدرة على مفاجأة الجميع، حتى الأسد الذي أسرع في توضيح أن الهدف الرئيس للخطوة الروسية ليس الضغط على نظامه.
وأعلنت روسيا الثلاثاء أنها تخطط لإبقاء 800 فرد من قواتها بقاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية في سوريا.
وإذا حمل قرار الانسحاب الروسي نوايا جيدة فسيكون بمثابة رسالة إلى الأسد بضرورة الانخراط الإيجابي في المفاوضات التي تنتهي جولتها الأولى في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.
كما سيحرر وزير الخارجية الأميركي جون كيري من ضغوط أميركية ودولية تتهمه بتقديم الكثير من التنازلات للروس من أجل الإسراع في بدء المفاوضات بأي ثمن.
وقال كليف كوبشان رئيس مجموعة “يورواسيا” للأبحاث إن “بوتين على ما يبدو يضغط على الأسد لإجراء مفاوضات ذات معنى، مع الوصول إلى حل على المدى القصير يقوم على مشاركة السلطة مع المعارضة، وحل آخر طويل الأمد يتمحور حول الإصلاح الدستوري وإجراء الانتخابات الرئاسية”.
وأضاف “الخطوة الروسية الحادة تعكس أن الأسد حاول مقاومة بعض هذه الالتزامات الدولية، وأن ذلك قد يعيق خروج روسيا من الركن البارد من العالم”. وينفي الكرملين أن الهدف من قرار سحب القوات هو الضغط على الأسد.
لكن الدعاية المهيمنة على تقارير تبثها وسائل إعلام روسية نقلا عن بوتين هي أن إصداره أمرا بسحب الجزء الأكبر من قواته جاء بعد تحقيق أهدافها.
ويقول السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين إن “الرئيس الروسي تمكن أخيرا من سحب البعض من قواته من سوريا بعدما تأكد من أن عملية إنقاذ النظام في دمشق تمت بنجاح. لقد قصف وقتل عددا كافيا من خصوم الأسد كي يتأكد من تحقيق هذا الهدف”.
وتأكد بوتين من أن قواته منحت حياة جديدة للأسد، كما سلمته أدوات تمكنه من التمسك بشروطه على طاولة المفاوضات.
وتصر روسيا على الاحتفاظ بالحق في إعادة إرسال أي حجم من القوات تراه مناسبا إلى سوريا إذا ما اقتضت الضرورة.
وقال أندرو ويس، الباحث في مؤسسة كارينغي في واشنطن، إنه “مازال من المبكر جدا التنبؤ بتأثير هذه الخطوة على الأحداث بصفة عامة”.
لكنه أكد أن نجاح سحب القوات الروسية في إعطاء دفعة للمفاوضات “سيمكن الروس من القول إن العالم كله لجأ إلينا في النهاية”.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا قبل نحو خمسة أعوام يصر الرئيس الأميركي باراك أوباما على انتهاج سياسة عدم التدخل بشكل حاسم في أزمات الشرق الأوسط خاصة الأزمة السورية، خشية التورط في عملية عسكرية طويلة الأمد على غرار غزو العراق.
لكن قرار بوتين بسحب القوات الروسية أظهر أن عملية عسكرية محدودة وحاسمة من الممكن أن تكون قادرة على تغيير واقع الصراع على الأرض، من دون الحاجة إلى غزو عسكري مكلف وطويل الأمد.
صحيفة العرب اللندنية