استيقظ موالو النظام في طرطوس صباح الثلاثاء ليلحظوا غياب البوارج الحربية الروسية من شاطئ البحر المتوسط بعد أن رحبوا بقدومها لمؤازرة قوات النظام السوري نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وليصعقوا بخبر سحب القوات الروسية مساء.
ظهر الإرباك في تعاطي الإعلام الرسمي مع القرار الروسي بسحب القوات، وأصدرت رئاسة الجمهورية والجيش والقوات والمسلحة بيانين يستشف المتابع للشأن السوري منهما أن النظام السوري علم بخبر الانسحاب من وسائل الإعلام، وليس من القنوات الدبلوماسية الرسمية الروسية.
ويأتي الانسحاب في لحظة حرجة للنظام السوري عشية بدء اجتماعات جنيف، حيث ظهر النظام دون حليفه القوي، بل بدا وكأن الروس قد تخلوا عنه بشكل نهائي في لحظة غاية في الدقة، يفهم منها أن الروس فضلوا عدم الغرق في مستنقع الحرب السورية طويلا.
وعن قرار الانسحاب المفاجئ، قال المستشار القانوني في الجيش السوري الحر المحامي أسامة أبو زيد للجزيرة نت “إن صدقت القيادة الروسية بتطبيق قرارها بسحب قواتها من سوريا تكون أخذت خطوة إيجابية لإفساح المجال أمام عملية انتقال سياسي يبدأ برحيل بشار الأسد ورموز نظامه”.
الأهداف الروسية
وأشار أبو زيد إلى أن “روسيا تعتقد أنها حققت الكثير من أهدافها في العملية العسكرية، ويعتبر الروس أن مصالحهم مصانة من خلال الاتفاقية الموقعة بينهم وبين النظام، والتي تبيح الأراضي السورية لهم حيث يشاؤون، ووجهوا رسائل لدول الإقليم أن سوريا ساحة نفوذهم على المتوسط، وعلى العالم أن يتعامل معهم لحل أي مسألة متعلقة بها”.
ويخشى مراقبون من اتفاق محتمل بين روسيا والولايات المتحدة تتعهد فيه الأخيرة بتثبيت هدنة طويلة توقف “الأعمال العدائية” بين طرفين باستثناء تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وتقوم واشنطنبإيقاف الإمداد العسكري -الضعيف أساساً- عن أي فصيل يخرق الهدنة، وربما وضعته على لائحة “الإرهاب” إن كان من الفصائل الإسلامية.
من جانبه، اعتبر القيادي بالمعارضة السورية سمير نشار أن الموقف الروسي “يأتي نتيجة التفاعلات داخل الجبهة الروسية الإيرانية، فروسيا تريد الوصول إلى حل سياسي يحفظ مصالحها وهي غير متمسكة بالأسد، بينما يعتقد الإيرانيون أن أي حل سياسي يطيح بالأسد سيحصر دورهم وهيمنتهم على سوريا والمنطقة”.
وعن توقيت الإعلان الروسي، لفت نشار إلى أن توقيت القرار الروسي عشية بدء المفاوضات، وأنه أتى بعد يوم من المؤتمر الصحفي لوزير خارجية النظام السوري وليد المعلم الذي اعتبر الحديث عن بشار الأسد خطا أحمر مع قبوله بحكومة ودستور جديدين للبلاد.
وقال نشار إنه من المؤكد أن قرار سحب القوات الروسية سيكون له أثر كبير على النظام، لكن من المبكر التفاؤل الآن.
الكلفة الاقتصادية
وتقدر تكلفة العمليات الروسية في سوريا بنحو مليار ونصف المليار، وهو رقم كبير من إجمالي الموازنة الحربية الروسية البالغة خمسين مليار دولار.
وقال قائد الفرقة الشمالية المقدم فارس بيوش إن “روسيا لن تقدم مصلحة بشار الأسد على مصلحتها، ولن تستطيع الاستمرار بحرب طويلة بعد هبوط أسعار النفط”.
ويشكل انخفاض أسعار النفط ضغطا كبيرا على الميزانية الروسية التي تعتمد أساسا على النفط والغاز.
ويعتبر الغاز أهم حوامل الاقتصاد الروسي، وترى موسكو أن أي خط غاز يمر من الخليج إلى أوروبا يهدد أمنها القومي، وهو أحد أهم أسباب تدخلها في سوريا، إضافة إلى توجيه رسالة قوية للجميع بأنها لن تتخلى عن الجيش السوري المبني على هيكلية وسلاح روسي، ولن تفرط باستثمارها فيه لصالح أميركا كما حدث في العراق بعد سقوط صدام.
غير أن القرار ما زال يحفظ النفوذ الروسي، خصوصا في القاعدة البحرية وقاعدة حميميم الجوية، فهي ستبقى تحت إدارة القيادة الروسية خصوصا أن منظومة صواريخ “أس 400” ما زالت موجودة وتفرض على “أصدقاء الشعب السوري” أخذ موافقة الروس قبل أي طلعة جوية.
منهل باريش
الجزيرة نت