للمرة العاشرة ربما، في غضون الشهرين الأخيرين، يعد رئيس الوزراء أو يتعهد أو يؤكد العزم على ملاحقة الفاسدين ووضعهم خلف القضبان، وبخاصة كبارهم. آخر هذه المرات كانت أثناء زيارته هيئة النزاهة منذ يومين حيث اطّلع على عمل وإجراءات الهيئة في مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين بحسب ما جاء في بيان لمكتبه، البيان حمل تأكيداً جديداً للسيد العبادي بأن “لا أحد في مأمن إن كان فاسداً من أعلى موقع في الدولة الى أدنى موقع”.
المهم أن يكون كبار الفاسدين، وهم في الغالب من ذوي أعلى المواقع في الدولة والأحزاب المتنفذة فيها، هم المعنيون قبل غيرهم بعملية مكافحة الفساد، فهؤلاء هم صناع الفساد الأكبر وحماة الفاسدين والمفسدين من كل المستويات.
أعرف أن أحد وزراء الحكومة الحالية ممن شرعوا عقب تسنمهم مناصبهم بفتح ملفات الفساد، وهم محدودون للغاية فيما تشير الدلائل، عندما توفرت له الدلائل القوية المستندة الى الوثائق إلى فساد كبير وفاضح لثلاثة من المدراء العامين في وزارته، اتخذ ما يتوجب عليه من إجراءات بسحب أيديهم وإحالة ملفاتهم الى هيئة النزاهة ومن ثم إعفائهم من مناصبهم.
بفعلته هذه كان هذا الوزير كمن قرّب النار من عشّ الدبابير، فلم يبق إلا القليل جداً من كبار مسؤولي الدولة وأحزاب الدولة لم يتصل به لثنيه عن قراراته وإجراءاته. أحدهم، على سبيل المثال، ذكّره بأن بين حزبيهما علاقات وتحالفات قديمة وأن من الواجب مراعاة هذه العلاقات!.عبثاً كان هذا الوزير يحاول إقناع ممارسي الضغط عليه من كبار مسؤولي الدولة وقادة الأحزاب، بأن الذين يدافعون عنهم فاسدون على نحو يتعين على أحزابهم، قبل غيرها، أن تتبرأ منهم ومن فسادهم.
لا أظن أن أحداً من الأحزاب والقوى المتنفذة في الدولة منذ 2003 لم يكن بين كبار مسؤوليه من الوزراء والنواب والمدراء والمحافظين فاسدون. أكثر القوى نفوذاً في الدولة خلال السنوات العشر الماضية هما ائتلاف دولة القانون والتحالف الوطني اللذان ينتمي اليهما السيد العبادي. العقل والمنطق يقولان إن السيد العبادي إذا كان جاداً في مكافحة الفساد فعليه ان يبدأ بحزبه وكتلته وتحالفه. إنْ فعل هذا سيعطي دفعة قوية للغاية لعملية مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين، وسيحقق هدفه المعبَّر عنه في بيان مكتبه وهو عدم توفير ملاذ آمن لأيّ فاسد.
عدنان حسين
موقع المدى